أريد رحمة لا ذبيحة

 

(متى 9 – 13 و 12 – 7)

في نصي الآيتين أعلاه قال الرب يسوع < إنما اريد الرحمة لا الذبيحة> زاجراً الفريسيين وواصفاً إياهم بعدم الفهم. ففي النص الإنجيلي الأول في دعوة يسوع لمتّى ومشاركته الخاطئين الطعام يقول البشير متى:

ومضى يسوع فرأى في طريقه رجلاً جالساً في بيت الجباية يُقالُ له متّى، فقال له: “إتبعني” فقام فتبعه. وبينما هوعلى الطعام في البيت، جاء كثير من العشارين والخاطئين، فجالسوا يسوع وتلاميذه. فلما رأى الفريسيون ذلك، قالوا لتلاميذه:

< لماذا يأكُل مُعلمُكم مع العشارين والخاطئين؟ > فسمع يسوع كلامهم فقال: < ليس الأصحاءُ بمحتاجين الى طبيب، بل  المرضى. فهلاَّ تتعلمون معنى هذه الآية؟ “إنما اريد الرحمة  لا الذبيحة” < فإني ما جئتُ لأدعو الأبرار، بل الخاطئين >. (متّى 9: 9 – 13) وقد أشار الى ذلك البشير (لوقا 5: 29 – 32).

أما في حادثة السنبل فيقول النص: في ذلك الوقت مَرَّ يسوع في السبت من بين الزروع، فجاع تلاميذه، فأخذوا يقلعون السنبل ويأكلون. فرآهم الفريسيون فقالوا له: “ها إنَّ تلاميذك يفعلون ما لا يَحِل فعله  يوم السبت”، فقال لهم: “أما قرأتم ما فعل داودُ حين جاع هو والذين معه؟، كيف دخل بيت الله، وكيف أكلوا الخبز المقدس، وأكلُه لا يَحِل له ولا للذين معه، بل للكهنة وحدهم؟ أوَما قرأتم في الشريعة أنَّ الكهنة في السبت يستبيحون حرمة السبت في الهيكل ولا ذَنبَ عليهم؟ فأقول لكم إنَّ هَهُنا أعظم من الهيكل. ولو فهِمتُم معنى هذه الآية: إنَّما اريد الرحمة لا الذبيحة، لَما حكمتم على مَن لا ذَنبَ عليهم. فابن الإنسان سيِّدُ السبت”. وقد اشار الى ذلك البشير (لوقا 6: 1 – 5).

وفي كلا النصين كانت غاية يسوع ليس استنكار مبدأ الذبائح الطقسية، وإنما التمسك بالطقوس التقليدية بالحياة الدينية الى حد التزمُّت، تدفع بالإنسان الى إهمال وصية الرحمة وهي وصية رئيسية. والمجادلات في الإنجيل حول السبت كثيرة، ومن خلالها يُظهر يسوع سلطتَه على شريعة السبت. وأراد يسوع أن يفهِم القائمين على تطبيق سنَّة البشر وهم الفريسيون والكتبة أنَّ وصايا الله تفوقها ولا يجب أن تكون السنَّة حائلاً دون تطبيقها! حيث يقول البشير متّى في ( الإصحاح 15 : الآية 1 – 9). ودنا الى يسوع بعضُ الفريسيين والكتبة من اورشليم، فقالوا له: ” لِمَ يُخالفُ تلاميذك سنَّة الشيوخ؟ فهم لا يغسلون أيديهم عند تناول الطعام” فأجابهم: ” لِمَ تُخالفون أنتم وصية الله من أجل سُنَّتكم؟ فقد قال الله: ” أكرم أباك وامَّك” ” ومَن لعن أباه أو أمَّه فليَمُت موتاً” وأما انتم فتقولون: مَن قال لأبيه أو امِّه: كُلَّ شيء قد أساعدُك به جعلتُه قُرباناً، فلن يَلزَمَه أن يُكرم أباه. لقد نقضتم كلام الله من أجل سُنَّتكم. أيها المُراؤون، أحسَنَ أشعيا في نبوءَتِه عنكم إذ قال: ” هذا الشعب يُكرمُني بشفتيه وأما قلبُه فبعيدٌ مني. إنَّهم بالباطل يعبدونني، فليس ما يُعلِّمون من المذاهب سوى أحكام بشرية”.

وختاماً لِمَ سردناه أعلاه، فإن يسوع أراد أن يقول للأوصياء على الشريعة، إنَّ كرامتكم الكهنوتية وعلمكم بالشريعة لا قيمة لهما بمعزل عن عمل الرحمة، فإنَّ ممارستكم الرحمة هي بحد ذاتها تنفيذ للشريعة، فالرحمة هي روح الشريعة، وهي القوة التي من خلالها يُمكن للإنسان أن ينظر الى الآخر بأنه صديقه وليس عدوه. إن المؤمنين مُطالبون من قبل الرب بممارسة الرحمة ولا سيما تجاه المرضى والمعوَّقين والحزانى والخاطئين…  

ما أطيبك يا يسوع الرب! لقد نزلت من عليائك لتفتدي البشر الخطأة، وتقودهم الى السير في درب الإستقامة والرحمة والمحبة التي تاهوا عنها ومالوا الى طريق الشر والعداوة والإساءة. كلمتهم بالأمثال لكي ينطبع تعليمُك الخلاصي في أذهانهم المُفعمة بالكُره والأنانية والفارغة من المحبة، حَوِّل هذه الأذهان يا الله يا مُحبَّ البشرلإستيعاب نورمحبتك التي تفيض بالرحمة، فإنك أبو الجميع وبذلك يكون البشر جميعاً إخوة!!!

الشماس د. كوركيس مردو في 3 / 7 /2015

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *