هل ثراء بعض أبناء الكلدان نعمة أم نقمة؟

لقد وفَّق الله تبارك وتعالى الكثيرَ من أبناء الأمة الكلدانية ولا سيما الذين هاجروا الى بلدان الغرب منذ مدة طويلة، فغدوا يملكون ثروات تُعَد بالملايين، ويتفوَّقون بذلك على أبناء جلدتهم من المسيحيين الآخرين، ولم تقتصر ثرواتهم على مجرَّد أرصدة متراكمة في البنوك، بل الى جانبها ممتلكات من عقارات وشركات ومؤسسات تشمل مختلف المرافق الإقتصادية، وتعمل في العديد من المناحي التجارية والصناعية والزراعية وغيرها، مِمّا تُضاعف ازدياد الموارد بسرعة كبيرة.

ليس هناك اعتراض على الأرزاق، ولا يجوز حسد الأثرياء ولا الدعاء عليهم بالنقمة لكونهم أغنياء، فهذا يدخل في النظام الحياتي الذي أقرَّه الخالق، بأن يكون في العالم الأرضي أثرياء وفقراء، فهو يمنح الرزق لكُلِّ خلقه ويُتيح لهم التنافس في الكسب والسباق في الثراء ضمن العمل الجاد، وبذلك يظهر التفاوت والتمايز فييما بينهم من حيث الكسب والثراء، وهذا الأمر سائد منذ القِدم مهما اختلفت وسائل الحصول على المال وتعدَّدت طُرُقه، فكان ولا زال زاخراً بالفقراء والأثرياء.

إن أثرياء الكلدان بكثرتهم لم يجمعوا ثرواتهم من تراب وطنهم الأصيل وخيراته، لأنه قد استُلب منهم منذ قرون من قبل الغرباء، وقد استبدوا بحكمهم القاسي تجاههم والتضييق عليهم بشتى الطرق والأساليب التعسفية لمدى قرون عديدة عاشوها تحت سيف الإضطهادات دون أن يجدوا مهرباً منها حتى نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث استطاع الكثير منهم طرق أبواب الهجرة الى دول الغرب الأوروبي والأميركي التي رحبت بهم وفتحت لهم مجالات الرزق المتنوعة فاستثمروا طاقاتهم الكامنة بالعمل الدؤوب الذي دَرَّ عليهم بالثروة، فما عادوا يشكون من الفقر ولا يُعانون من حاجة، فاهتموا بعيش أبنائهم في بحبوحة ورخاء واسعَين وتثقيفهم من خلال أرقى المدارس والمعاهد والجامعات ليتبوّأوا الوظائف اللائقة بمستوياتهم العلمية والمهنية.

ومع كُلِّ ذلك فإنَّ أثرياء الكلدان يحنون على بلدهم ويتألمون لمصيره الراهن المتجه نحو المجهول، فهو مُقبل للتقسيم بسبب التناحر الطائفي والمذهبي الذي دبَّ أطنابه بين مكوناته الكبرى العرب الشيعة والعرب السنة والأكراد منذ التغيير السياسي الذي بدأ بالقضاء على النظام البعثي في 2003م، وكُل مكوَّن يسعى للإنفراد بالجزء الذي يضم طائفته ويعتقد بحقه في الإستقلال به دون الإفصاح علناً عن نيته! كم كان يتمنى أثرياء الكلدان عودة العافية لبلدهم العراق الممزق والمحتلة بعض مناطقه العزيزة من قبل عصابات ارهابية موغلة في تزمتها الإسلامي، اعتدت بشكل وحشي على سكان تلك المناطق التي لا تدين بالإسلام، ولا سيما منهم المسيحيون واليزيديون، حيث هجَّرتهم واستولت على أموالهم وممتلكاتهم، واغتصبت وسَبَت نساءَهم وبناتهم وباعتهم بسوق النخاسة، ولا زالت تسرح وتمرح معلنة دولة الخلافة الإسلامية منذ العاشر من حزيران عام 2014م وتُحارب على عِدة جبهات في العراق وبلاد الشام.

أعزائي اثرياء المهجر الكلدان، لقد كان لتعاطفكم مع الشعب المسيحي العراقي عامة وإخوتكم الكلدان خاصة صدىً كبيرٌ في التخفيف من وطأة محنته، وكان دليلاً على سخائكم المادي الذي انتم اهل له إبان إحاطة المُلمات بشعبكم ولا سيما عندما تُهيب بكم كنيستكم طالبة دعمكم، فإنكم تُلبون النداء بسرعةٍ قياسية مذهلة تُشكرون عليها، وإن دلَّ هذا على شيء فإنما يدل على مدى تعلقكم بكنيستكم ورغبتكم العارمة في نجدتها وهو شيء يوجِب الحمد والتقدير الكبير! ولكنَّ هنالك شيئاً آخر لا يقل أهمية عن كنسيتكم قد أهملتموه بالكامل ألا وهو “قوميتكم الكلدانية” التي لا تُعيرونها اهتماماً بأقل مستوى ممكن! ألا ترونها تُحارب من كافة الفرقاء في الوطن ولا سيما من الأقربين قبل البعيدين! ألا فكَّرتم يوماً بمصيرها؟ وإذا كنتم لا تثقون بحاملي رايتها في داخل الوطن وخارجه، أفلا تدفعكم غيرتكم القومية في الحفاظ عليها والدفاع عنها عن طريق قيامكم بتشكيل تنظيم سمّوه ما شئتم للقيام بهذه المُهمة القومية ذات الأهمية القصوى! ما قيمة شعبٍ تُنتزع منه قوميته؟ وهل أنتم قاصرون عن أبناء القوميات الأخرى الذين يُضحون بالغالي والنفيس للحفاظ على قوميتهم؟ ولماذا تقبلون أن يُعاب الشعب الكلداني بأن يصفه المُعادون له بضعف الشعور القومي لديه؟ ألستم انتم أبناءَه فهل تَقبلون أن تُنعَتوا بهذه الصفة غير اللائقة؟ إنَّه عتاب أخوي مخلص عساه يصل صداه الى إخوتي  الكلدان الأثرياء في كُلِّ مكان!!!

الشماس د. كوركيس مردو

في 15 / 6 / 2015

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *