هل يأتي طالباني اليوم بما لم يستطعه بالأمس؟ بقلم عبدالغني علي يحيى


    من تعليق الآمال على خطة أو مبادرة لحلحلة الأزمة السياسية في العراق، نسبت الى الرئيس طالباني، يكون الأعتقاد بجدوى (ورقة الاصلاح) للتحالف الوطني في حكم التراجع، فكما ان مقترح عقد اجتماع وطني في حينه وللغرض نفسه، توارى أمام تلك الورقة، فأن الأخيرة بدورها مرشحة للأختفاء امام الخطة موضوع البحث، ويساعد على أختفائها عد العديد من السياسيين (للورقة) وهماً أو ضرباً من الخيال. وليست مشاريع الحكومة التي تدعي الأصلاح وحدها انتهت الى الاخفاق والتلاشي، بل ومشاريع المعارضين لها أيضاً، والتي من ابرزها (سحب الثقة) من المالكي وقبله أتفاقية اربيل التي كانت لصالح أئتلاف (العراقية) السني، ومن ثم لصالح الكرد بعد ادراج مطاليبهم الـ19 ضمن تلك الاتفاقية.

ولنعد الى طالباني، الذي طال الانتظار لعودته من المانيا كثيراً، وفي خضم الانتظار الرجاء لم يأخذ المنتظرون بعجزه يوم كان في صحة وعافية، في حمل الفرقاء للتوصل الى تفاهم يكفل بتخطي الأزمة. اذ سبق لطالباني وأن أستضاف بمنزله أولئك الفرقاء اكثر من مرة، فمحاولات اخرى له ذهبت أدراج الرياح، ولم يأخذوا ايضاً بمبدأ صياغة القاعدة من تكرار الحالة، وكيف ان الخذلان كان خاتمة لمساعيه وغيره كذلك. وبدلاً من استخلاص الدروس منها ويقلعوا عنها، فأنهم سرعان ما كانوا يعودون اليها. ولما كان الغموض يحيط (بورقة الاصلاح) الى حد نفيها. فأن خطة طالباني لا تخلو ايضاً من الغموض، عليه فأن مصيرها لن يكون بافضل من المشاريع والخطط التي سبقتها ومن مصير أفكار ومشاريع المعارضين.. سحب الثقة.. اتفاقية اربيل..الخ وهنا يكون القول (تجربة المجرب حماقة) قد أنسحب بحذافيره على المتشبثين بتكرار الحالات أو تجربة المجرب، تشبث الغريق بالقشة.

ووسط تعلق المعارضين للمالكي، بالصيغ القديمة الجديدة العقيمة والمستهلكة، يبقى الوقت لصالح المالكي وكما كان، تعززه المحاولات لثنيه عن سياساته غير المرغوبة لديهم، وما يترتب عليه من تصدع في الصفين السني والكردي كحصيلة لكل اخفاق، والتي تجلت في امثلة عدة منها الانشقاقات والانسحابات من (العراقية) السنية، وفي الجانب الكردي حلت الخصومة بين حزبي السلطة والثلاثي المعارض لهما، وبقيت مستعصية على الحل الى الآن، في حين ظل التحالف الوطني الشيعي على ثباته في المواقف وتماسكه اللافت، وهو مالم نعثر عليه لدى معارضيه و (يدالله مع الجماعة) والاكثر استفادة كان وما يزال هو حزب المالكي الذي بدأ رحلته السياسية من ما يشبه نقطة الصفر، ليصبح بمرور الأيام القوة الأعظم من بين الكتل جمعاء، مقابل احباطات وانكسارات في صفوف ممثلي المكونين الاجتماعيين: السني والكردي رغم ان مسيرة المالكي لم تخلو وما يزال من العقبات التي بدت كمحطات وقوف مؤقته يتم تجاوزها فيما بعد بفضل الاداء الرديء لمعارضيه.

