وترجّل الفارس الكلداني الدكتور حبيب تومي

في صبيحة يوم الأربعاء المصادف 2/12 وأنا أطالع الأخبار من خلال الكومبيوتر قرأت خبراً صعقني، فضربتُ المائدة براحة كفي، لا أصدّق ما أقرأ!!! أصابني الذهول، ماذا؟ هل توقف قلب المناضل الكلداني حبيب تومي عن النبض؟ هل أنتم متأكدون من ذلك؟ تصفحتُ بعض مواقع شعبنا وإذا الكل ينعي ذلك البطل الكلداني، شككتُ في نفسي وقلتُ لأتصفح موقع نادي بابل الذي يرأس تحريره، فرأيته قد تكلل بالسواد هو الآخر حزناً على الرحيل المفاجئ للدكتور حبيب تومي، حينها تيقنت من أن الخبر صحيحاً، أتصلتُ هاتفياً وعلى الفور بالسيدة أم رياض لأنني مازلتُ مع كل هذا أشك في صحة الخبر، أجابتني والدموع تملآ مآقيها، نعم يا نزار غادرنا العزيز حبيب إلى الأخدار السماوية بعد صراع مرير مع المرض الذي لم يمهله طويلاً، تمالكتُ أعصابي لعدة ثواني بعدها ومن خلال الحديث لم أعد أتمكن فتغيرت نبرة صوتي وخنقتني العبرة، ثم قلتُ لها ما زلتُ غير متأكد من صحة الخبر فلا أصدّق ما أسمع وما زال لساني يرفض أن يتلفظ بهذه الكلمات الروتينية التي لا تليق بقامة مثل حبيب تومي (الله يرحمه، البقاء لله، حياته لكم ولأولاده، في جنّات الخلد، كلّنا على الدرب سائرون) لأنني كنتُ وما زلتُ غير مصدّق الحدث، وما زلتُ أأمل بأن يكون ذلك حلماً وأتوقع أن أسمع خبر بأن أبا رياض على قيد الحياة، ولكن ذلك محال وكان ضرباً من الخيال، أستمرت محادثتنا وأنا لا أقوى على تمالك أعصابي، مع العلم أنه معروف عني بقوة التحمل وشدة الأعصاب، حينها شعرتُ بأن الحياة قد أخذت منّي نصيبها والأحداث المتسارعة القريبة هزّت تلك الأعصاب وحولتها إلى خيوط، وبدل تلك القوة أصبحتُ حسّاساً اتأثر لأبسط موقف، وأنا ما زلتُ أعيش الحالة التي يمر بها ولدي البكر نبراس البالغ من العمر ستٍ وثلاثين عاماً حيث ألمَّت به وعكة صحية (إنسداد الشريان الرئوي) وهي المعروف عنها بالعامية (جلطة) تخثر دموي أدى إلى أنسداد الشريان الرئيسي الناقل للدم، ونسبة النجاة في مثل هذه الحالة كما ذكر الأطباء هي 1% وما زالت زوجتي في طور العلاج بعد إجراء عمليتين جراحيتين لها أستأصلوا خلالها الغدة الدرقية التي كانت مصابة بذلك المرض الخبيث، تفاجأت بحادثة أخرى وهي رحيل زميلنا العزيز الدكتور حبيب تومي وترجله عن صهوة جواده.

نعم لقد كتب الكثيرون من الأصدقاء والأحبّة عن مآثر الدكتور حبيب تومي، كما كتب آخرون مقتطفات عن سيرة حياته، ولن أعيد وأكرر ما كتبوه، ولكن أقول إن علاقتي بالأخ حبيب تومي كانت علاقة من نوع آخر، لقد زارنا الفقيد في الدنمارك على رأس وفد من النرويج لحضور حفل إستقبال المثلث الرحمات البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلّي عند زيارته للدنمارك ومن غريب الصدف ان يصادف زيارة وفد النرويج في نفس يوم وفاة المغفور له الصديق حبيب تومي، حيث تم إستقبال سيادة البطريرك في 1/12/2008 ويغادرنا الزميل حبيب في 1/12/2015 وقد ألقى كلمة بتلك المناسبة وها هي صورته وهو يلقي كلمته، وخلال ذلك تم طرح عدة أفكار حول الوضع الكلداني، فتبنيتُ أنا مسألة تأسيس إتحاد ثقافي يضم جميع الكتاب الكلدان وتأسيس إتحاد علمي يضم جميع المهندسين الكلدان وكان هو أيضاً ضمن الهيئة التأسيسية لإتحاد المهندسين الكلدان، وتبنى الفقيد الراحل مسألة تأسيس مؤتمر قومي كلداني يكون الناطق الرسمي بأسم الكلدان في المحافل الدولية وفي جميع أنحاء العالم، كما تبنى مشروع الدولار الكلداني وهو أن يتبرع كل لكداني بدولار واحد فقط شهرياً يوضع في صندوق تشرف عليه لجنة مختصة، وبهذه المناسبة أدعو جميع إخوتي ومحبي الفقيد الراحل حبيب أن يجهدوا في سبيل تحقيق أمنيته.

