يوم من عمري مع شباب القوش في ديترويت بأميركا

لقد ترددت في اختيار العنوان لهذا المقال ، إنها ليلة من العمر ليس الى نسيانها سبيل ، فثمة دعوة من شباب القوش في ديترويت ، وأردت ان اكتب المقال تحت عنوان ” أسعد لحظات حياتي او اسعد يوم في حياتي ” وعناوين اخرى ، ولكن أخيراً استقر قلمي على عنوان يوم من عمري ، لأن العمر ايام في سيرورة دائمة ، ومثله مثل القطار الذي يقف في مختلف المحطات وكل محطة لها خصوصيتها واسمها ، والقطار الذي يسير تحت الأرض يقطع الأنفاق المظلمة ليصل الى محطات جميلة ومضيئة ، وهكذا كان يوم الأثنين الموافق 06 / 08 / 12 ا يوم جميل ومتميز ومضئ في حياتي . وكم تكون عزيزي القارئ سعيداً حين بلوغك ذروة شجرة عملاقة لتفوز بثمرة طيبة يانعة ، هكذا هي محبة الناس ، فكم هي جميلة محبة هؤلاء الشباب ، كم هي جميلة الأبتسامة على وجوه الأخوة والأصدقاء ، كم هي جميلة الصداقة المقدسة ؟ اجل تبلورت كل هذه المعاني الرائعة في تلك الأمسية الجميلة التي اعتبرتها ليلة من العمر ليس الى نسيانها سبيل كما قلت في كتابة هذه المقدمة .

لقد كانت دعوة محبة من شباب القوش في هذه المدينة لحبيب تومي ، وقد اكتضت قاعة نادي قصر الراين بالحضور وكان جلهم من الشباب ، إضافة الى نخبة طيبة من المثقفين والمهتمين بالشؤون القومية والسياسية من ابناء شعبنا واعتذر جداً لهؤلاء السادة الكرام عن ذكر اي اسم مع اعتزازي الكبير لكل الحضور . ولكن لا بد من الأشارة الى ان الأخ عماد ربان صدح صوته الجميل بمجموعة من الأغاني ومنها مقام جميل باللغة العربية يقول فيه :

رأيت مليحة كالغصن مالت يجرد لحظها سيفاً مهنداً

تثير ملوك الحسن عشقاً بثوب اسود والطرف اسود

فقلت لها اراهبة فقالت اتنكر حالتي والزي يشهد ؟

ثم تحول الى لغتنا الكلدانية ليقول بالسورث :

{هاي ماني ماني ، كياتوا بليلي كسابرالي ، كباخيا وكبا كردنا ، مزابنن بيثي وعقاري }.

وتوالت الأغاني الشعبية لتتشابك الأيادي في حلقات { خكّي } الدبكات في { كلشايني والسّسكاني والشيخاني وهري كلي } وفي وسط حلقات الدبكة كان الشباب بمرح يرقصون { مَرخوشي } على الطريقة الألقوشية وهي الرقصات { مرخوشي } المتسمة بالرشاقة والحماسة في آن واحد .

لقد كانت عدسة الأخ عصام شعيوكا لموقع القوش كوم حاضرة ، وصورت تلك الأمسية الجميلة تحت عنوان : لقطات من الحفل الترحيبي للأستاذ حبيب تومي في ديترويت .

ويمكن الرجوع اليها حسب الراباط ادناه:

http://www.youtube.com/watch?v=6PQYlGJh5cg&feature=player_embedded&list=PL2A41914B0D1243DE

حينما تحدثت في بداية الحفل وفي نهايته كانت مناسبة لأشير الى ضرورة تعضيد القوش وكل مدننا وقرانا ، ويتجسد هذا التعضيد في إقامة المشاريع الإستثمارية في بلداتنا ، إذ يأتي في بواكير مسببات الهجرة معيشة الإنسان التي تعتمد على العامل الأقتصادي ، فالبطالة هي من الآفات التي كانت لها دوماً دوراً كبيراً في دفع المزيد من الشباب لا بل من العوائل الى الهجرة وكانت وقتذاك الهجرة الى مدن العراق لكن واليوم فإن ابواب الهجرة الى الخارج ومسبباتها تبدو طاغية ، وهي تعصف بإنهاء وجود شعبنا الكلداني وبقية مسيحيي العراق من وطنهم العراقي ، فالعامل الأساسي هو الأقتصاد .

وفي معرض حديثي للاصدقاء والضيوف القادمين من العراق ومن بلدان اخرى ، لمّحت بأن ابناء القوش او ابناء بلداتنا في الوطن على العموم قد تحسن وضعهم الأقتصادي والمعاشي ، ولكن يمكن تجسيد الحد الأدنى من الدعم بقيام بسفرات سياحية الى مدننا وقرانا الكلدانية ، وان القوش لها اهمية سياحية بأماكنها التاريخية وأديرتها ومناطقها السياحية الجميلة كقرية بيندوايا وكليّ ديرا علايا وينبوع كبّا دمايا .

ان الزيارة لألقوش هي مساهمة في اقتصادها فالزائر من بلاد المهجر في كل المناسبات ، سيصرف مبلغاً من النقود وبوجود نسبة كبيرة من السياح مثلاً في الربيع الذي يقع فيه شيرا دربان هرمز فسيشكل ذلك ينوبع نقي للازدهار الأقتصادي وهذا يجسد الحد الأدنى كما قلت من الوفاء لبلدتنا الكلدانية الجميلة القوش .

برأيي المتواضع ان تلك الأمسية الجميلة مع الضيوف الأجلاء من المثقفين ومن الأحزاب والمهتمين بالشأن القومي والسياسي ومن رجال الأعمال ومن الوجوه الطيبة لشباب القوش الذين ينتمون لمختلف عشائر القوش { أوجاغي دألقوش } ، وتكريم حبيب تومي بتلك الصورة الجميلة إن كان بالرقص او بترديد اغاني او بحلقات الدبكات الألقوشية او بالتقاط الصور او بالأحاديث الودية .. كل ذلك اعتبره عودة الى الهوية ، فلماذا تكريم حبيب تومي ؟ ولماذا ترديد تلك الأغاني ، وممارسة تلك الرقصات كل ذلك جزء من فولكلور القوش ؟ فكما هو معلوم من دروس الأنثروبولوجيا فإن الفولكور بتنوعاته يعتبر جزء من هوية الأنسان .

بعض الأخوان ابدوا خشيتهم من ذوبان وانصهار هويتنا الكلدانية في عالم العولمة الذي ينشأون فيه لا سيما الجيل الثاني من الأطفال الذي ينمو في هذه المجتمعات ، اجل انها معضلة كبيرة امام الهويات الصغيرة التي تبقى وكأنها جزر مرجانية ناتئة في بحر مترامي الأطراف ، وأنا اقول هنا ان جيلنا يتحمل كثير من المسؤولية ، فعلينا ان نؤدي واجبنا بشأن الوفاء لهويتنا الكلدانية وذلك بالأصرار ومواصلة التحدث بلغتنا وتدريسها قدر الإمكان للاجيال اللاحقة بالإضافة الى التمسك والأعتزار بتقاليدنا الأخرى منها ازياؤنا ومأكولاتنا وعاداتنا في الزواج والوفاة واحتفلاتنا في الأعياد وطقسنا الكنسي الكاثوليكي الكلداني الذي افلح في الحفاظ على هويتنا اللغوية والقومية عبر الآف السنين رغم كل الحملات التي تعرض له شعبنا الكلداني وبقية مسيحيي العراق .

انا شخصياً اعتبر تلك الأغاني وتلك الدبكات وتلك النكت وتلك الأحاديث وتلك الدعوة لحبيب تومي ، اعتبر كل ذلك جزءاً من الوفاء للهوية ، جزءاً من العودة للجذور . في تيار الذكريات من القوش يحمل اكثرنا إن لم يكن جميعنا كيف ان طير السنونو { طيرا دصلوني} يطير بعيداً ليعود في الربيع القادم الى بيته والى عشه الجميل الذي تركه وهو صغيراً وقتما تعلم الطيران ، هكذا هي الحياة والإنسان من بين كل الكائنات استطاع ان يلتف حول هوية معينة وأن يتعاون وان يتآزر مع المشتركين معه في تلك الهوية ، هنالك تعاريف كثير للهوية ، ومنها الهوية السياسية والدينية والأجتماعية ، وأنا اقول ان الهوية هي :

{{{{{ ظل الأنسان }}}}}

وهي معه في حله وترحاله ، بعض الأخوة يقولون لي بأنه ليس ثمة حماس او نزعة قومية كلدانية شديدة ، وأنا اقول ان الأنسان ليس مطلوباً منه ان يعلق لافته على صدره يعلن فيها عن هويته ، ولكن هو يعلن عنها بصورة غير مباشرة ، فنحن لا نرسم علامة الصليب في الشوارع أو نعلن عن انتمائنا المسيحي في كل لحظة ، ولكن حينما نتوجه الى الكنيسة أيام الأحاد ، وحينما نحتقل بعيدي الميلاد ورأس السنة وعيد القيامة ، كل هذه الفعاليات هي جزء من التعبير عن مسيحيتنا ، وهذا ينطبق على التعبير عن هويتنا القومية حينما يطلق على حيّنا في اميركا بمدينة سان دييكو او ديترويت لفظة {CHALDEAN} ، او حينما نتوجه الى كنيسة كاثوليكية وفيها طقس كلداني على وجه الخصوص ، او حينما نمارس مآثرنا وأوبادنا ونغني اغانينا ودبكاتنا وتراثنا او نتحدث عن تاريخنا كل ذلك يصب في محصلة الإعراب والأعتراف بالهوية الكلدانية او بغيرها من الهويات ، وكما قلت قبل قليل ان الهوية هي ظل الأنسان ، فإنما يحاول ان يعبر عن هويته وعن تاريخه وتقاليده على المجتمع الذي انخرط فيه لسبب ما ، وهذا الشخص ليس مهماً ان يكون ضمن حزب قومي او خارجه فمسألة الهوية ، مسألة متأصلة في دواخل الجنس البشري ، وربما تتاح لنا مناسبة معينة لنتحدث عن هذا الأمر بكل مهنية وشفافية دون تعصب وبعيداً عن اية مغالاة عنصرية .

الف تحية لمن لبى الدعوة من الأصدقاء والزملاء الأجلاء ومن شباب القوش الطيبين ومن منظمي تلك الأمسية الجميلة .

حبيب تومي / ديترويت /اميركا في 09 / 08 /2012

You may also like...