هـل يـطـول القـداس في كـنيسة مار توما الرسول / سدني ؟ ( 6 – الأخـير )


القـداس الأول

في صباح يوم الأحـد 8 آيار 2011 دخـلتُ الكـنيسة لخـدمة القـداس الأول ( البسيط ليس قـداساً إحـتـفالياً ) وقـبل أن يـبدأ نـُـوِّهْـتُ ! إلى عـدم إطالته ظـناً بأنـني سأكـون السبب فـيه ، طبعاً لِـما يُـعـرَف عـنا بالمناورة في المقامات الكـنسية . وقـبل الخـوض في الموضوع أقـول إنّ الكـتاب المقـدس يزوّدنا بمشهد ليسوع الرب واقـفاً أمام ﭙـيلاطــُسْ دون أن يرتجـف و في البرية دون أنْ ينحـرف ، وينقـل لنا الجـدل الذي دار بـين ( مضطهـِد المسيحـيّـين بعـد القـيامة ثم صار رسول الأمم ) القـديس مار ﭙـولص الذي إنـتـصر رأيه عـلى مار ﭙـطرس ( زعـيم الرسل المعَـيَّـن مِن قِـبَـل الرب ) في مجـمع أورشليم ولم يـقـل أنا الزعـيم – الرسالة إلى غلاطية 2 : 11 ، فـتــَـعَـلـَّـمْـنا منه أن الحـق لا يعـرف مجاملة الأصدقاء ولا الرياء أمام الأمراء ولا الخـجـل إزاء العُـرفاء ولا الخـوف من الأقـوياء . إذن في المسيح ليس هـناك صغـير وكـبـير ، عـبد وسيد ، فهو الذي قال دعـوا الأطفال يأتون إليّ … كـبـيركم خادماً لكم … إنْ لم تولـدوا من جـديد …. يا ناقـصي الإيمان …… كما إنـتـقـد يسوعُ الفِـرّيسيَ الذي ضـَـيَّـفـَه وهـو يأكل عـنده ( بصورة غـير مباشرة موجِّهاً كلامه إلى سمعان ) …… فأقـول : إذا صَدَحـْـنا شـَـدواً بمقاماتـنا تسبـيحاً للرب فـوق قـمم الجـبال فسطـوحُها ومنحـدراتها سـتــُسَـبِّحُه معـنا بصداها والكهوف ستمجّـده برنينها ، ولكن أي صدىً سنسمع من سـفـوح الوديان وأيّ رنين ستـطلقه شـقـوق الشُطآن ، فـهل نـُـدَنـدِن لوحـدِنا عـند الخـُـلجان ؟ .

إن التـنويه المار الذِكـْـر بقي عالقاً في ذهـني ولم يمر عـليّ مرَّ الكـرام بل دفعـني إلى أن أبرهـن سَـهْـوَه فـقـمتُ بجـرد كل ما هـو مَـنوط بالشماس من مقاطع صلوات القـداس البسيط التي يرنمها فـردياً ، وحـسبتُ أولاً الزمن الذي يستغـرقه في أدائها شماس لا يُـجـيد المقامات ولا يمكـنه التـفـنـُّـن بها ، وبعـد ذلك حـسبتُ الزمن الذي يستغـرقه شماس آخـر يُـجـيد المقامات ويُـناور بها رافعاً طبقات صوته إلى الأعالي ثم يرجع في مسارات منحـنية ليستعـدل بها إلى مستويات أفـقـية طبـيعـية في جـولة تسبـيحـية وناقلاً المؤمنين معه إلى فـضاءات سماوية وهم يستمتعـون بأجـواء ألحان ملائكـية ، ولما قارنـتُ الزمَـنـَـين ذينك كان الفـرق بـينهما خـمس دقائق ونصف فـقـط كـحـد أقـصى لا أكـثر ، إذن ! إذا أطال الشماسُ القـداسَ بمقاماته فإنه مِن جانبه يُـطـيله بـ ( 5 : 30دقـيقة ) فـقـط ويمكـن أقـل ، وهـذه الدقائق سوف لن تـؤخـر إطلاق المركـبات الفـضائية من قـواعـدها ! . والآن جاء دَور السؤال : لماذا يـطول القـداس ؟

الجـواب : يتـركـّـز السبب في أربع محاور ( 1 ) الكاهـن في قـراءته التوصيات لجـمهور المؤمنين بعـد الإنجـيل ، ونحـن في القـرن الواحـد والعـشرين حـيث تكـنولوجـيا وسائل الإعلام كالإنـتـرنيت وما يرتـبط بها من ( إيمَيل – فـيسبوك – موقع الكـنيسة الإلكـتروني – المواقع الإلكـتـرونية العامة ) يمكـن الإستعانة بها لنشر أيّ إعلان أو توصيات إسبوعـياً كما في بعـض الكـنائس ، وإذا قال قائل أن جـمهور المصلين لا يعـتمد عـلى هـذه الطريقة في متابعة الإعلانات وتوصيات الكـنيسة ، أقـول نعم لأن الكـنيسة لم تـتـبع هـذا الأسلوب ولم تــُعَـلـّم الناس عـلى هـذه الطريقة ليتابعـوا أخـبارها وثانياً لأنهم معـتمدون عـلى قـراءة الكاهن ومطمئـنـّـون بأنه سيقـرؤها بعـد الإنجـيل فـلماذا يُـتـعِـبون أنـفـسهم بحـثاً في المواقع الإلكـتـرونية ، ومن جانب آخـر يمكن الإعـتماد عـلى نشر التوصيات في لوحة إعـلانات تعـلق عـلى الجـدار الخارجي للكـنيسة وسيقـرؤها مَن يهمّه قـراءتها وبالإستمرار سيقـرؤها الجـميع هـذا بالإضافة إلى النشرة الأسبوعـية المتاحة للجـميع عـند باب الكـنيسة والمذكـورة فـيها جـميع التوصيات المقـروءة . ولا نـنـسى أن الكاهـن نـفـسه يضـطـر إلى تأخـير صلاته بـين حـين وآخـر أثـناء القـداس والتوقـف حـتى تـنـتهي الجـوقة من النشيد الذي إبتـدأتْ به ثم يواصل صلاتـَه . ( 2 ) الجـمهور هـناك وقـت ضائع بـين نهاية صلاة الكاهن وبداية إستـجابة الجـمهور أو الجـوقة له حـيث تأتي متأخـرة وليس بعـد الكاهـن مباشرة ، ثم أن الجـمهور يستجـيب ويردد الصلوات بـبطىء شديد لأنه هـكـذا تـَـعَـلـَّـمَ منذ سنين طـويلة ، ويعـتمدون عـلى سرعة الكاهـن أحـياناً ويمكن ملاحـظة ذلك في مقـطع ( شوحا لاوَوْ لـَـوْرا وَلـروحا دقـوذشا عَـل مَـذبَح قـوذشا نِـهْـويه دوخـرانا دَوثولـتا مريم …..  فإذا بدأها بتباطـؤ يستجـيب له الجـمهـور بتباطـؤ أشد والعـكس بالعـكس ) . ( 3 ) الجـوقة تلعـب دَوراً مُهماً في إطالة القـداس وبامكان قـيادتها وأعـضائها تـجاوز الوقـت الضائع إذا أرادوا ، فإستـجابتهم للكاهن في كل مقـطع ، تأتي متأخـرة وبطيئة كما ذكـرنا ، ومن جانب آخـر فإن أثـناء تـناول القـربان المقـدس تـُـملأ الأجـواء بتـرانيم جـميلة ( نشيد – مارَن إيشوع مَـلكا سْـغـيـذا …… مثال ) يُـفـتـرض أن تـنـتهي التراتيل بإنـتهاء آخـر متـناوِل كي يواصل الكاهـن صلواته الخـتامية ، ولكـن الملاحَـظ أن الجـوقة تـنـتـظر آخـر المتـناوِلين ومِن بعـد ذلك تبدأ بـ مارَن إيشوع مَـلكا سْـغـيـذا …. الذي إنـتـفـتْ الحاجة إليه وسيستـغـرق وقـتاً ، في حـين هـو نشيد يمكن ترتيله قـبل إنـتهاء أعـداد المتـناولين . ( 4 ) الشمامسة في نشيد الشمامسة قـدّيش قـدّيش قـدّيش … ، يُـعامَلون وكأنّ ليس لأحـد منهم أذناً موسيقـية تـُـمَـكــِّـنه من الحـفاظ عـلى الطبقة الصوتية للكاهـن ( أو الطبقة الصوتية المطلوبة في حـينها ) وعـليه ماذا يَعـملون ؟ إنهم ينـتـظرون (( زمناً ضائعاً )) ليَسمعـوا من عازف الموسيقى نبرة من جـهازه الموسيقي ، ومِن ثـَـمَّ ينـطـقـون بكـلمة قـدّيش ….! . وأقـول بملء فـمي ألف رحـمة وحـوسايا لأجـدادنا الشمامسة الذين لم يسمعـوا الموسيقى في حـياتهم ولم يحـتاجـوا إليها وهم في القـرى بـدون تـكـنولوجـيا ، ولم يأخـذ شخـصٌ بـيدهم ليقـودهم إلى الـ قـدّيش وغـير الـ قـدّيش ولكن الدهـر يَـومان …… يوم ٌ …..  ويومٌ …… . إنّ هـذه العـوامل التي لا ينـتبه إليها الكـثيرون نـتج عـنها هـذا الوقـت الضائع والذي بسبـبه صار القـداس طويلَ المدة ، فالشماس مهما تـفـنـَّـن في مقاماته فإنه لا يؤخـر قـداس هـذه الأيام .

ملاحـظة مهـمّة : إن القـداس ( وكل قـداس ) هـو ذكـرى العـشاء الأخـير الذي أوصانا الرب يسوع أن نعـمله لذِكـْـراه ولهذا نـقـول : ذِكـْـراكَ يا أبانا…. دُخـْـرانـَـخ أوونْ ….. ما عـدا أيام الأعـياد والمناسبات الطخـسية المخـصّـصة لإحـياء ذِكـرى قـديس أو مناسبة عـيد ما محـددة في التـقـويم الكـنسي فـيـُـذكـَـر إسم القـدّيس أو المناسبة ، هـذا مِن جهة ، ومن جـهة ثانية فإن القـداس يتـركــَّـز برمّـته عـلى نـَـص الكلام الذي نـطـق به الرب يسوع أثـناء العـشاء الأخـير في وصيته إلى التلاميذ والذي نسمّيه ( الكلام الجـوهـري ) ! إن وصف هـذا الكلام بـ الجـوهـري لم يأتِ إعـتـباطاً بل لأنه ثمين يساوي المصلوب والصليـب وعـندها يتحـوّل الخـبز والخـمر إيمانياً وعـقائدياً إلى جـسد ودم المسيح ، ولهذا ينـتـظره المُصَلي الحاضر في القـداس برهـبة وخـشوع مـتـناهِـيَـين ووَرَع  لا حـدّ له وساجـداً أو واقـفاً بإحـتـرام منقـطع النـظير ، فـيَسود أجـواء الكـنيسة صمتاً وسـكـوتاً ليُمَـكـّـنه من التـركـيز والمشاركة في الحـدَث ، لابل العـيش معه بروحه ووجـدانه حـتى ينـطق بها المسيح عـلى لسان الكاهـن ( هاناوْ ﭙَـغـْـرْ … هاناوْ ديمْ … ) عـنـدئـذٍ يحـصل الإنـفـراج بإبتهاج يـفـوق الوصف فـتــُـدَقّ الأجـراس ! لماذا ؟ لتـنبـيه الحاضرين إلى أنَ جـسد المسيح صار جاهـزاً وسوف نشاركه في مائدته المقـدسة ونـتـناوله بعـد قـليل ولهـذا نـرنـم أناشيدنا فـتـمتلىء بالفـرح قـلوبنا .

طـيّـب ولكـن هـذا الوصف الذي ذكـَـرتــُه لا يتحـقـق !! لماذا ؟ لأن عازف الموسيقى يرافـق (( الكلام الجـوهـري )) للكاهـن بموسيقاه في كل صغـيرة وكـبـيرة مما يُـشْـغِـل مسامع الحاضرين عـن كـلمات الكاهـن وينـقـلهم إلى أجـواء أخـرى وما يرافـقـها من شـجـون ومشاعـر وأحاسيس فـيشرد ذهـنهم بعـيداً عـن جـوهـر القـداس فـيصبحـون حاضرين بأجـسادهم فـقـط أما أرواحـهم وتـفـكـيرهم تـصبح في أماكـن بعـيدة عـن الحـدث الربّاني . وقـد نـوّهـتُ إلى هـذه النـقـطة في عام 2008 في أحـد إجـتماعات الشمامسة بحـضور الأب عـمانوئيل ﮔـوريال وأيّـدوها وأخِـذَ بها مشواراً من الزمن ولكـن حـليمة رجعـتْ إلى عادتها القـديمة .

وأخـيراً لابـد من كـلمة : للحـفاظ عـلى نكهة المقامات أثـناء القـداس والإستمتاع بألحانه الملائـكـية وإنسجامها في آذان الحاضرين دون نشاز ، يُـفـتـرض بقائد الجـوقة أن ينـتبه إلى نوع المقام الذي يـبدؤه الشماس بعـد قـراءة الإنـجـيل لكي يخـتار النشيد أو الترتيلة المناسبة لذلك المقام دون تبـديله فـجائياً بمقام آخـر فـاقِـداً الـ هارمونيا عـند مسامع الحاضرين ومستبدلاً إيّاه بـ نشازية واضحة ، وإذا كان هـذا القائـد غـيرَ مُـلِـمّ بأمور ذوقـية كهذه فـلماذا لا يُـتـرك الموضوع للشماس المقـتـدر فـيـبدأ بالترتيلة ثم تـكـمّـلها الجـوقة ؟.

You may also like...