نعم الإنتماء الى الكنيسة الجامعة هو مصدر نعمةٍ وبركةٍ وغِنى!

للأسف الشديد مُنذ أمدٍ بعيدٍ والأستاذ ليون برخو متمادٍ في التعرُّض للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ليس من منطلق الغيرة عليها وحُبِّه لها كما يدَّعي، وإلا لَما نَدَّد بمؤسستها رئاسةً وأحباراً وكهنةً مدفوعاً برغبة جامحة للإنتقام لا ندري الباعث إليه لأن التناقض في أقواله يجعل من العسير التكهن به أو الإستدلال عليه، فهو إذاً نابع عن نفسية معقدة غير مستقرة!

انظروا التناقض في أقوال الأستاذ برخو في إجابته على عنوان “هل الإنتماء الى الكنيسة الغربية عامل نعمة وبركة؟ وضعه لتعقيبه على مقال المطران لويس ساكو. يقول في مستهل تعقيبه:

< أظن أن الجواب على هذا السؤال ليس يسيراً وقد يكون قد قصد”عسيراً” بدليل قوله: الجواب حاضر ويسير لا بل بديهي ومطلق لكل مَن يضع المذهب والعقيدة قبل الهوية والتراث واللغة والطقس والتاريخ والأدب الكنسي وكُل مَن لا يُميِّز بين الكنيسة كرسالة سماء والكنيسة كمؤسسة شأنها شأن أيِّ مؤسسة مدنية ومالية وسياسية واستخباراتية وعسكرية وغيرها.> انتهى الإقتباس

كيف يكون الجواب غير يسير، وفي الوقت ذاته تجعله لدى الغير حاضراً ويسيراً لا بل بديهياً ومطلقاً! فإذا كان عليك ليس بيسير لأنك تختلف عن هذا الرعيل، لماذا لم تشرح أسباب صعوبته بالنسبة إليك ومَن هم على مثالك؟ يظهر أنك الوحيد الذي لا تُميِّز بين الكنيسة والمؤسسة الكنسية، المسيح الرب له كُل المجد، أسس كنيسته من البشر وليس من الملائكة، وأعلن بشخص هامة الرُسل القديس بطرس رئيساً لها وإخوته الرسل الآخرين مُساعدين له بقوله له ثلاث مرات: إرعَ خرافي، إرعَ غنمي، إرعَ كباشي أي جعله رأس الكنيسة المنظور لمؤسسته الإلهية الهرمية، وشتان ما بين المؤسسة الإلهية و المؤسسات التي أشرتَ إليها والتي ساويتها بها، حالك بذلك كحال مَن ليس لهم ايمان أوالملحدين أو الوثنيين! نعم إن المؤسسة الكنسية أناطها مؤسسها بالبشر وليس بالملائكة كما ذكرت آنفاً ولذلك لا بدَّ من وقوع هفوات بين أعضائها البشريين، إن ما بَدُر وما لا زال يبدر منك ليس بنقدٍ بناء وإنما هو نقد عدائي انتقامي هدام يُمليه عليك ردُّ فعل نفسي تحوَّلَ الى داءٍ ليس له دواء.

لماذا تُضمر كُلَّ هذا الحقد والعِداء للكنيسة الجامعة وتتلذذ بتكالب الأعداء ضِدَّها شامتاً؟ في الوقت الذي لست متأكداً ذاتياً بل معتمداً على أقوال الرواة الذين يُمثلون جزءاً من أبواب الجحيم الذين ذكرهم المسيح الرب مؤسسُها، بأنهم مهما فعلوا لن يقووا عليها، ولماذا تُريد أن تقف الى جانب هذا الجزء الجهنمي؟

إنك يا استاذ برخو سفسطائيُّ النزعة ولذلك لستَ مؤهلاً ولا بمستوى روحي جيد لتناقش العقيدة المسيحية بالذات، قد يمكنك مناقشة غيرها، أما هي فقد أشبعت نقاشاً وتحليلاً وتمحيصاً عبر الأجيال من قبل علماء جهابذة وقديسين هباهم الله الوحي ليعرفوا الحقَّ ويعتمدوه ويثبتوه. بأيِّ سلطان تدعو الناس الى نزع صفة القداسة عن رجال الدين المسيحيين؟ وأنت بعيد كُلَّ البعد عما يمت بصلة الى القداسة! تستطيع نقدهم بالمنظور الإنساني لأنهم بشر، ولكن نقدك أقرب الى الهدم منه الى البناء. هنالك إله واحد خالق الكون ولا يوجد آلهة غيره، الآلهة الوثنية والأصنام كانت قبل مجيء المسيح فادي البشر ومحررهم، فقولك يُصبحون بمصاف الآلهة هو تعبير خاطيء لا ينطق به الحاصل على الشهادات إلا مَن لا يعترف بالله الواحد!

بالصراحة التي إعتمدتها مبدأً في حياتي وبالحقيقة التي عاهدت نفسي أن لا أجامل على حسابها أحداً مهما كان أقول: ليس بوسعي التأكد من مسيحيتك إذ تنتابني الشكوك بصددها وأكبر دليل على ذلك هو استخدامُك كلمتَي(أظن وأعتقد) بدلاً من كلمتي الجزم(أؤكِّد وأثق) الى جانب نظرتك الى العقيدة المسيحية كنظرتكَ الى العقائد الأخرى، ولا مانع لديك نُكرانها إذا دعتكَ الحاجة ناسياً قول المسيح الرب < مَن أنكرني أمام الناس، أنكره أنا أيضاً أمام أبي الذي في السموات>.

نعم ليس هناك إنسان بين بني البشرمعصوم من الخطأ إلا واحد هو المسيح يسوع الذي صار انساناً من أجل خلاص العالَم أجمع، وهذا الإنسان كان ملءَ النعمة والبركة، ومِن ملئه أعطاهما للإنسان بشخص مَن أقامَه رئيساً لكنيسته هامة رسله القديس بطرس ولإخوته الرسل الآخرين، ومنحهم سلطان الحلِّ والربط في هذه الأرض. إن هذا السلطان لا تحد من قوته زلة أو هفوة يرتكبُهما المُطى له، ولكنه يُحاسبُ عليهما من قبل مُعطيه السلطان وهو المسيح الرب، إذاً الإنتماء الإيماني الى كنيسة المسيح الجامعة بشخص الجالس على كرسي مار بطرس الرسولي هو عامل نعمة وبركة ! إن المؤسسات الدينية المسيحية بعيدة عن أعمال الشر، وقد يُستثنى منها بعض الأعضاء لأن الزرع الصالح لا يخلو من الزوان!

بقولك: < إن الكثير مما فعلته مؤسسة الكنيسة الغربية بحق مسيحيي المشرق ومنهم الكلدان لا يدخل في باب النعمة والبركة عل الإطلاق. هو قول كاذب وافتراء تعصبي مقيت!

1 – حين شعرت الكنيسة الأم الجامعة بأن بطريركية الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق التابع للنفوذ العثماني في القرن التاسع عشر، غير قادرة على تلبية طلبات رعيتها الكلدانية الكبيرة في الهند من إرسال أساقفة وكهنة لها، للشحة التي تُعانيها هي نفسها منهم، الى جانب الصعوبات الجمة التي تُجابهها وتحول دون قيام بطريركها أو أيِّ اسقف من أساقفتها للقيام بزيارة هذه الرعية البعيدة جغرافياً عنها، وخشيةً من وقوع أبنائها الكاثوليك في براثن الكنيستَين الهرطوقيتين النسطورية والمونوفيزية، فاتحت رئاسة الكنيسة الكلدانية شريكتها في العقيدة الإيمانية، بأن تنوب عنها في الإشراف على شؤون أبناء هذه الرعية الكلدانية الكبرى إدارياً فقط، ليتسنّى لها بسط حمايتها عليهم ومنع النساطرة والمونوفيزيين من خدعهم وإغوائهم! وسوف تدعمهم بكُل ما يحتاجون إليه، وبالنسبة الى ممارسة طقسهم الليتورجي الكلداني سيكون لهم كامل الحرية. أحدث هذا الطلب ردَّ فعل مشوبٍ ببعض الإمتعاض لدى الرئاسة الكنسية الكلدانية في البداية سرعان ما تلاشى إثر مناقشات ومداولات بهذا الشأن بين الطرفين الكلداني والفاتيكاني، حيث رأت الرئاسة الكنسية الكلدانية من خلالها، بأن المحاولة الفاتيكانية هي واقعية وفي صالحها ولا ضير منها ما دامت كنيستها جزءاً من الكنيسة الجامعة ايمانياً!

فأين هذا من الإغتصاب، وأين من القتل لرجال الدين، وأين التعذيب يا استاذ برخو؟ وما دخل محاكم التفتيش بهذه المسألة؟ محاكم التفتيش مورست من قبل بعض أفراد من إكليروس الكنيسة الإسبانية قبل ذلك بزمن، وبدون موافقة رئاسة الكنيسة الجامعة! ومع ذلك تحمَّلت تبعات هذه الممارسة الخاطئة واعتذرت عنها! فلماذا تُثير هذه القضية التي عفا عليها الزمن؟ وهل تعتقد بأنك ستنال وطرك من محاولتك الإساءة الى كنيسة المسيح الجامعة الوحيدة الحقة! إن الكنيسة الجامعة بإشرافها وإدارتها للرعية الكلدانية الكاثوليكية في الهند، جعلتها تنمو وتزدهر علمياً وروحياً وأدبيا وعددياً حيث يُقدَّر عدد أبنائها بما لا يقل عن عشرة ملايين نسمة، وهم متمسكون بطقسهم الكلداني ولغتهم الكلدانية، والكثير من أساقفتهم وكهنتهم قدَّموا لنيل الشهادات العليا أطروحاتهم حول اللغة الكلدانية والطقس الكلداني وساعدهم بذلك الكثير من كهنة الكنيسة الكلدانية الدارسين في روما. فأين هؤلاء من أتباع الكنيستَين النسطورية والمونوفيزية الذين يلفهم التخلف والتأخر عن المسيرة الحضارية!

2 – أستاذ برخو، إنك تُبالغ جداً وتُلقي الإتهامات جزافاً دون وازع من ضمير ولا خوف من الله القدير. لا زالت روما ولحد اليوم تطبع كتاب صلوات الفرض (الحوذرا) وجبةً بعد وجبة لكنيستنا الكلدانية الكاثوليكية بنسخته الأصلية الأولى دون أيِّ تحريف أو تضليل مِما مارسه الكلدان النساطرة نابذو أصلهم الكلداني ومنتحلو التسمية الآشورية الوثنية الغريبة عنهم تماماً تلك التي أنعم بها عليهم رئيس البعثة التبشيرية الأنكليكانية عميلة المخابرات الإنكليزية “وليم ويكَرام”. إن كُلَّ اسقف وكاهن كلداني شديد المباهاة والإعتزاز بهذا الكتاب “الحوذرا” الطقسي الثمين ويعتبره أروع كنز للأدب الكلداني! لا يُفارق مكتبه وغرفة نومه. إنني للمرة الأولى أقرأ لرجل يدَّعي بأنه كلداني، يستسيغ الكذب ويفتري بتحامل سفيه على الأساقفة والكهنة الكلدان ويتهمهم زوراً بما هم بعيدون عن القيام به. متى وأين يا استاذ برخو رأيتَ اسقفاً أو كاهناً كلدانياً قد أركن كتاب صلوات الفرض “الحوذرا” في سلة المُهملات؟ أليس من العار والشنار أن تُلقي كلاماً إتهامياً على عواهنه؟ أين دليلك على ما تقول؟ هل انتفت القِيَم والمُثُل لديك؟

3 – مرة اخرى يا أستاذ برخو تُجافي الحقيقة بتشويهك للعلاقة بين المؤسسة الكنسية الكلدانية وأختها الكبرى مؤسسة الكنيسة الجامعة. إن الرابط الوحيد بين المؤسستين هو العقيدة الإيمانية الواحدة، فما تُقرِّرُه الرئاسة العليا للكنيسة الجامعة ايمانياً يجري الأخذ به وتطبيقه من قبل كُلِّ مؤسسات الكناس الكاثوليكية في كُلِّ أنحاء العالم، وما عدا ذلك فإن المؤسسات لها حرية التصرُّف واتخاذ قراراتها الخاصة بشؤونها الداخلية، إن البطريرك مع سينودس الأساقفة هم الذين يختارون المناصب والرسامات وتُرسل الى المجمع الشرقي في روما، لتدقيقها مع ملفات المُرشحين للمناصب، لأن كُلَّ اسقف وكاهن كاثوليكي له مِلف خاص به في روما، وهذا تقليد مُتبع وموثق بين مؤسسات الكنائس المناطقية وبين مؤسسة الكنيسة الجامعة، وليس خاصاً بالمؤسسة الكنسية الكلدانية فقط، فعلى سبيل المثال لا الحصر يشمل هذا التقليد المؤسسة الكنسية المارونية في لبنان الأكبر ايكلوروسياً والأوسع انتشاراً، فليس هنالك تابع ومتبوع كما تدعي زوراً وبهتاناً، فإدِّعاؤك تزويري يدفعك إليه الحقد والكراهية المعشعِشَين في مخيلتك ضِدَّ الكنيسة ومؤسستها منذ أيام دراستك في المعهد الكهنوتي وتفاقما بعد ذلك!

4 – كُل قول أو إدِّعاء غير مسنود بدليل لا يؤخذ به لأنه مبني على الباطل، إن الشائبة لا زالت تُلازم العقيدة النسطورية، وأكبر برهان على ذلك تزمت حامليها المشوب بالكره الشديد للكُرسي الرسولي والكنيسة الجامعة. ومَن يعلم، بأن المفاوض النسطوري لم يستخدم صورة الإيمان الكاثوليكية للتمويه ليحظى باعتراف الفاتيكان. وإن لم يكن في المذهب النسطوري خطأ ايماني لماذا يؤكد الأقباط الأرثوذكس بأن النساطرة ليس لهم نصيب في الملكوت! إن ما تقوله عن سيطرة مؤسسة الكنيسة الجامعة على المؤسسة الكنسية الكلدانية مؤسساتياً ولغوياً تُراثياً وطقسياً ومن خلال ذلك على الممتلكات هو محض افتراء بمجرد قولك ” ولا حاجة الى الإتيان بأمثلة” لأنك عاجز عن ذلك.

5 – بفقرتَيكَ الخامسة والسادسة اعتمدتَ تجنياً فاضحاً على مؤسسة كنيسة المسيح الحقيقية الوحيدة، وأهنت مؤسسها غير المنظور المسيح الرب. وهل الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الوريثة الشرعية الوحيدة بلا منازع لكنيسة المشرق تنزل الى رغبة ألدِّ عدوٍّ لها يدَّعي أبوتها كذباً؟ المراسلات موجودة وقد ترجمها الأنبا شموئيل ضمن كتاب العلاقات وما كانت غافلة عن ذلك لتأتي أنت وتُطالبها. إعتمدت الكذب في أقوالك:

أولاً: مؤسسة كنيسة المسيح الجامعة لم تُحلَّ أدبها الكنسي محل أدبنا الكلداني الكنسي، لأنها تحترم رُقيَّه وقِدمه وتعتبره في القمة مقارنة بغيره وحتى بالأدب اللاتيني، هي التي حافظت على تُراثنا الأدبي عن طريق طبعه وحفظه في مكتبتها الأعظم في العالم كُلِّه. وبحسبي معرفتي المتواضعة في الأدب والطقس الكلداني لم يدخل إليهما أيُّ شيءٍ غريب على الإطلاق.

ثانياً: لم تُجبرنا على الإعتراف رسمياً بقديسيها على الإطلاق لأنها ليست بحاجة الى ذلك لأنهم معروفون على نطاق العالَم الكاثوليكي، بل هي التي تعترف بقديسي كنيسة المشرق وعلى سبيل المثال لا الحصر: القديس مار يعقوب النصيبيني وتلميذه ملفان الكنيسة الكلدانية العظيم مار أفرام النصيبيني، ومار شمعون برصباعي ومار نرساي كنارة الروح القدس والقائمة لا تُحصى. هي التي قامت بطبع نتاجاتهم الغزيرة وترجمتها الى عدة لغات. هي التي طبعت سلسلة شهداء المشرق. إذا كانوا لا يُرتلون صلواتنا الطقسية كذلك نحن لا نُرتل صلواتهم الطقسية، لأن كُلاً منا له طقس لصلواته. العديد من الباباوات أثنوا على الطقس الليتورجي الكلداني وقالوا عنه بأنه أقدم ليتورجيات الكنيسة وأجملها طُرّاً.

المؤسسة الكنسية الكلدانية والشعب الكلداني لا يعتبرونك كلدانيا حقيقياً، وقد سمعت الكثير الكثير منهم بأنك تتستر بالكلدانية كسلاح لمحاربة كنيستها ومؤسساتها ورُعاتها وكُلّما يمت إليها بصلة. إنك الوحيد الذي لم تحظى بنعمة وبركة الإنتماء الى مؤسسة كنيسة المسيح الجامعة لأنك بعيد عن مؤسستها وساعٍ الى الإنتماء الى مَن هم أعداء المسيح فهنيئاً لك هذا السعي ! إن الصفات التي تُلصقها بموسسة كنيسة المسيح الرب الحقيقية الوحيدة والإتهامات التي ترميها بها هي نابعة مِن قلبك البعيد عن المسيح وهو خالٍ من المحبة التي أوصى بها مخلص البشر الفادي يسوع المسيح ومترع بالكُره والكبرياء الزائفة والأنانية المفرطة، ولا نطلب لك من المسيح الرب إلا التنوير والهداية.

الشماس د. كوركيس مردو

You may also like...