نحو إعلاء شأن الهوية الكلدانية

 ليس من شك بأن معرفة الذات، ووعي الهوية التي ينتمي إليها الفرد أي الهوية القومية صارت اليوم مضمونا ذا دلالات عميقة تشمل كل ما يجعل الفرد والمجتمع شخصية قائمة بحد ذاتها، كما تشمل الاستخدام وعلى قدر كبير من التميز. فالهوية القومية سيرورة تاريخية شديدة التعقيد، وهي بتلك الصفات لا يمكن إلباسها للناس بقرار سياسي، ولا يمكن اختزالها في شعارات عامة. إلا أن الشيء المؤكد في مسألة الهوية القومية هو أنها مسألة إيمان وشعور وأحاسيس، بل وقناعة عميقة داخلية وجدانية بالدرجة الأولى.. الكل يعلم انه لا يوجد على الكرة الأرضية أمة بدون هوية، لا يوجد شعب بدون هوية، فرغم التمايز والاختلاف الحاصل من شخص لآخر، فكريا وجسديا وطبقيا، إلا أن هناك قواسم مشتركة أساسية تتميز بها مجموعة بشرية دون غيرها أهمها التاريخ المشترك واللغة والتراث الشعبي والمنظومة الحسية… الخ.

ينبغي أن لا يغيب عن أذهان أبناء شعبنا وامتنا الكلدانية أن هوية الأمة تعتمد في تأصيلها على تاريخها، بما يتطلب هذا التأصيل البحث عن الأصل والجذور، وبمقدار ما يكون امتداد هذه الجذور في أعماق التاريخ حاضرا للأذهان تكتسب هوية الأمة قوتها، خاصة عندما تكون تلك الهوية وليدة حضارة يشار لها بالبنان، كالحضارة الكلدانية، وتأسيسا على أصالتها المتجذرة في التاريخ، فالنظر إلى الماضي لا يلغي التفكير في الحاضر كما إن هذا الماضي لا يزال يؤثر في الحاضر، والواقع أن الوعي بالتاريخ تجعل منه محركا دافعا للشعور القومي.

كثيرا ما نصغي إلى الانتقادات والآراء التي ترسل للمثقفين الكلدان ولا سيما (الكتّاب الكلدان ) منهم، فعوض أن نعظم دور مثقفينا من رجال الدين والكتّاب والأدباء عما يقومون به من اجل الحفاظ على هويتنا الكلدانية ونشجعهم على ذلك، أصبحنا نهاجمهم بالعتاب واللوم وحتى التشكيك في أهدافهم، فالمثقفون هم عقل وضمير كل أمة، هم النبض الحي الذي يخفق بمشاعرها والبوصلة التي تصحح مسارها، فقد لعبوا على مر العصور دورا هاما ومحوريا في النهوض بمجتمعاتهم، هم عماد الأمة وسر تقدمها وازدهارها، فإن لكل شعب أو مجموعة بشرية ( أمة ) مثقفون متخصصون في مختلف المجالات يذودون عنها وعن هويتها وأصالتها ويقفون بالمرصاد ضد كل محاولات الإلغاء والإقصاء والتهميش سواء من خارج الجماعة أو من المتخاذلين المزورين من داخل الجماعة، اللذين لا محالة إن نجحا فسيؤديان إلى زوال الهوية الأصيلة وتعويضها بهوية جديدة أو بهوية مصطنعة، وإن حصل ذلك لا يقع اللوم على المزورين، فكل اللوم سيعود على المثقفين والمتخصصين الذين أهملوا دورهم التنويري وتقاعسوا عن أداء واجبهم المتمثل في التنظير الصحيح لشعبهم، وتوجهيهم للحفاظ على هويتهم قدر الإمكان وإنقاذها من التلاشي والاندثار، فكم امة عظيمة أغدقت على الإنسانية عطاءً ثراً وحضارة فذة أهمل مثقفيها واجب الدفاع عنها فكان مصيرها الزوال.

كما إن الوعي بالهوية القومية إذا كان ضرورة حتمية لكل المجتمعات الإنسانية فانه يصبح أكثر ضرورة للمجتمع الكلداني ويجب إن تحشد له كل الطاقات والجهود والإمكانيات، ولا يجب أن ننسى جذورنا العميقة المتأصلة بمحبة الوطن. إذاً فالتمسك بالهوية الكلدانية، هو محاولة من الشعب الكلداني، لإيجاد موضع متكافيء على خريطة الوطن، الذي عانى وما يزال يعاني ويلات التهجير والشتات، ومحاولات استهداف تذوبيه وطمس معالم هويته القومية، والتكافؤ هنا لا يعني المثل، بل حق الاختلاف، وبمعنى آخر الإيمان بتبادل الأفكار والانفتاح على الرأي الآخر، واحترام خصوصيته الإثنية والاعتراف بها، للوصول إلى مجتمع عراقي ديموقراطي مبني على المساواة والعدالة الاجتماعية، وبناءاً على ذلك يسعى الشعب الكلداني المهمش إلى تجاوز الدور الثانوي الذي فرضته عليه القوميات الكبيرة المهيمنة على المشهد السياسي العراقي، وتجاوزها عبر التماسك القومي الذي يتيح التمثيل القومي المتوازن على الساحة العراقية.

ولابد هنا الإشارة إلى حقيقة معرفية ثابتة، لإثبات الهوية القومية لابد من وجود تراث .. وللأمة الكلدانية حضارة وتاريخ وتراث التي تتمسك بها وتربي عليها أبناءها. ويبدو أن كلمة القومية الكلدانية صارت تثير حساسية لدى البعض إلى درجة محاولات تحجيم ثم تفتيت مفهوم الأقلية القومية في بلد كالعراق متعدد القوميات والأديان والمذاهب، ولا شك أن هذا المفهوم على مستوى الممارسات السياسية، جرى ابتذاله في كثير من الأحيان، لكن المفهوم في ارتباطه بالوعي القومي، يظل مما لا يمكن نفيه من وجود ما يسمى بأساطير وذاكرة تاريخية مشتركة وواقع جغرافي وتراثي وإنساني بين مجموعة بشرية تجمعهم لغة واحدة ومنازع روحية ثقافية موحدة وألام تاريخية وأمال تتشابه أكثر مما تتباين، تشكل مصدر قوة معنوية على الأقل ينبغي عدم التضحية بها لمجرد سخطنا على اخطأ السياسة أو عدد من الساسة الكلدان.

عنكاوا في 28 09  2011

wadizora@yahoo.com

You may also like...