سار مشروع التجمع الثقافي بخطواته المعهودة وتمكنا من تأسيس الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان وكنا من المؤسسين له مع نخبة ممتازة من أبناء شعبنا الكلداني الذين أستجابوا لندائنا، وكتبنا النظام الداخلي الذي شارك في صياغته كل إخوتنا كما أصدرنا البيان التأسيسي وتم إنتخاب الفقيد الراحل حبيب رئيساً لأول دورة تأسيسية للإتحاد وأنتُخِبتُ أنا سكرتيراً للإتحاد والناطق الإعلامي له. أما مشروع المؤتمر الكلداني العام فقد تبناه إخوة لنا في أمريكا وتم عقد مؤتمرين قوميين أحدهما عام 2011 (مؤتمر النهضة الكلدانية) والثاني عام 2013 (المؤتمر القومي الكلداني العام)، وقد حضرنا في المؤتمرين، أما مشروع الدولار الكلداني فلم يُكتب له النجاح بالرغم من مشروعيته وصواب فكرته وسهولة تحقيقها، ولكن من وجهة نظري عدم نضوج الوعي القومي الكلداني في فكر إخوتنا وأبناء شعبنا الكلداني وإهمال مسؤوليتهم تجاه أبناء شعبهم وتنظيماته السياسية والقومية العاملة داخل الوطن العراق تم غض النظر عن المشروع وأعتقد أُجهضت تلك الفكرة الخلاقة.

كنا على إتصال هاتفي مباشر أكثر من مرتين في الأسبوع نناقش فيها ونتحاور حول الأسس والمبادئ الأولية لإنجاح إتحادنا وفي الوقت الذي لم نكن نعرف فيه أنظمة الـ(Viber) أو الـ skype)) أو الـ (tango) حيث كان نظام البال تالك هو الوحيد الذي يجمع الإخوة في إجتماع كل أسبوعين، أما أنا وأبو رياض فكنا نجتمع ونتباحث ونتداول الأمور أكثر من مرتين في الأسبوع هاتفياً، عرفتُ في طبع أبا رياض الهدوء النادر، وبرودة الأعصاب، وأنا بطبعي ناري جداً فكان أشبه بصمّام الأمان على الأقل بالنسبة لي، كان ينتقد بهدوئه المعهود ودون أن يجرح أو يقسو بنقده بحيث لا يشعر المقابل بأن ابا رياض ينتقده، لقد كان يوجّه النقد بصيغة الملاطفة والمجاملة، كان المغفور له الدكتور حبيب تومي حمامة سلام بيننا عندما يشتد ويسخن النقاش في موضوعٍ ما ويشتد أوزار الخلافات وتتصاعد حُمى النقاش فكان رحمه الله يهدّئ من الموقف، وبعد الإجتماع كان له إتصال هاتفي معي ينتقد بهدوئه المعهود ويلاطف ويُرشد برجاحة عقله، وكان يخاطبني بأسمي الكامل ويقول (أخوني نزار ملاخا) صحيح أنت ألقوشي ودمّك حار لكن أتمنى أن تأخذ نفساً عميقاً وتُفكّر في الموضوع من زوايا أخرى، مرة حدّثته حول الشتائم التي يرسلها لنا إخوة أختلفنا معهم في المذهب وفي التسمية فأرسل لي يوماً بريداً ألكترونياً مليئاً بالسباب موجّه له تحمّله بطيب خاطر كما هو حال زميلنا الشماس الدكتور گورگيس مردو كذلك، فكان يضحك ولما اسأله يا أبو رياض ماذا فعلت، كان يضحك وما تزال ضحكته ترن في أذني وكلامه كذلك (ماذا أفعل لهم إنهم لا يفهمون) هكذا عرفتُ الفقيد الراحل الدكتور حبيب تومي قمة في الأخلاق، معرفة لها طعمها الخاص، لربما سينتقدني البعض لأنني لم أكتب العبارات الروتينية في مثل هذا المصاب الجلل، مصاب الأمة الكلدانية، ولكن البركة في رجال هذه الأمة الذين اقسموا أن لا يسقط مشعل وراية الكلدان من أيديهم، وأقسموا أن تبقى الراية التي ناضل الزميل حبيب تومي من أجلها والطريق الذي سار فيه سيسيرون فيه ويكملوا المشوار، كما أرد على الإنتقادات بقولي أن النجم الساطع حبيب تومي لا تكفي عدة كلمات لأن نرثيه بقدر ما يستحق أن نجلي ذلك المعدن الأصيل لإظهار مآثره التي خفيت عن الكثيرين، لقد كان يعمل بصمت وهدوء، كان كل همّه الأمّة الكلدانية وتحقيق أهدافها، لقد رشّح نفسه للإنتخابات لا لشئ بل لكي يكون للكلدان ممثل في مجلس النواب، وكان يقول لي دائماً أخوني نزار ملاخا يجب أن يكون للكلدان ولو ممثل واحد فقط في مجلس النواب ليس شرطاً أن يكون حبيب تومي بل شرطاً أن يكون كلدانياً لأنه هو الذي يشعر بما يريده الكلدان وأهل مكة أدرى بشعابها.

مهما أكتب عن صديقي وزميلي ورفيق الدرب الدكتور حبيب تومي فلن أوفيه حقه بعدة أسطر، لأن هكذا عَلَم من أعلام أمتنا الكلدانية لا يمكننا مطلقاً أن نوفيه حقّه.

عزاؤنا بأن الراحل الدكتور حبيب تومي قد ترك لنا عدة كتب مؤلفة ومئات المقالات في مواضيع مختلفة وبالأخص في الشأن القومي الكلداني، وعزاؤنا بأبناء أمتنا الكلدانية أعلام هذه الأمة ممن يحملون السلاح الذي حمله أبا رياض نفسه ألا وهو القلم، لأن للقلم والبندقية فعلٌ واحد وفوهة واحدة نقاتل بهما ونحقق حلمه حتى النصر بإذن الله.

رحم الله العزيز الراحل الدكتور حبيب تومي وأسكنه فسيح جنّاته مع الصدّيقين والشهداء والأبرار وألهم أهله وذويه وأصدقاؤه الصبر والسلوان وللأمة الكلدانية خالص العزاء.

 نزار ملاخا

7/12/2015

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *