هل قيادة الحزب الشيوعي الكردستاني ضَلت طريقها ?(1-2)

المقالة تتضمن آراء وملاحظات ذات طبيعة انتقادية لقيادة الحزب الشيوعي الكردستاني وذلك من منطلق الحرص على الحزب وعلى حضوره و تطوره . ان رؤيتي ووجهات نظري لم تكن وليدة الساعه وانما هي حصيلة متابعتي لسياسة ومواقف حشك منذ عام 2005 والى الآن , وما شغلني وربما شغل الآخرين كثيراَ هو الموقف الغير مفهوم لقيادة حشك من عدم انضمامهم للعمل مع قوى التيار الديمقراطي . لا سيما وان هذا التيار المناضل الحامل للمشروع الوطني الديمقراطي في حالة التحام كل قواه سيكون بمقدوره  اعادة التوازن في المجتمع لصالح قوى اليسار والديمقراطية . وبما ان الحزب الشيوعي الكردستاني هو حزب يساري ديمقراطي مكانه النضالي الطبيعي هو ان يكون ضمن هذا التيار و العمل المشترك الميداني معه وعلى كافة الصعد .

لذلك لا بد من طرح السؤال التالي على قيادة حشك :

ماهي  الاسباب التي ارتكزتم عليها واعتبرتموها كمبررات حالت دون مشاركتكم في الانضمام و العمل المشترك مع قوى التيار الديمقراطي ؟ من وجهة نظري ارى ان حشك مطالب بالاجابه الواضحة والصريحة على السؤال وتقديم معطياته التي شكلت اسباب لعدم مشاركته .

ملاحظات تتضمن وقائع وحقائق لا بد من ذكر بعض منها :

1- الحزب الشيوعي العراقي رغم انه ليس حزباَ قومياَ حزب لكل العراقيين بكافة قومياتهم , الا انه منذ السنوات الاولى لتأسيسه في عام 1934 كانت له نظره متميزه وثاقبه في القضية القومية , ووضع في برنامجه رؤية وتوجهات وحلول حول الحقوق القومية لكافة قوميات شعبنا العراقي وثبت تصوره المرتكز لفكره الماركسي حول كيفية حل القضية القومية في العراق , واكدت تجارب ال 77 عام المنصرمه صحة مواقف الحزب الشيوعي العراقي من الحقوق المشروعة للشعب الكردي ولكافة قوميات شعبنا العراقي . ان المواقف التاريخية الصائبة للحزب الشيوعي العراقي في مجال القضية القومية والتي طور مواقفه منها خلال مراحل نضاله , كان لها اثر كبير في التاثير على الاحزاب القومية آنذاك وساعدها ومكنها من عدم الغرق في اوحال التعصب القومي , وان كان من مثال على ذلك هو ما ذكره جلال الطالباني من تصريح له نشر في حينه في مجلة الثقافة الجديدة العدد 87 ( بما معناه اننا تمكنا من رسم سياستنا بالاعتماد  على سياسة ومواقف الحزب الشيوعي العراقي في مجال القضايا القومية) .

2- ما حققه الحزب الشيوعي العراقي من انجاز نضالي تاريخي في بناء صرح لتنظيم شيوعي كبير في كردستان العراق , رغم قيادة الحزب كانت متواجدة في بغداد وفي ظروف عمل سري الا ان  الحزب استطاع جذب اعداد كبيرة من فئات شعبنا الكردي الى السياسة والى التنظيم الحزبي ونشر على نطاق واسع الفكر والثقافة التقدمية في كردستان , واصبح آنذاك تنظيمه ذو جذور وابعاد جماهيرية وذلك من خلال منظماته الناشطة في محافظات كردستان , والتي كان اعضائها وكوادرها يتقدمون الصفوف الاولى في الدفاع عن مطاليب الجماهير في المدن والقصبات الكردستانية . يستنتج من ذلك ان السياسات الصائبه والنجاح الذي يحققه اي حزب في نضاله على صعيد بلده لا يشترط من ان يكون الحزب حزباَ قومياَ يعمل في حدود بيئته المغلقه , بقدر ما هي قدرة الحزب على قراءة الواقع وتثبيت المهام الوطنية والديمقراطية .

3- اكد الحزب الشيوعي العراقي منذ تاسيسه على  قضية هامه وهي المضمون الديمقراطي للقومية , ان هذه الرؤية هي من وجهة نظري تشكل معادلة فكرية وعلمية طرحها الحزب , واكد فيها على الترابط بين الديمقراطية والقومية , وهذا يؤكد على فهم الحزب الصحيح للماركسية واسترشاده بها في تحليل الواقع السياسي والاجتماعي والقومي للبلد . فما اكدته التجربة القومية الكردية في العراق منذ عقود والى اليوم , صحة مواقف الحزب الشيوعي العراقي انه من دون ديمقراطية لايمكن ان يكون هناك حل للقضايا القومية وضمان الحقوق .

4- ما طرحه الحزب الشيوعي العراقي واكدته تجربة العراق وكردستان , ان ظهور الدكتاتوريات والاستبداد والهيمنة والتسلط وظهور النزعات الشوفينية او التعصب القومي او ضيق الافق القومي  , او ظهور الانتهازية والانحراف والتشويهات في الرؤى , ما هو الا نتيجة غياب الديمقراطية في الدولة والمجتمع والاحزاب .

5- عمل الحزب الشيوعي العراقي على محاربة التطرف بكل اشكاله بما فيها التطرف او التعصب القومي  ويرى الحزب ان التعصب القومي هو عدو داخلي للقضية القومية  وان المدافعيين الحقيقيين عن الحقوق القومية هم الغير متعصبين وبالذات المناضلون من اجل انتصار الديمقراطية وقيمها ومبادئها في المجتمع  وان كان هناك من مثال حي لا بد من ذكر سياسة الحزب الشيوعي العراقي ومواقفه في مجال القضية القومية , وبكون من المفيد ايضاَ التاكيد على التجليات العملية للتجربة المشرقة لنضال الحزب الشيوعي العراقي وهي تجربة الكفاح المسلح في كردستان العراق , حيث شارك فيها اعضاء الحزب من كلا الجنسين واصدقائه ومن كافة قوميات واديان  شعبنا العراقي ومن كافة مناطق العراق , انخرطوا  جميعاَ في النضال المسلح تحت شعار ( الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان الشعار الذي رفعه الحزب آنذاك ولاحقاَ في عام 1992 تبنى الفيدرالية لكردستان ) في الوقت الذي كان هناك قوميون اكراد وضعوا ايديهم بايدي النظام الدكتاتوري , ووقفوا ضد تطلعات شعبهم الكردي في التحرر القومي ونيل الحقوق القومية , وكانت مواقفهم انتهازية نفعية اضرت بنضال شعبنا وقواه الوطنية والديمقراطية .

ملاحظات على بعض مواقف وتوجهات الحزب الشيوعي الكردستاني :

1- المتتبع لتاكتيكات وتوجهات ومواقف الحزب الشيوعي الكردستاني منذ دخوله في التحالف الكردستاني في عام 2005 الى الآن , لا يمكنه الا ان يقتنع بهيمنة الفكر القومي السائد في رؤية الحزب وتوجهاته , في الوقت الذي يعلن الحزب الشيوعي الكردستاني في وثائقه انه يسترشد بالماركسية في عمله ونشاطة ,  حيث ان الماركسية  تؤكد على رؤيتها في العمل والنشاط وفي رسم السياسة ليس على اساس القومية وانما على اساس قراءة الواقع السياسي والاجتماعي والقومي للبلد او المنطقة الجغرافية , وبهذا تكون الدراسة في رسم السياسة تقام على اساس المواقف الطبقية والوطنية ذات التوجهات والمهام الديمقراطية وكذا على اساس المواقف الاممية , لا سيما وان بلدنا متعدد القوميات , وليس فيه قومية سائدة وحتى في كردستان فهذه النظرة الماركسية من الناحية العملية غير موجودة في رؤية وتوجهات و مواقف قيادة الحزب الشيوعي الكردستاني .

2- لا يمكن لاي شيوعي او يساري او ديمقراطي ان يفهم الاسباب والمبررات والظروف التي دفعت قيادة الحزب الشيوعي الكردستاني على الغوص في وحل القومية , مع الاسف لقد شاهدها الجميع انها قد غرقت فعلاَ في هذا الوحل , ان قيادة حشك لا تعترف انها لا تجيد السباحة في المنعطفات الحادة . في الوقت الذي ظهرت من الاحزاب القومية في كردستان العراق قوى شكلت حركات جماهيرية من مختلف الفئات وبالذات الشبيبة منها تدعوا الى نبذ التوجهات والمصالح الفئويةالقومية والذاتية الضيقه والالتحام مع الحركة اليسارية والديمقراطية في العمق العراقي .ان هذه الحركة في تصاعد وتوسع جماهيري وهذا حقاَ مفرح لكل يساري وديمقراطي . فلماذا تخلفت قيادة حشك عن فهم الواقع ومتغيراته ؟

3- لا اريد ان اتعكز على الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه قيادة الحزب الشيوعي الكردستاني , بدخولها  في التحالف الكردستاني في الانتخابات البرلمانية في عام 2010 في قائمة واحدة , حيث لم تحصد من هذا الموقف الذيلي الا الخسائر وعلى كافة الصعد لا بل وقد اسهمت من خلال هذا الخطأ التاريخي من اضعاف الحزب الشيوعي العراقي وقوى اليسار والديمقراطية في العراق , لا اريد الخوض في هذا الموقف الانتهازي الذي لم يجني منه الحزب الشيوعي الكردستاني الا الخيبة والهزيمة كما انه يؤشر الى البساطة والتواضع في قراءة الواقع العراقي والكردستاني والى الوقوع في اسر القومية .

4- ان هذا الانغلاق القومي والقراءة الخاطئة لواقع كردستان والعراق, اكدت فيها قيادة حشك انها قد غابت عنها مسألة بديهية في السياسة وهي الترابط الدايلكتيكي بين قطبي المعادلة ( بين الديمقراطية والقومية) فبرزت القومية على الديمقراطية في وضع السياسة والتوجهات وفي الممارسة وبهذا فهي اكدت انها لم تسترشد فعلاَ بالماركسية .

5- جراء هذه السياسة المجردة من الادوات العلمية في التحليل والاستنتاج , اسهمت قيادة حشك طوعاَ في تهيئة مستلزمات اضعاف الحزب الشيوعي الكردستاني وتعرضة الى انتكاسه , حيث ضعف حضوره واستقطابه الجماهيري وبالتالي ضعف تاثيره السياسي , وكانه اصبح في عزله وتهميش وانكفاء وعلى كافة الصعد .

6- يحق لي هنا ان اطرح سؤال على قيادة الحزب الشيوعي الكردستاني . هل ان الحزب خالي الآن من المبدعين ومن منتجي الفكر والثقافة ؟ لان الحياة اكدت ان اي حزب تسود فيه البساطة في الرؤية والتحليل ويبني مواقفه على عدم قراءة الواقع وفهمه يكون الحزب ضعيف التاثير في بيئته ويبقى رهينة للآخرين وتسود فيه حالةالانتظار والترقب وفقدان المبادرة والفعل , وينشغل في معاينة مواقف القوى الكبرى في المنطقة ومسايرتها   

7- ما يلمسه اي متابع سياسي لواقع  حركة ونشاط الحزب في كردستان العراق يجد مع الاسف ان هناك كثير من المواقف يحسمها الحزب الشيوعي الكردستاني لصالح التبعية المطلقة للتحالف الكردستاني .

8- وهذا يؤكد ان حشك لم يتمكن الى الآن من فهم الواقع الاجتماعي والطبقي لكردستان العراق , اذا ما تجاوزنا عدم  ادراكه لمهامه على صعيد العراق نتيجة ابتعاده عن الشأن العراقي , نجده ايضاَ تراجع في مواقفه وعلاقاته وتفاعله مع واقع الصراع على الصعيد العالمي الجاري اليوم على كوكبنا , وانعكاسات هذا الصراع وتأثير السياسة النيوليبرالية على المنطقة وعلى العراق وكردستان .

9- اما على صعيد النضال الجماهيري وتبني مواقف الدفاع عن مطالب الجماهير وحقوقها , نجده لم ياخذ دوره الحقيقي بعد . وان كان من مثال على ذلك هو اثناء انطلاق الحركات الاحتجاجية في كردستان العراق في ربيع 2011 , كان موقف حشك يشوبه التردد فهو ليس فقط انه لم يشارك فيها لا وانما اتخذ موقف سلبي منها , ولكن سرعان ما تدارك الحزب هذا الخطأ لجأ الى طريق سهل وهو اصدار بيان وضمنه نقاط سماها برنامج لحل الازمة وهو يدرك قبل غيره ان البيانات مضمونها اعلامي اكثر مما تحمله من فعل جماهيري , ما اكدته التجارب وآخرها تجربة الحزب الشيوعي العراقي وموقفه الصحيح من اشتراكه في الحركات الاحتجاجية التي انطلقت في 25/ شباط 2011 , ان هذه المشاركة الفاعله المباشره الميدانية ذات الطابع الجماهيري قد انعشت الحزب وزادت من حضوره وتأثيره الجماهيري والسياسي في البلد .

10- المتابع السياسي يلاحظ اهمال حشك لاي نشاط ثقافي او فكري , لا بل وعدم اشتراكه في هكذا نشاطات على صعيد العراق وهو يدرك قبل غيره ان تراث الشعب الكردي وثقافته هي جزء من تراث وثقافة الشعب العراقي وحضارته . هنا يطرح سؤال لقيادة حشك كيف ينهض الحزب اذا لم يهتم بالثقافة والتراث والفن ويشارك مع فئات المجتمع في هكذا نشاطات التي لها جذور في اعماق المجتمع , وهو يدرك ان المتطرفون الاسلاميون يسعون لمحاربتها ؟

11- هل ان قيادة الحزب الشيوعي الكردستاني قادره على نقد نفسها وتصحيح مسار طريقا , لكي تخلع عنها رداء القومية الذي اضر بالحزب وحضوره في كردستان حاضراَ ومستقبلاَ ؟ من وجهة نظري اعتقد انها قادره على نقد نفسها وتصحيح اخطائها بلا شك اذا تخلى البعض منها عن المواقف الانتهازية ذات الطابع النفعي  , لا سيما ما تؤكده تجربة كردستان اليوم ان قوى وفئات كردية قد خلعت هذا الرداء البالي الذي لا يستر احد وتبنوا طريق النضال الجماهيري مع الانفتاح السياسي و الفكري على العمق العراقي ساعدهم ذلك على الرؤية الابعد وادركوا طريق النضال الديمقراطي من اجل بناء عراق ديمقراطي يكون الضمانة الاكيدة لشعب كردستان العراق في التحرر والتطور وفي ضمان الفيدرالية  .

12- رغم الملاحظات التي ذكرتها اعلاه , الا انه لا يمكن نكران دورالحزب الشيوعي الكردستاني ونضاله في كردستان العراق , لكن عند مقارنة هذا الدور مع فترة ما قبل سقوط النظام الدكتاتوري نجد ان الحزب الشيوعي الكردستاني كان له حضور جماهيري فاعل ونفوذ سياسي وثقافي ودور مؤثر في الوضع السياسي في كردستان , واعتقد هذا ما يعرفه الجميع اذاَ لماذا تراجع دوره واصبح هامشياَ  .

( يتبع)

6-11-2011

 

You may also like...