     لما تقدم، فأن الصيغ الجديدة القديمة لحل الازمة العراقية لم تقدم بالاخيرة ولو خطوة واحدة الى الامام. بأستثناء كسب مزيد من الوقت للمالكي كما اسلفنا والذي سيدوم لحين حلول الانتخابات التشريعية المقبلة، والتي سيخرج منها المالكي بمكاسب جمة تتيح له الانفراد بالسلطة بشكل اشد من الان، ناهيكم من ان الصيغ بما فيها خطة طالباني، ستكون لها فعل المخدر لكل الذين يناصبون المالكي العداء.

    عودة الى طالباني كرة اخرى، نرى المتفائلين بخطته، يراهنون على حل الخلافات في اطار الصيغ نفسها التي اشرنا اليها. ولسنا ندري على ما يستندون في تفاؤلهم؟. هنا ربما ينبري بعضهم لمواجهتنا باتفاق بغداد أربيل على الحل ( المؤقت) لمشكلة النفط والغاز، فأمكان حل بقية المشكلات أو الازمات الاخرى على خلفية ذلك، ومن غير ان يأخذوا بالحسبان، ان الاتفاق ذاك حصل بفضل مقاومة الشركات النفطية العملاقة والعاملة في كردستان لضغوط بغداد. ولكي لايفسر هذا الحدث كهزيمة نكراء لحكومة المالكي أمام حكومة كردستان، فأن الاولى عدت الاتفاق نتاجا لأرادتها وتوخت من ورائه إظهار نفسها بمظهر المنتصر، واستخدامه كحسن نية يشجع على اقبال الجميع على المشاريع الاصلاحية الوهمية للحكومة. دع جانبا القول، ان من السهل التغلب على الخلافات في المجالات الاقتصادية والمالية، اذ رغم الخصومة المستفحلة بين بغداد وانقرة، فان المئات من الشركات التركية ما زالت تواصل اعمالها في العراق. وعلى خصوم المالكي الذين يطمحون الى تنحيه بشتى الوسائل من بينها المطالبة بأقرار قانون وبأثر رجعي يحول دون ترشحه لولاية ثالثة، ويأملون في  ان تساعد خطة طالباني على ذلك، ان يعيدوا الى الذاكرة مقولة طالباني الشهيرة 🙁 لا بديل للمالكي الا المالكي) والتي ترجمت الى ممارسة، حين انسحب (طالباني) من مشروع سحب الثقة، فامثلة اخرى. وفوق هذا فان حزب طالباني صرح في بيان له من انه لن يقدم على الخطوة دون التنسيق مع حليفه الحزب الديمقراط الكردستاني مايعني ان ازاحة المالكي أو جعله يعدل عن مواقفه، اضغاث احلام. لذا حري بمعارضي المالكي، ان يلتفتوا الى الاحداث على الارض، وليس الانجذاب الى الاوراق أو الخطط واللقاءات والاجتماعات، فالوقائع على الارض بدلا من ان تشهد، بناء للثقة أو حسن نية لدى الحكومة التي بيدها الحل لاصلاح ذات البين، شهدت النقيض: اصدار حكم الاعدام غيابيا على القائد السني البارزطارق الهاشمي، فعمليات تطويق للمدن السنية واعتقال الكثيرمن سكانها.. الخ وبالنسبة للكرد، فها هي تشهر سلاح عمليات دجلة وحشد العسكر في كركوك و زمار.. الخ مع ارتفاع اصوات لأستجواب البارزاني في البرلمان. وعلى وزن (السيف اصدق انباء من الكتب) لأبي تمام نقول لمن يعولون على الخطط والاوراق وو.. ان الوقائع على الارض اصدق ابناء من الاجتماعات والخطط والاوراق.. الخ. فهل بمقدورالطالباني الذي يحملونه اكثر مما بوسعه، ان يأتي بخطة جديدة بعد ان استنفدت كل الخطط؟ ويحضرني قول المعري ازاء السؤال ذاك: (وأني وان كنت الاخير زمانه لأت بما لم تستطعه الاوائل) ورد صبي عليه، من ان الاوائل اتؤا ب 28 حرفا فزد عليها ولو حرفا واحداً.

   قطعا لن يتمكن احد من ابتكار اية خطة، وقد استنفدت كل الخطط لمعالجة الوضع العراقي الميؤوس منه.

عبدالغني علي يحيى

كاتب سياسي – العراق.

(الشرق الاوسط)

You may also like...