نَحلة المثقف وعسل العراق


كلنا نعرف ان النحلة لها سر في نظامها الخاص وطريقة ادائها لعملها بحيث لا يمكن لأي خبير ان يكتشف باننا امام فصل تام بين السلطات، اكتشفتُ ذلك اليوم الذي دعاني جدي من أُمي لأساعده في جني العسل عندما كنتُ في دور الصبوة والمراهقة، وكان له حينها مايقارب الـ70 خلية نحل، وما يهمنا في هذه المقالة هو معرفتنا بنظام عملها الدقيق دون ان نكتشف سر هذا النظام الذي يتكون من (الملكة / السلطة التشريعية – تعطي الاوامر بتطبيق القانون – الخادمات/السلطة التفيذية – تنفيذ اوامر الملكة وتطبيق القانون في جني رحيق الازهار (ليس زهرة واحدة) والانتقال من بستان الى آخر (تعدد الافكار) ومن زهرة تختلف عن سابقتها في اللون والشكل والرائحة (تنوع وتعدد الثقافات والطوائف والمذاهب والاديان) يضاف الى عملها انها تحمي الديار وتساعد الرجال في هذه المهمة من اي عدو خارجي! وفي احدى المرات التي كنا نجني العسل في موسم الصيف رأيتُ منظراً بهياً وهو تجمع مئات الخادمات حول الملكة على شكل دوائر في نسق تام جداً جداً بحيث جميعها ترفرف جناحيها مكونة رنيناً عجيباً ولا موسيقى بتهوفن! فسألتُ المرحوم جدي عن هذا المنظر! فقال: انهم يشكلون (مهفة) اي لايصال الهواء البارد الى الملكة لحرارة الجو! وواجب القسم الاخر عدى جلب رحيق الازهار هو ترتيب المكان ونظافته ومراقبة الرجال في الاعمال اليومية ومحاربة العدو الخارجي فقط، لان ليس هناك عدو داخلي قط الا عندما تولد الملكة ملكة اخرى فتتقاسم الى مملكتان لانه لا يجوز هناك ملكتان لوجود كرسي واحد (نظام مركزي)، انها السلطة القضائية والتي من واجب احد الرجال هو نكاح الملكة الذي يموت بعدها! (لماذا يموت؟ انه احد اسرار المملكة) واعتقد ان العلم والتكنلوجيا تطور كثيراً ووصل الامر الى اكتشاف قسم من جينات الانسان والحيوان ولكنهم لحد اليوم لم يكتشفوا سر مملكة النحل

نحلة المثقف وعسل العراق

ارسلَ احد الزملاء مقالة للكاتب ادونيس / رسالة مفتوحة الى المعارضة السورية بتاريخ يوليو13، يقول: (لماذا لم ننجح نحن العرب حتى اليوم في بناء مجتمع مدني تكون فيه المواطنة اساس الانتماء؟ بديلا من الدين او المذهب ومن القبيلة او العشيرة او العائلة،،،،،،،،،،، والصراع هنا هو صراع سياسي ممرتبط بالمسألة الدينية، مسألة تطبيق الاسلام او لمبادئ اسلامية صحيحة، اشارة على ان هناك اسلاما غير صحيح او مبادئ اسلامية غير صحيحة وهذه طامة دينية سياسية كبرى نرزخ في سلاسلها 14 قرنا، ،،،، فهل الاسلام الصحيح هو كما يراه علي ام كما يراه معاوية؟ وهل القران مخلوق ام غير مخلوق،،،) وهكذا يؤكد الكاتب ان الثورات العربية الحديثة منها ثورة عبدالناصر كانت من اجل السلطة لا من اجل المجتمع، اذن نسمع ونقرأ ونرى ونلمس ان هناك من يريد او يحاول سرقة ثمار الثوار (مصر نموذجاً) او تحويل مسار الثورة، المؤامر والثورة المضادة،،،الخ

هنا لابد من سؤال اساسي / هل الثوار في تونس ومصر وليبيا واليمن يريدون اسقاط السلطة ام غايتهم وهدفهم بناء مجتمع جديد؟ ربما سائل يسأل: الاثنين معاً! لنستثني العراق من الاجابة لان اسقاط النظام قامت به امريكا وحلفائها وليس الثوار وما نراه في ساحة التحرير/بغداد ومظاهرات المحافظات الا دليل على اصالة الانسان العراقي الذين يعبرون عن معاناتهم جراء تفكيك النظام والدولة معاً، ان معاناتهم مركبة ومسيرة نضالهم باتت اطول مما كنا وكانوا يتصورون نتيجة اضافة بُعد آخر الى قلع النظام والدولة معاً وهذا كان من اهم اسؤأ الاخطاء التي وقعت فيها قيادة الحلفاء في العراق وخاصة “بريمر” هذا البعد الثالث والخطير المضاف على كاهل العراقيين كشعب ووطن هو (البديل) اي بديل التفكيك، قلعوا اساس واركان الدولة قبل ازالة النظام! وكان المفروض ان يكون بالعكس! تقويض النظام تدريجياً مع ابقاء اركان الدولة الاساسية! كان لنا بيت كامل من جميع الامور والخدمات، وفجأة بقينا في العراء دون ان نفكر – مجرد تفكير – في وضع خرائط جديدة لبناء بيت جديد! ومدة الانتهاء من البناء، وخرائط الماء والكهرباء لحد الان لم ننجزها فمتى نبدأ بالعمل الجدي؟ وما حدث بعدها ان كل جهة او مكون او سيد او طائفة او مذهب او حزب وطني كان او شبه وطني ،،، نصب له خيمة اكبر من حجمه ووضع لها اسماً غريباً عن مشهدنا وتباهى بها امام جيرانه والعالم ،، فتقسّم البيت الكبير (الوطن) الى بيوت من شعر وخِيَم مختلفة الاتجاهات وعدد العواميد المستندة عليها، وكل من هذه البوت المقسمة اصبح له اركانه ونظامه، ولا بد الاشارة الى الاغلبية التي بقيت تراقب المشهد وتحاول ان يكون لها موطئ قدم لتشارك في انجاز الخرائط والبدء في العمل الجاد والمخلص لكي لا تبقى في العراء بعيدة عن مواطنيها، وهي القوى الاسلامية التحررية التي تؤمن بالاخر، وقوى اليسار والليبراليين المتجددين ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني والشخصيات العلمية واصحاب الكفاءات وجميع المثقفين والعلماء والمفكرين،،، يحاولون بكل الطرق والوسائل ان يجلسوا على مائدة التجمع الديمقراطي كاحرار يريدون جمع هذه البيوت المششتة والخِيَم الغير نظامية ان تكون تحت خيمة كبيرة واحدة تسمى “العراق الديمقراطي الحر”

وهكذا تكون نحلة التجمع قد مَرّتْ على زهور وورود بساتين (افكار) العراقيين جميعاً واستنشقت رحيقها وكوّنت عسلاً ليس في طعمه وحلاته سوى طعم ارض العراق ومياهه الصافية وهواءه الصافي، لا يا سيدي ليس هذا حلماً انه حقيقة وعلى ارض الواقع سيكون لدينا تجمع يعمل مثل خلية النحل – كل يعرف اختصاصه وواجباته – يفصل بين سلطاته – يؤمن بالتنوع والتعدد – يقبل الاخر ويعترف بالحقوق كما للواجبات – يبتعد عن النحلات الغريبة التي لا تعرف الاّ نوع واحد من الزهور وبالتالي يكون عطاءها السنوي لا يلبي حاجياتها لانها تأكل اكثر مما تنتج، لذا تمد يدها الى الحرام الذي هو المال العام وتعبر واعتبرت ذات الايادي الوسخة بالفساد والملطخة بدماء العراقيين الابرياء

اعتقد من خلال متابعة الثورات وما يكتب عنها ونتائج الثوار ومحاولة قطفهم للثمار بدون ان تنضج نرى انه من غير الوارد مرحلياً اختزال زمن التحول في ايام او شهور او حتى سنين، فحذاري من قطف البطيخ وهو اخضر! وايضاً كونوا اكثر حذراً عندما ينضج ولا يقطف! بين هذا وذاك مرحلة دقيقة وخطيرة تحتاج الى قادة بصفات خاصة ليتمكنوا من قطف الثمر في الوقت المناسب والا 8 سنين عجاف اخرى، فهل يدخل العراق في مرحلة الثورة الشعبية ام تعي قيادتنا واصحاب القرار ما تئول (تؤول) عليه الامور ونتعظ من الرؤساء السابقين واللاحقين مع حفظ الالقاب (مبارك وزين والقذافي والاسد وصالح وهلم جرا) وعندنا هنا سؤال امامنا: ليجلس الرئيس السوداني عمر البشير ويقول لنفسه “ماذا ان رجع التاريخ فهل يحمل العصا ويلوحها مرة اخرى بوجه شعبه؟ اليس نادماً الان عن انفصال الجنوب بعد حروب ولوي الذراع بدل الحوار وتقديم التنازلات؟؟ الامر نفسه ينطبق على صدام حسين بنسبة وكذلك مبارك والقذافي وصالح وزين والان الاسد، وغداً يمكن ان نتذكرها ونُذَكِرها لقادتنا اصحاب القرار في العراق

لنؤكد هنا ان هناك ولادة جديدة حتمية، والوليد يريده الشعب الفقير بنسبة 70% ان يكون طبيعياً جداً، دون اراقة دماء وليأخذ حقه الطبيعي في البقاء (9أشهر) طبعاً الرقم رمزي بالنسبة للثورات – كمرحلة يجب ان تتم عدتها – ظرفها الذاتي والموضوعي – استعداد الوليد للقدوم! او يكون مولوداً (قاصر بـ7أشهر) والتي تعني قطف وجني العسل ليس في وقته المناسب، ايمكن جني العسل في الشتاء مثلا؟؟،، ومولود مشوه جاء بثلاث عيون وخمسة ارجل وهنا يحتاج الى عدة عمليات جراحية خطرة كل عملية بحاجة الى مدة زمنية غير محددة، وهناك حالة ولادة توأمين متلاصقين فتحتاج الى عملية جراحية بارعة بيد جراحين مختصين ولهم خبرة كبيرة في مجال التخصص، (جبهة التجمع الوطني الديمقراطي) والحالة الاخيرة هو الاجهاض ان كان قسرياً بالدم او بالترهيب والترغيب، ولا ننسى ان لا ولادة جديدة من رحم القديم، فهل تبقى المرأة تلد وعمرها 600 سنة؟ اذن كل الولادات تكون جديدة حتماً ومن يقول العكس ليبقى في قعر التاريخ لا يخرج منه، لان التاريخ لايقبل الصنع مقدماً لان مثل هذا المشروع (الوليد ميت وجامد ) لذا وجوب البقاء مع حركة التاريخ وصنع وتجديد الحياة بتغيراتها ومشاكلها ومراحلها، عليه نكون بحاجة الى محو امية لثقافتنا واخلاقنا وفكرنا، انه المنهج العلمي والتخطيط العملي، انها ثقافة الغد، ثقافة السلام والامن والامان، ثقافة تساوي الكرامات، انه عسل الزهور المتعددة والمتنوعة وليس عسل الزهرة الواحدة

وكل حالة من هذه الحالات تمر بمراحل تطور لها مميزاتها وخصوصياتها، وسؤالنا الان: اي من هذه الحالات يمر بها عراقنا؟؟ والثوار والانظمة الحاكمة في البلدان الاخرى هم يُقَيّمون ظرفهم الذاتي الخاص والموضوعي المشترك جزئياً بمصالح الدول الاقليمية والدولية

والعراق في اية حالة من الحالات تنطبق عليه اليوم؟؟؟ نريد نحلة المثقف لنأكل عسل العراق

من ليس له آذان ليرى ويقرأ ويتعظ لان اللوحة امامه باتت واضحة تماماً ولا حجة له امام التاريخ

shabasamir@yahoo.com

www.icrim1.com


You may also like...