1500موقع أثري مهمل فـي نينوى لأنها (مجرد حجارة)

بتاريخ : الأحد 08-01-2012


 الموصل/ صالح إلياس

الأبواب موصدة والظلام يخفي تفاصيل البناية من الداخل، حتى الإنارة الحمراء التي تملأ القاعات لا تدل على حياة بقدر ما تبعث على الخمول، والصدى بات سيد المكان بعدما رُفعت من المكان آثار تحكي تاريخ نينوى.

حال متحف الموصل الأثري لم يتغيرمنذ أن اقتحمه في نيسان (ابريل) عام 2003، مجموعة من المخربين وعبثوا في محتوياته وسرقوا بعضا منها. مرت كل هذه السنوات والمتحف مازال يعاني “الموت السريري” كما يقول أهل الطب.
تأسس هذا الصرح الحضاري المهم، عام 1952 ليكون الثاني في العراق بعد متحف بغداد، ويضم قاعتي عرض متخصصتين هما قاعة “آشور” وقاعة “الحضر” أما الثالثة فتحوي مجموعة من الآثار الإسلامية، كما إن الطابق العلوي يضم آثارا من عصور متنوعة.
الدكتورة ريا محسن مديرة المتحف أكدت لـ”نقاش” إن محتويات المتحف تم نقلها إلى بغداد قبل اندلاع الحرب الأمريكية على العراق في آذار 2003، وان الجداريات غير المنقولة لم تتأثر كثيرا خلال الاقتحام.
وأضافت بحسرة “تعرضت خمس قطع صغيرة للسرقة، وألحقت بالمكتبة أضرارا كبيرة، وبالرغم من استرداد بعض المسروقات غير أن نحو مئة كتاب قيِّم مازالت مفقودة”.
تهريب تلك الكتب إلى خارج البلاد ليس أمرا مستبعدا، خاصة إن شخصا مطلعا في منطقة ربيعة الحدودية كشف لـ (نقاش) إن مهربين تداولوا في أعقاب أحداث النهب، كتبا تبدو قديمة جدا بعضها مكتوب بلغة غير عربية قاموا بتهريبها إلى سوريا.
سبب غلق المتحف لا يبدو واضحا تماما، خاصة مع توفر الحماية اللازمة له، إذ انه محاط بمؤسسات أمنية وحكومية كثيرة، فضلا عن تحسن الأمن نسبيا في المدينة بشكل عام.
الدكتورة محسن ترى إن موافقة الهيئة العامة للآثار على إعادة افتتاحه لا تضع حداً لمشكلة إهماله، لأنه بحاجة ماسة للتأهيل، قبل استرداد قطعه الأثرية من بغداد، كما أن المال الذي خصصته الحكومة المحلية لهذا الغرض لن يصرف قبل ستة أشهر من الآن، هذا إن تم صرفه أصلا.
وتستدرك الدكتورة محسن بالقول :إن “المشكلة الأهم تتمثل في قلة موظفي مديرية الآثار، فمنذ عام 1990 لم يُعيَّن في الدائرة سوى موظف واحد بينما أحيل معظم الموظفين الباقين إلى التقاعد، فضلا عن وصول غالبية موظفيه إلى سن التقاعد بعد سنتين أو ثلاث ما يعني أن موظفا واحدا سيبقى ثابتا على الملاك الرسمي إلى جانب ثلاثة آخرين يعملون بعقود مؤقتة”.
كلية الآثار بجامعة الموصل خرّجت مئات الآثاريين على مدى السنوات الماضية – بحسب الدكتور نبيل نورالدين رئيس قسم الآثار في الكلية- التي تضم إلى جانب قسم الآثار قسمين آخرين هما قسم “الحضارة” وقسم ” النقوش واللغات العراقية القديمة”.
المفاجأة كانت تأكيد نورالدين لـ(نقاش) إن المؤسسات الآثارية وأعمال التنقيب من شأنها استيعاب جميع خريجي أقسام الآثار، لأن 95% من المواقع لم يبدأ التنقيب فيها مثل (تل كويجنق) الذي بدأ العمل فيه مؤخرا، ويحتاج إلى 100 سنة للانتهاء منه.
ويعبّر نور الدين عن خشيته على الآثار الشاخصة قائلا “الكثير منها بحاجة إلى صيانة وإعادة تأهيل كبوابة (أدد) المهددة بالسقوط، فقد أعدَت الجامعة خطة علمية لصيانتها بمشاركة مؤسسات أكاديمية أوربية، كما فعلت سنة 1969، لكن المشروع لم يحظ بموافقة الجهات المختصة بسبب الروتين”.
عالم الآثار احمد قاسم الجمعة يقول إن التجاوزات على الآثار في نينوى بدأت منذ تعيين أمين بوتا قنصلا فرنسيا في الموصل عام 1805 ،حيث شاعت منذ ذلك الوقت حملات سرقة منظمة إلى أوربا حتى أن بعض الآثار غرقت في النهر أثناء محاولة البريطاني فكتور بلاز نقلها بالقوارب عبر نهر دجلة.
التجاوزات على الآثار العراقية في سبعينات القرن الماضي، وما بعدها بدأت تأخذ شكل “جرائم غير مقصودة” بسبب الترميم غير العلمي وتحويل القطع الأثرية من موقع إلى آخر.
الجمعة أعد مجموعة من الدراسات والتقارير التي تشير إلى وقوع “كارثة حقيقية” على الآثار العراقية بعد عام 2003، عندما عسكرت القوات الأمريكية في الكثير من المواقع الأثرية، ثم خلفتها القوات العراقية التي مازالت تقيم معسكراتها هناك، فضلا عن ظهور تشققات في شواخص المواقع الأثرية بفعل التفجيرات المتكررة القريبة منها.
مراسل نقاش نَقَل بعض مشاهداته عن مواقع أثرية زارها في الأيام الماضية ووجد خلالها أن مئات العوائل المهجرة أو الفقيرة لجأت إلى هذه المواقع وبنت عليها مساكن عشوائية، ومنها المنازل التي شيدها النازحون داخل سور نينوى، فضلا عن انتشار قوات عسكرية عراقية في مواقع أثرية مهمة أو بالقرب منها ما يجعل الوصول إليها أمرا صعبا.
الجمعة يُعلق على هذه الحالة بالقول “أردت الوصول إلى قلعة الموصل المسماة (باشطابيا) فمنعني الجنود، ولم يسمحوا لي بالدخول إلا بعد ساعتين عندما عرفوا أني رئيس اللجنة التي تم تشكيلها لتأهيل القلعة”.
ويضيف “المواقع الأثرية لم تحظ بإدامة منذ سنين حيث تتراكم عليها النفايات والأنقاض، وجميعها غير مهيأة لاستقبال الزوار، فلا توجد لوحات إرشادية أو شبكة إنارة أو برامج توضيحية بالصوت والصورة”.
مديرية آثار نينوى، المسؤولة عن حماية الآثار ومنع التجاوز عليها، قللت على لسان مديرها سالم يونس من حجم الإهمال والتجاوزات على المواقع الأثرية فهي وفق رأيه تجاوزات “محدودة جدا ومؤقتة، ولا تشكل خطرا كبيرا طالما لا توجد أعمال حفر أو محاولات لإزالة الشواخص الأثرية”.
مراسل “نقاش” حصل على كتب وخرائط رسمية توثق تجاوزات خطيرة، وتكشف عن تعاون موظفين في عقارات الدولة مع جهة غير رسمية وإصدار سندات لموقع أثري مساحته نحو ثلاثة دوانم أي ما يعادل (7500 متر مكعب)، في منطقة بيسان شمالي الموصل، وبيعها لاحقا بأسعار مرتفعة تصل إلى ملايين الدولارات.
الكتاب الرسمي الموجه من دائرة عقارات نينوى إلى مديرية الآثار قبل عام، لإجراء كشف على القطعة الأثرية ذاتها، أكد تحويل المكان إلى حي سكني بالكامل وعدم إمكانية استرداد الأرض.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *