هدف في الوقت بدل الضائع تعليق كروي على مباراة سياسية

 

في مباراة الذهاب لتصفيات البطولة القومية لكرة القدم ضمن المجموعة الرابعة للمرحلة الاولى، دخل فريق”البرج” الذي يتألف معظم أعضاءه من لاعبين محترفين بعقود خاصة مغرية ويحملون هويات مختلفة، إلى أرض الملعب بإعتداد وإطمئنان بتحقيق فوز كبير على الفريق المنافس وبعدد كبير من الاهداف بعد ضجيج إعلامي مثير وحملات دعائية منظمة وتصريحات رنانة وإستخفاف بفريق “الأصالة” الفتي الذي ليس بين أعضائه غير لاعبيه المحليين من أبناء البلدات المسالمة المتجاورة، بقدراتهم الذاتية وإمكانياتهم المادية المتواضعة لعدم حصولهم على أية مساعدات خارجية أو دعم مالي أو حتى معنوي من الإتحاد المركزي أو الإقليمي أو اللجان الخاصة أو من أية منظمة وطنية عراقية أو دولية، إضافة إلى عدم توفر فرص أمامهم لخوض لقاءات ودية مع فرق أخرى لإكتساب الخبرة وصقل مواهبهم الفنية.

وطات أقدام لاعبي فريق البرج أرض الملعب بكبرياء وغرور وثقة مطلقة بسحق فريق الخصم في بداية المباراة من منطلق الفارق الشاسع بين الفريقين من كافة النواحي فضلاً عن وجود نجوم محترفين بين صفوفه وإمتلاكه خبرة واسعة وتمتعه بفترة طويلة من والإعداد والتدريب وخوضه سلسلة من المباراة التجريبية المحلية والدولية مع منتخبات معروفة وإقامة معسكرات داخل وخارج الوطن بإشراف مدرب أجنبي وخبير مخضرم عمل مع فرق أخرى شهيرة، ويرافقه أفضل طاقم تدريبي فني ومالي وإعلامي وحتى إستشاري وأمني، وبدعم ومساندة هيئة إدارية مخولة بتوقيع عقود خاصة بمبالغ خيالية وصلاحيات لامحدودة لتقديم مكارم سخية ورواتب مغرية لكل منتسب للفريق كلاعب أساسي أو إحتياط أو حتى مشجع بقلمه أو لسانه وحتى في قلبه وهو اضعف الإيمان، إضافة إلى مكافئات ومخصصات لكل من يقدم أية خدمة للفريق حتى لو كان في القطب الشمالي، إلى أن يتم تحقيق الفوز النهائي والحصول على كأس البطولة النهائية ويكون بعدها لكل حادث حديث.

ولكن منذ اللحظات الأولى للمباراة تفاجئ فريق البرج بالأداء الفني المتميز واللعب الرجولي غير المتوقع للفريق الناشئ بدفاعاته وخط وسطه وهجومه وبراعة حامي هدفه، الذين بدأوا الشوط الأول على أرض الملعب الجديد لأول مرة بمعنويات عالية وتصميم أكيد على تحقيق الفوز إن لم يك في تلك، ففي المحصلة النهائية لمراحل تصفيات البطولة.

وبمرور دقائق المباراة تبخرت أحلام فريق البرج وإنهارت معنوياته واصابه الإرتباك والإعياء حين بدأت مشاعرالإحباط تتغلغل إلى نفوس لاعبيه بعد فشلهم بإختراق دفاعات فريق الاصالة وصعوبة الوصول إلى منطقة جزائه حينما وجدوا أمامهم سداً منيعاً لا يمكن إختراقه، فشرعوا وبتوجيه من المدرب بتطبيق خطة دفاعية محكمة من منتصف ساحتهم، وإستخدام إسلوب الهجمات المرتدة والإعاقة وتشتيت الإنتباه ومصيدة الإنفصال، عفواً التسلل، وإضاعة الوقت بجدالات عقيمة مع مراقبي الخطوط، والإعتراض على توجيهات مدرب الأصالة للاعبيه، حصلوا بسببها على سخط الجمهور الواعي وبطاقة صفراء.

أمَسَ لاعبي فريق البرج طيلة ذلك الشوط في حالة تراجع مستمر إلى داخل ملعبهم لإبعاد الكرة عن مرماهم بضربات طائشة، وترقب فتح ثغرة في الدفاع أو إرتكاب خطأ فني لفريق الأصالة في مناولاته القصيرة داخل منطقة جزائهم، لقطع الكرة والإنقضاض على مرمى الأصالة بهجمة مرتدة مباغتة، وبنفس الوقت كانت تراودهم أمنية الخروج من المباراة بتعادل خجول.

في فترة الإستراحة أرسل رئيس الهيئة الإدارية لنادي البرج الذي وصل مقره تواً من خارج البلاد، أحد مساعديه للتفاوض مع بعض اللاعبين البارزين في فريق الأصالة للإنضمام إلى ناديه، فقدم لهم عرضاً مغرياً ووعدهم بمستقبل واعد وعيش رغيد عند توقيع العقد معه، ثم ذكّرهم بسياسة العقاب والثواب لسيده في حالة رفضهم. فكان الإختبارالعسير لمن يبيع ماض ومستقبل فريقه بدراهم فضة فيلبس جلباب غيره ويرفع راية ليست لفريقه.

وفي الشوط الثاني وبالرغم من محاولات الدفاع المستميتة والجهود المضنية التي بذلها فريق البرج وتراجع الهجوم إلى داخل ساحتهم وتبديل اكثر من لاعب، فقد دخل مرماه الهدف الأول بعد مناولات جميلة وإختراق دفاعاتهم بسهولة وتسديد كرة قوية مفاجئة من خارج منطقة الجزاء، أعقب ذلك عدة فرص ضائعة لأهداف محققة. لجأ فريق البرج بعدها إلى الخشونة المتعمدة أحياناً وخطة تكديس كل اللأعبين أمام مرماهم، وقد إستنفذوا لياقتهم البدنية وفقدوا معنوياتهم وهم ينتظرون بلهفة صافرة الحكم الذي بدوره إنحاز إلى جانبهم لإنقاذهم من خسارة أكيدة والخروج بأقل عدد من الأهداف.

وفي الدقائق المتبقية من وقت المباراة وعن طريق كرة مقطوعة وهجمة يائسة غير متوقعة، إقتربت الكرة من منطقة جزاء فريق الأصالة فسدد كابتن فريق البرج وهو بوضعية قلقة وحالة نفسية مرتبكة كرة بطيئة نحو الهدف، وبدلاً من إبعادها عن مرماه بسهولة، إستهان بها أحد لاعبي خط دفاع الفريق الذي يتفاخر بإمتلاكه مهارة وخبرة في السياسة، عذراً لعبة كرة القدم، فإرتكب خطأً فنياً حينما أدخل الكرة في مرماه بدلاً من إبعادها وسط إستغراب بقية أعضاء الفريق وإستهجان مشجعي الفريق..

وفي الوقت بدل الضائع وفي محاولة مشابهة ثانية تمكن دفاع الأصالة من إبعاد كرة مفاجئة في اللحظة الأخيرة، فتحولت بتعاون وإندفاع فريق الأصالة إلى هجمة مرتدة منظمة سريعة جاء منها الهدف الثاني، ولكن الحكم ألغى ذلك الهدف الصحيح عندما تحيز مراقب الخط من إقليم الشمال ورفع راية التسلل رغم إعتراض اللاعبين والجمهور، الامر الذي أدى إلى تصاعد أداء فريق الأصالة لإحراز الفوز، ولكن صافرة حكم المباراة أنقذت الموقف.

وفي مباراة الإياب التي أقيمت في 15/5/2013 خارج الوطن قبل أسابيع أثبتت الوقائع مصداقية وموضوعية التعليق السابق في تقييم إمكانية واداء الفريقين، حيث حقق فريق الأصالة نصراً متوقعاً على فريق البرج بهدف نظيف جميل لا غبارعليه بعدما سيطرعلى مجريات اللعب خلال شوطي المباراة بشهادة الجمهور والمتابعين وإعتراف كافة خبراء الكرة، الامر الذي سينعكس على مستقبل الفريقين في مراكز الدوري للتنافس على خوض مباراة ربع أو نصف النهائي.

إن تصفيات البطولة المستمرة لا تخلو عادةً من المفاجئات، لان تلك الكرة السحرية المثيرة لا ثقة بها قطعاً، ولا صديق لها دوماً، بل الغلبة لمن يروضها بمهارته قسراً، فيقتنص فرصة سانحة ليخترق دفاعات خصمه ويسجل في مرماه بذكاء هدفاً ، حتى حينما يكون الفريق خاسراً عليه أن ينظم ويرص صفوفه رصاً، ويحافظ على لياقته البدنية والذهنية عالياً، ويهاجم بكل لاعبيه دون أن ينال منه الإحباط وصراخ مشجعي الفريق الأخر مراراً، أما وجود حكم متحيز فلا يتكررغالباً، و( رُب رمية من غير رامٍ ) لا تحدث تكراراً، وينبوع الأموال المتدفقة سينضب يوماً، حينها سيبحث الطاقم التدريبي واللاعبون المحترفون عن فريق أخر للتعاقد معه جبراً، ويتحول المشجعون لنصرة من يمثلهم حقاً، بعيداً عن إغراءات الدولار الذي ظنوا بانه الأرفع في الحياة شأناً.

صباح دمّان

9 / 6 / 2013

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *