ﭙاطريركـنا الجليل مار لويس روفائيل الأول ساكـو الموقـر متى يحق لي أن أهَـنـّىء؟



يقلق الكاتب أحياناً من أن تخـونه التعابير لإيصال فكرته ، نظراً لتباين ثـقافات القـرّاء وتحليلاتهم . إلا أنني سأحاول جاهـداً أن أبتعـد عن الرسميات في هذه السطور لأجعلها حديثاً أخوياً أو مسامرة هادئة ومفيدة (بين الخلّان) ولنقـُل بأنه تـفكـير عالي الصوت .

عـندما ألـبّي دعـوة لحـضور مناسبة إجـتماعـية مفـرحة أقـول لِمَن دعاني إليها (مبروك وألف خير وغـيرها) ونحن العراقـيون نستخـدم الأرقام الكـبيرة في تهانينا (مليون هلة – ﮔـوشر مراحب – ألف ألف مبروك – ألف عافـية ) وكأننا نملك تلك الأرقام ومضاعـفاتها ونمنحها بسخاء!

الأمر بالنسبة لي يخـتلف مع الرتب الكهنوتية، فـلسـتُ مؤهلاً لأقـول مبروك واحـدة ، لأنه ومن المفروض أن يكون الكاهن نفسه أو الأسقـف مدعـواً وليس صاحب الدعـوى! ونحن هنا لسنا في حـفل زواج أو مراسيم وظيفية أو منح شهادة عليا كي نغـرف التهاني مجاناً بل إن الذي سيُرسَم برتبة من الرتب الكهـنوتية وما يليها من مناصب سيكـون في بداية الطريق الـتي تؤهله لأكـبر تهنئة وهـو قـول الرب :

” نِعِـمـَّا أَيُّهَا الْعَـبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ! كُـنْتَ أَمِينًا فِي الْقَـلِيلِ فَأُقِـيمُكَ عَـلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُـلْ إِلَى فـرَحِ سَيـِّدِكَ” فكـيف لي أن أهنىء شخـصاَ مدعـواً بالأساس؟

أما التهـنئة الحـقيقة لمن إختار أن يكون رجل الله فهي مستـقبلية غـير آنية وهي ليست للمدعـو بل للمغـتـبـطين به لٍـما سيجـنوه من ثماره ، وهنا أقـصد بأن الكهنة برتبهم مدعـوون إلى فـرح السيد شريطة أن لا يكـونوا بمفردهم، بل مع أرباح الوزنات التي إستـثمروها، وكما يعرف الجميع بأن الوزنات هم الرعـية، ورعـية الـﭙاطريرك الكـلداني هـم الكـلدان جـميعاً، لا بل إن الوزنات ليسوا الكـلدان فحسب لأن رسالة المسيحي دائماً وأبداً مع القريب بعـد أن يكـون الراعي قـد نظم أمور رعـيته ولم يتركها للـذئاب الجائعة.

أما عـلى أرض الواقع فإن كلمة مبروك وجميع أنواع التهاني لإخـتيار الـﭙاطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكـو رئيساً على الكـنيسة الكاثوليكـية للـكـلـدان هي للمؤمنين المحـتـفـلين بــﭙاطريركهم .

صحيح بأن الرأي الغالب حـول ﭙابطريركنا الجـديد إيجابـية ومميزة وكـلنا نستبشر خـيراً، وأن في المسيرة الروحـية للكـنيسة هناك تراكم خـبرات، وكل ﭙاطريرك يستـفـيد من تجارب الذي قـبله وجميعهم لهم إيجابياتهم، وإنَّ ما نرجـوه من مسيرة كـنيستـنا اليوم قـد بـدأ الآن مع إدراتها الجـديدة وراعٍـيها الجـديـد ومع ذلك أقول: بأن التهاني نقـدّمها لبعـضنا عـندما يبـدأ الـﭙاطريرك خـطواته على طريقه الجـديدة ونلمس خـيره، بعـد ذلك وأثـناء مسيرته سوف لن تكـون التهاني مشافهةً بيننا بل عملياً في القلب واللسان وهذا هو رجاؤنا مع المؤهَّـل والمستحِق لأن يكـون صاحب غـبطة بحق وحـقـيقة مار لويس روفائيل ساكو.

لذا ومن كل قـلبي ولمصلحة كـنيستي أولاً وأخـيراً أطلب وأتمنى أن يحـصل ﭙاطريركـنا في المدى البعـيد على تهنئة سيده ونعَمِه بأن يكـون أميناً على الكـثير، وحتى أن يحـصل على ذلك بعـد عـمر طويل سنكـون نحن شعـبه وكـنيسته بأفـضل حال وبفرح عميق لنعمة الله لنا، متمنياً أن تصل كلماتي هذه إلى غـبطته ولا أرى ضرراً بأن أستغل الفرصة وأطلب معها:

مابني عـلى خطأ يجـب أن يهدم ويُـبنى مرة أخـرى

منـذ أن وعيتُ على الـدنيا وأنا أرى الكـنائس تسمى بإسم كهنتها وهـذا يمنع المنافـسة الشريفة والإبداع، ويساعـد على ترك المؤمنين كـنائسهم عـنـدما لا يكـون هناك إتفاق بين الكهنة وبينهم، وأنّ بقاء الكاهن في رعيته يصنع منه قائداً أوحداً، لذا أعـتـقد بأن أهم قانون تسنّه الـﭙاطريركية هو نقل الكهنة داخل أبرشياتهم بعـد كـل دورة من السنين والأفـضل أيضاً التـنسيق بنقل الكهنة بين الأبرشيات المخـتلفة، وحـبـذا لو يشمل هذا القانون الأساقـفة أيضاً، وأقـولها بصراحة هناك عشرات الآلاف من الإختبارات السلبـية حـول بقاء الكهنة في كـنائسهم وعـدم نـقـلهم ما لم تـتم ترقـيتهم، أللهم إلاّ إذا تم نقلهم إلى مكان أفـضل ليقبع المساكين منهم في رعـيّات فـقيرة أو شبه ميتة بينما يعيش آخرون حياة ترف يحلم بنصفها أي علماني له طموحات كبيرة أو كبيرة جـداً.

حـرية النقـد مشكلة عـويصة أمام الجهل المدقع

يعاني البعـض من مشكلة السكـوت وقـبول الواقع السلبي وإن كان مزرياً ، ومن باب الحـرص عـلى كـنيستهم نرى كهـنة غـيورين يلجـؤون إلى المؤمنين لعـرض الأخـطاء والإشارة إليها ونرى الجميع حـينها يؤيـدونها ويقـرّون بوجـودها، وعـند مصارحة الكاهن بها يهـملها أو يـردّ سـلبـياً عـليها أو يُـمارس نوعاً من بالـتـهـديـد.

ومن ثم يـبـدؤون بزيارات مكـوكية إلى أصحاب الشأن ، قـد يكـون أسقف الأبرشية ليواجه إهـمالاً أكـثراً مهما كان معه من تـوثيقات لذا يلجأ بعـضهم إلى وسائل الإعلام، وهنا يـبدأ البسطاء بإتخاذ موقـف سلبي من الكاتب لإفـتـقارهم إلى ثـقافة النقـد، أما الكاهن حـين يرى جـهل البسطاء فـيتسلح به للوقوف أمام الناقدين في راحة بال دون أن يفكـر بالخـروف الضال لأن هـمّه هو سلطته ومركـزه ومزاجه فـقط. لـذا أتمنى أن يرشـد ﭙاطـريـركـنا كهنـتــَه والمؤمنين إلى ثـقافة الحـوار وقـبول الـنـقـد، ويا ليتـنا نرى أبواباً مشرعة لمظالمنا ونلمس حلولاً لمشاكـلنا قبل التـنـفيس عـنها عَـبر وسائل الإعلام من خلال صندوق للشكاوي أو الإقـتراحات، والأفـضل تخـصيص يوم شهـرياً في كل الأبرشيات للقاء المومنين بعـنـوان (مصارحة الإكـليروس) من أجـل محاورتهم بكل شفافية أمام الجميع.

وسائل الإعلام الدينية بسلبـياتها

نظراً لوجود فـضائيات وإذاعات كـثيرة لكـنائس لها لاهـوتها المخـتلف وعدم وجود بديل كاثوليكي ، لذا نرى بأن المؤمنين المساكين يتصورون بأن ما يتلقوه منها هو الصحـيح، وهم لا يعلموا بأن غالبـيتها تجمّـد العـقول وتحجّرها، وعـندما تريد هذه الفضائيات أو الإذاعات بكسب ود المؤمنين البسطاء ينقلون لهم طـقـوس الذبـيحة الإلهية فاقـدة قيمتها الروحية لتصبح مجموعة صلوات وتراتيل بمثابة أفلام، وللأسف فإن بعض المؤمنين يتصورون بأن تلك القـداديس تغنيهم عن الحضور الحقيقي للكـنيسة! رغـم تحـفـظي عـلى فـضائيات كاثـوليكـية تمارس هـذا الـنشاط نـفـسه. وهذا غـيضُ من فـيض لما تسببه من تأثير سلبي على حياة المؤمنين الروحية، وللأسف الشديد لا يوجد منافس كاثوليكي يعطي التعاليم الصحيحة، لذا أصبح الغالب يستـشهد بما يسمع ويرى فـيردّد كـلمات فاقـدة روحـيتها! ومن جانبي أتمنى تظافـر الجهود لإنشاء فـضائية مسيحية صحيحة.

المجالس الخورنية

المجالس الخـورنية هي مجموعة متطوعـين يساعـدون الكاهن بأمور الكـنيسة الإدارية والروحية كمستـشارين، ومن سلبيات ما نلمسه في تلك المجالس بأن المنتسبين إليها يظنون بأنهم نالوا حظوة أمام الكاهن والشعب وبأنهم يخدمون الكنيسة بمجرد أن يدرج إسمهم ضمن لائحة المجلس الخورني، وطالما رأينا منهم المتملقين دون أن يفقهوا شيئاً عن الديانة المسيحة ناهيك عن المصلحجية!

وبما أن القانون يسمح للكاهن بحل المجلس متى أراد وأنى شاء، ولكون السلطة مطلقة بـيَـد الكاهن في غالبية الكنائس، لذا نراه يختار مجلسه بدقة من الذين لا رأي لهم ولا قـرار، ليصبح قولهم ترديد لقوله سلباً أو إيجاباً، والقرار للكاهن فقط وما المجلس بنظره إلا مجموعة تمتثل لأوامره.

بالنسبة لي فأن مسيرة الكنيسة بهذا الشكل فيها الكثير من الإشكاليات، وأعـتـقـد بأن تحديد صلاحية الكاهن مع المجلس أمر ضروري، ووجود المجلس يكون عن طريق الإنتخاب بعد أن يدرك المرشحين قبل ترشيح أنفسهم بأن عليهم أن يتـثـقـفـوا بالإيمان المسيحي الصحيح وأن يكون لهم خبرة تساعدهم على أن يساندوا الكاهن كمستـشارين وأصحاب رأي، فهم ليسوا دمى متحركة بل أصوات مسموعة تمثل المؤمنين.

لذا أتمنى أن يعـدّل القانون بخصوص المجالس، لتـشكّل من المؤمنين وأنتخابهم الحر، ولا يحق للكاهن إختيارهم أو فرض وصايته عليهم أو تسريحهم متى شعر بأنهم ليسوا مجرد بيادق شطرنج تسير بخططه.

التسمية الكلدانية لم تأتي إعـتباطاً

قائدنا الجليل مار لويس ساكو … شعارك هو: الأصالة – الوحدة – التجدد

لا أطلب أن يتحول خطاب الكنيسة إلى خطاب قومي وسياسي، بل أقول ببساطة شديدة، من حافظ على كنيستنا هو تاريخها ولغتها وطقسها ولنا كل الإعتزاز بذلك، وهذا لم يأتِ إعتباطاً، لأن اللغة والألحان والتعابير وجميع الطقوس الكلدانية لم نتلقاها من السماء وإن كانت موحاةُ من الروح القدس، بل هي من شعب عريق وحضارة مهمة وهي الكلدانية، وأعـتـقـد بأن المؤمنين يعتزون بجـذورهم الشرقية وبتسميتهم الكلدانية، وبإمكانكم أن تحـفـزوا وتستـنهـضوا وتـزيدوا إعـتـزازهم هذا بأن ترشـدوهم إلى أن ما يفتخرون به ليس محض صدفة! وإنما لكونهم أصلاء في هذا البلد ولهم إسمهم وهويتهم القومية وحضارتهم التي كانت أولى الحضارات وأهمها، وبهذا سنكون مميزين بطقوسنا وقوميتنا مما يجعلنا نحب كنيستنا أكثر وأكثر، وهذا الشعور بالأصالة له إيجابياته أهمها شـد المؤمن إلى كنيسته والـتشـبُّـث بالإسم الذي أنعم الله عليه. لذا فالجانب الروحي مهم ولا ضير أن تكـون معه توعية المؤمنين بأنهم عراقـيـين أصلاء يحملون إسماً مقـدساً ورد في الكـتاب المقـدس من أبـينا إبراهـيم من أور الكـلـدانيّـين، هوية العراقيين أجمع، وهذا سيجعلنا أن نتمسّك ونحب العراق أكثر وأكثر بالإضافة إلى محبتنا لكنيستنا والتباهي بها.

وهذا ما سيخدم أهدافك وتطلعات الشعب الكلداني التواق للوحدة، لأن الوحدة لا تتم إلا بالوجود، ومتى يدرك الكلدان وجودهم كشعب له هويته القومية والتي اسميت كنيستهم به، سيكونون حينها جديرين بالسعي إلى الوحدة المنشودة، وإلا ستفرغ قدسية الوحدة من معناها.

وجميعنا يقدّر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقك، لكن متى بدأت العمل بمهامك فتأكد

بأن ألله وجميع الغيارى في رعيتك معك كلٍّ حسب موهبته

هذا وتبقى الأمال والتطلعات نحو ﭙاطريركـنا المنتخب مار لويس روفائيل الأول ساكو ورجاؤنا به كبيرٌ

بقـلم : زيد ميشو / ونـدزر ـ كـنـدا

zaidmisho@gmail.com

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *