أراني متفقاً مع الكثير عند اللادينيين



ليس من الجديد قراءة مايطرحه بعض الإخوة اللادينيين من أفكار بخصوص رفض الإيمان ، ولم أتحاشَ يوماً جلساتهم، بل على العكس، إذ غالباً مايكون لها نكهة خاصة. لذا فليس من الصعب أن نفهم إلحادهم ومعارضتهم للمؤمنين أو بالأحرى لمدعي الإيمان، فهم ينظرون إلى الأمور من الناحية العقلية الحسية، أي مايعقل ويرى، بينما الشريحة الثانية تحاول أن تبرر إيمانها عاطفياً. بالرغم من أن مسألة الإيمان ممكن أن تخضع للعقل وإلا كان خيالاً صرفاً. فلماذا الإلحاد؟

بداية أود أن أنوه بأنني قد أستعنت بكلمة إلحاد التي أخترعها المتدينون لأحتقار من ليس مؤمناً إسوة بمصطلح كافر اللعينة، ولم اجد سبيل من عدم ذكر هذه الكلمة، والظاهر بأن اللادينيين أنفسهم قد أسترطبوا على نغمة الكلمة ولم يستحدثوا أي بديل لغوي.

قد يكون الإلحاد في الدول الشرقية يختلف عن الدول الغربية في هذا الزمن، لأن المولود بالشرق حتماً سيولد في عائلة متدينة أو تعتز بإنتمائها الديني، لا بل أن الشرقي متعلق بطائفته أكثر من دينه. وهو يتشرب مباديء الدين منذ نعومة أظفاره، إن كان في البيت أو البيئة أو المدرسة من خلال المناهج الدراسية (النص ردن) أو عبر وسائل إعلامنا المتخلفة والتي تعتمد إسلوب التلقين وليس الفهم والتحليل. حتى في الشارع فنحن نذكر إسم الله في كل شاردة وواردة وغالباً مايكون ذكره في غير محله! وكمثال على ذلك، عند رؤية بنت جميلة، فهناك من يقول “سبحان الله” بينما في نفس الوقت يشتهيها ويتمنى )تجحيشها(! أو من يتكل على الله في تجارة يكذب لأجلها ويحلف أغلظ الإيمان وهو يعي جيداً بانه يكذب أو على الأقل يبالغ. ناهيك عن من يلتزم ظاهرياً وأفعاله غريبة على هيئته، هذا عدا ملامح الإنزعاج الذي تبدو على محيا المؤمنين والناتج عن كبرياء ينتابهم وكأنهم مميزون عن بقية الخلائق غير المهتمة بشكليات الدين وحذافيره. كل هذه الأسباب وغيرها من أحكام يلفقها المنضوون تحت راية الإيمان لكل من له نهج يختلف عن نهجهم، جعلت الكثير يرون بأن من العقل والمنطق عدم الإيمان، فهل هم محقون بذلك ؟

الإنسان السوي يضع كل الأمور في إطار العقل، وكل ماهو غير مفهوم لايعني بالضرورة ضرب خيال، بل قد يكون من الصعب استيعابه. وهذا العالم مليء بالأسرار حتى في الأشياء التي نراها، الإنسان نفسه سر عظيم ولايمكن معرفة كل تفاصيله ومع ذلك هو موجود. وحتى الإيمان يخضع للعقل والمنطق، إنما أجزم بأنه مرتبط إرتباطاً وثيقاً بالنظر أيضاً، وأقصد هنا بأن ينظر للمؤمن كأنعكاس لإيمانه.

إن هاجس المؤمنين بإله واحد بمختلف الأديان والطوائف والملل، هاجسهم الأكبر هو إعتناق العالم لما يعتنقون! وإقصاء من لايحذون حذوهم. والبعض يسلك منهج الإقحام، مثلاً شخص سائر بحال سبيله وسارح في همومه، يخترق صفنته شخص بجواره ويدعوه لدينه، أو يتدخل بما هو ليس من شأنه. وأذكر هذا الحادث وقد جرى معي في الاردن، حيث كنت وزوجتي في سيارة أجرة وقد جلس بجواري شخص لحيته أطول من إبنتي التي كنت أحملها بيدي، ويلبس دشداشة بيضاء، فقال لي لماذا العائلة لاتلبس اللباس الشرعي ويقصد زوجتي؟ فتحاورنا بشأن ذلك، ثم أخبرته بأني مسيحي، فقال: سيدتنا مريم محجبة، فقلت له: وكيف علمت؟ فأجاب: من الصور، فقلت: له لو كان البنطال لباساً شعبياً حينذاك للبسته مريم. والقصص التي حدثت معي كثيرة جداً ومملة حتى من أشخاص مسيحيين إنخرطوا في تعاليم جديدة لا أعرف مصدرها أحياناً، فهم لا يأبهون بخلوة من أمامهم حتى يبادروه بما هو ليس في وقته. وإن كان هذا الإقحام والتدخل هو حق مشروع لكل من كتب على جبينه إنه مؤمن، فإن السؤال، ماذا نفعك دينك على الأرض كي تنفع به الآخرين؟

فإذا كان الدين عبارة عن وعود بحياة أخرى لاحد لجمالها، فعلى هذا الجمال أن يبدأ بحياة المؤمنين الآن وفي كل لحظة تعاش. وإن كان تصرف المؤمنين فظاً مع تجهم الوجه، والفكر الديني سبباً لكره الآخرين ومحاربتهم وإقصائهم، وأستغلال الدين لمصالح شخصية وأنانية، وإن أساء رجل الدين تحديداً إلى رسالته، وإن كان إيمان المؤمنين رياء، فلا عتب على كل من يشك بوجود خالق يُدعى الله، لطّخت حسناته بأفعال بشرية مشوهة.

فلا حاجة للتكابر على اللاديين اللذين نسميهم أستهجاناً ملحدين، ولا سبب يدعو لإكراههم على الإيمان، لأن من يدّعي الإيمان ويتصرف بسوء هو من شرع الأبواب إلى أختيار اللادين.

وإن كان ألله هو موضوع إلإيمان، فلا عجب أن يهيء الحياة التي وعد بها للملحد الذي يحترم حقوق الإنسان ويبادر بمحبة الآخر قبل أن يهيئها لمؤمن ظن بأنه وبسبب مايؤمن به أفضل من غيره، أو من حقه أن يصدر حكماً لمن يعيش بغير إيمانه، هذا إن كان لهم حياة أخرى يستحقونها .

وإن كان لللاديين من ذنب، فذنبهم على عاتق المؤمنين وحدهم .

زيد ميشو

zaidmisho@gmail.com

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *