نريد أخلاق وطنية لا عسل مُر

كلنا نعرف ان الاخلاق مرتبطة بالحضارة والمدنية وما تبعهما من عادات وتقاليد وموروثات وممنوعات وما بداخلها من مباح وعكسه، والويل لمن تتحرك رغبته او غريزته الانسانية الى الامتناع عن التطبيق الحرفي لما يصدر اليه من سدود امام مشاعره واحاسيسه وخطوط حمراء خلال مسيرة تفكيره محيطاً بالمقدس والقِيّم التراثية والفكر المنغلق، فينتج تسيب وعنف وفوضى بين طموح الانسان ورغبته في التحرر والانفتاح وبناء انسانيته وتجديدها ليكّون له روح اسمى من التي يحملها الا وهي الروح الوطنية العملية! وبين الثقل والتأثير على الانا قبل ان تنضج وتصبح النحنُ من خلال انظمة جاهزة تعتبرالانسان وسيلة وليس هدف مما تحد من مبادراته بحيث تُبقي على منغوليته ويجبر على التخلي عن تطوره الطبيعي مبتعداً عن مقولة توما الاكويني “الطبيعيات ليس فينا”

اذن هناك مسافة واسعة وكبيرة بين الواقع “كما هو” و”كما نريده ان يكون”، الواقع كما هو يعني هناك مبدأين : مبدأ “الحقيقة” التي تعطى معنى لحياتنا كبشر بوجود علاقات انسانية تؤدي الى اخلاق مبنية على الحق! والمبدأ الاخر”الاداء” الذي هو تكميل الواجب المناط بيّ كانسان وشخص، اما “كما نريده ان يكون” يستند على مبدأين ايضاً – الاول: مبدأ “الفرض” هنا الفرد يستغل الانسان، والمؤسسة تستغل مؤسسات فيكون الزام الفريضة وينتج سجن للانسان حارسه الشخصي هو الانسان نفسه! والثاني هو: “مبدأ القوة” بانواعها – الفكرية والدينية والاجتماعية والمالية! ونتيجة دمج المبدأين (الفرض/القوة) ينتج (كما يردونه ان يكون) وبهذا يبقى الانسان شبه آلة ينطق كببغاء ما يملي عليه ولا يعرف معنى كلماته، وبالتالي لا معنى لحياته بل بالعكس ان ذلك يؤدي الى التطرف والعنف وعدم قبول الاخر لابل الغاءه ووجوب فناءه

والجمع بين مبدئَي (الحقيقة والاداء) فينتج عنهما تطبيق مقولة الاكويني (الطبيعيات ليست فينا) والتي سبق وان طرحناها في عدة مناسبات قبل سنين! ولكن اليوم لابد من الاشارة اليها لانها تتعلق بواقعنا المعاش كما هو: اما ان تبقى كانسان او تفقد جزء من انسانيتك لصالح بقاء الفوضى وفرض الفكر والاسلوب والمنهج بالقوة وبالتالي فقدان الامن والسلام، اذن هذه المقولة من فم قديس زمانه وفيلسوف ولاهوتي تؤكد على مبدأ : كل انسان يمر بمراحل التطور نفسها (قبل الولادة – الطفل – الصبي/المراهقة – الشاب / الرجولة والانوثة – البلوغ / معرفة الذات – الشيخوخة/الكمال والنبوغ،،) وتختلف هذه المراحل من شخص الى آخر من ناحية الفترة الزمنية ونموه وفكره وثقافتة وعاداته وتقاليده وغريزته ومشاعره الانسانية حسب الظروف الذاتية والموضوعية التي يمر بها، كفرد وكشخص بشري!

والحكمة كفكرة وكواقع معاش تؤكد على ان كل فرد يجب ان ينتقل من فرد الى شخص عن طريق السموعلى طبيعته البشرية ليس كل يوم بل كل ساعة ولحظة من خلال ما يقوم به من فعل متجدد تجاه نفسه كانسان وتجاه غيره ومن حواليه من بشر! وكمثال ان اسمي سمير– سهى – خالدة – سلام – محمد ،،،اي اسم عندما اضع رأسي على وسادة قبل النوم أسألْ نفسي: هل تغيراسمي خلال عملي هذا اليوم؟ الجواب كلا طبعاً! لا يتغير الاسم طيلة حياتي، طيب وما المطلوب اذن ان يتغير؟ وجوب ان يتغير ويتجدد عملي كانسان! فان عملتُ الخير للآخر كرجل دين، وارجعتُ الحق لاصحابه كناشط حقوق انسان، وزرعتُ الامن والامان في نفوس شعبي كرئيس للوزراء! ولو باية نسبة حتى في تطبيق الخطة السنوية والرباعية (بدل ان نقول الخطة الخمسية) فمعنى هذا انني ككاتب وناشط حقوق انسان ومثقف وعامل وفلاح وطالب ووزير ومستخدم وشرطي وضابط،،، قد تجاوزتُ طبيعتي الانسانية باتجاه تجديدها (بخيرها وحبها ومحبتها وعملها الصالح واعترافها بالاخر وقبوله) عندها اكون او اعتبر “ان الطبيعيات ليست فيّ” اما ان وضعتُ راسي على مخدتي ولم افعل شيئاً يُذكر تجاه نفسي وعائلتي ومدينتي ومجتمعي! يبقى اسمي كما هو ولكن اصبح مثل ذلك الحمار (تكرمون) الذي يدربه صاحبه لنقل البطيخ (بطيخ القوش) من البستان ليجلبها الى السوق لوحده، اي يسير المسافة بين البستان والسوق لوحده مطأطأ الراس! وانتم افهموها وهي طايرة، وسؤالنا هو: ماذا يلقب الانسان الذي ينام وهو قد سرق من مال الشعب كذا الف او مليون او حسب عدد الاصفار من مال شعبه وعلى حساب اطفال الشوارع واليتامى والارامل والمهجرين، اليس هذا اطعامنا عسل مُر؟ ومابالكم ان زرع مفخخة وقتل العشرات واصابة المئات لا يفرق بين سني وشيعي ومسلم ومسيحي ويزيدي وصابئي ويهودي، ماذا عن الذي ينام على حسرة عدم موافقته على مشروع او مقاولة ليس فيه لغف دولارات؟ وعن الذي يبتسم قبل ان ينام ويقول في سره: ضحكتُ عليهم في رفع شعار الديمقراطية وطَبَقّتُ الدكتاتورية وهم صاغرون! مثل واحد يقدم طعام للضيف فوق الماعون عسل وحلاوة وتحتهما ،،،،،، وماذا عن الذي يبيع وطنه؟ وين الوطن يلكاه – مع الاعتذار للفنان سعدون جابر

لذا نطلب ونريد ونحتاج الى وطنية حقيقية وعملية لا عسل مُرّ، فلا بد من التغيير والاصلاح!

shabasamir@yahoo.com

www.icrim1.com

You may also like...