نبــذة مختصرة عن عيد أكيتو الكلداني في بلاد الكلدان ( بلاد القطر البحري ) بقلم الأستاذ أبلحد أفرام

عيد أكيتو هـو عيد رأس السنة الكلدانية حصرا وكان أجدادنا الكلدان يحتفلون به منذ الألفية الرابعة وربما قبلها لأن تاريخ الإحتفال به على وجه الدقة لم يكتشف لحد الآن ، وما لا شك فيه أن الإحتفال به كعيد ديني وقومي كان يتم وفق طقوس وبرامج خاصة ولمدة أحد عشر يوما وكان لكل يوم برنامج إحتفالي خاص . وكانت الإحتفالات في البداية تجرى في مطلع السنة أي في الإعتدال الخريفي في 23 /ايلول ويستمرللمدة المقررة ومن ثم يحتفل به في رأس السنة التي تبدأ في الإعتدال الربيعي أي في 23 / آذار مع بداية موسم جني المحاصيل الزراعية وهكذا ، وعندما حل السومريون في سهول بلاد بابل حيث كان يسكن شعب سامي كما سماه المؤرخون الذين أكدوا بأن حلول السومريين في سهول بلاد بابل لم يكن أول إستيطان بشري هناك بل كان هناك شعب سامي يسكن بلاد بابل قبل مجيء السومريين دون أن يذكر هؤلاء المؤرخون إسمه كعادتهم فجاور السومريون ذلك الشعب وإختلطوا به وأخذوا يقلدونه في بعض عاداته وتقاليده ومنها الإحتفال بعيد رأس السنة ( أكيتو ) سيما في الإعتدال الخريفي موعد زراعة البذور وكانت الإحتفالات تجرى في جميع المدن الكبرى . بعد ظهور سرجون الأول الملقب بالأكدي نسبة الى مدينة أكد التي جعلها عاصمة إمبراطوريته التي أطلق عليها المؤرخون التسمية ذاتها ( الأكدية ) وقضائه على التشكيلات الإدارية السومرية ودمجها بالتشكيلات الإدارية ضمن إمبراطوريته التي سماها ب ( إمبراطورية الكلدان العظيمة ) إنصهرالسومريون في البوتقة الكلدانية وإنقرضت تسميتهم ، وما يجدر بالإشارة هنا إختلاف المؤرخين في تحديد تاريخ ظهور سرجون فبعضهم قال بأنه ظهر في القرن الثالث والعشرين ق.م والبعض الآخر قال في القرن الرابع والعشرين ق.م بينما يقول آخرون بأنه ظهر في القرن التاسع والثلاثين ق.م في حين يؤكد العلامة أدي شير ظهور سرجون في القرن الأربعين ق.م ورغم ذلك لم يذكر المؤرخون كيفية الإحتفال بعيد أكيتو من حيث مكان الإحتفالات هل كانت في جميع المدن أم فقط في بابل أو في أكد العاصمة بعد مجيء الكلدان الغربيون ( الأموريون ) الى الحكم جعلوا من بابل عاصمتهم ووحدوا مكان الإحتفالات بعيد أكيتو وجعلوا من بابل العاصمة مقرا لتلك الإحتفالات بإعتبارها العاصمة ومن ثم لكونها أقدس مدن زمانها وإستمرت الإحتفالات كذلك لحين مجيء الملك نبو بيلاصر الذي قام بتحرير بابل سنة 627 ق زم من سيطرة الآشوريين ومن ثم نفذ قسمه بإسقاط الدولة الآشورية إنتقاما لبابل التي دمرها سنحاريب وإستمرت الإحتفالات في بابل حتى بعد سقوط الدولة الكلدانية حتى في بداية عهد العيلاميين الأخمينيين المحتلين سيما في عهد كورش العيلامي الذي أسقط الدولة الكلدانية بسبب إهمال وخيانة آخر ملوك الكلدان نبو نيدس أو نبونائيد ثم أجريت الإحتفالات بعيد أكيتو في بابل في زمن إسكندر المقدوني. وبعد إنتشار المسيحية إنقطعت سيرة عيد رأس السنة البابلية الكلدانية لإعتبار المسيحية ذلك من الممارسات الوثنية . وكانت الإحتفالات بعيد أكيتو تقام في بلاد بابل حصرا كما ذكرت أعلاه ولم يتم الإحتفال بها لا في نينوى ولا في أي موقع آخر من قبل الفئات الكلدانية التي سبق وأن نزحت من الوطن الأم بلاد القطر البحري الكلداني الذي كان يمتد من اليمن وإمتداد الساحل ولغاية كلواذي موقع بغداد الحالي . أما في بلاد اشور فلم يكن يحتفل به لا بل كان الآشوريون يمقتون هذا العيد لكونه يتم برعاية الإله مردوخ لذا لم يشاركوا في هذا العيد على مر التاريخ من خلال حضور تمثال الإله آشور من تأسيس الدولة الآشورية كدولة مستقلة سنة 1258 ق.م ثم كإمبراطورية سنة 911 ق.م ولغاية سقوطها على يد نبو بيلاصر الكلداني بمؤازرة الميديين سنة 612 ق.م . بعد أن دمر الملك سنحاريب مدينة بابل بالكامل بما فيها الأسوار والمعابد وهياكل الآلهة وقصور الملوك والأمراء ودور عامة الناس وحول مجرى نهر الفرات اليها ليكتسح أساساتها ونقل تمثال الإله مردوخ الى نينوى مما أغضب زوجته البابلية التي كانت تعبد الإله مردوخ وليس آشور وحاول سنحاريب إحياء عيد أكيتو أو إقامة إحتفالات مشابهة له في نينوى برعاية الإله آشور غير أنه لم يفلح حيث قامت زوجته البابلية الكلدانية بتحريض أبنائها ضده فهجم إثنان منهما على أبيهما سنحاريب وهو يؤدي صلاته أمام تمثال إلهه آشوروقتلاه وهكذا حلت عليه لعنة بابل . حاول الملك أسرحدون إصلاح أخطاء والده فقام طوال فترة حكمه بإعمار بابل لتعود كما كانت غير أنه لم يتمكن من إنجاز إعمارها لحجم الدمار الهائل الذي كان قد لحق بها . عليه فلم يكن الآشوريون وهم فئة من الفئات الكلدانية التي خرجت من بلاد بابل يحتفلون بعيد أكيتو قطعا ولا يوجد مصدر ينص على أي إحتفال من هذا القبيل فقط أن الآشوريين عندما أسسوا دولتهم لا بل قبلها إمارتهم كانوا قد تبنوا التقويم البابلي لا أكثر وإن إدعاء الكلدان المتأشورين اليوم أي آشوريو ويكرام 1884 ــ 1910 م بكون أكيتو عيد رأس السنة الآشورية فهو ضرب من الكذب والبهتان فسنتهم كما نوهنا كانت سنة أمتهم الأصلية الكلدان . وما يؤكد عدم إحتفال الآشوريين بعيد أكيتو خلال فترة حكمهم 1258 ــ 612 ق . م وعدم إيمانهم به هو : ـ
1 تقاطع مغزى هذا العيد مع الفكر الملكي والديني الآشوري الذي تولد لدى الملوك الآشوريين بعد أن أسسوا دولتهم المستقلة سنة 1258 ق.م وهو أن الملك في بابل كان يستمد سلطته الملكية ويجدد ملوكيته سنويا في هذا العيد ، بينما كان الملوك الآشوريون يعتبرون أنفسهم نوابا عن الإله آشور يستمرون في الحكم مدى الحياة .
2 ـ كان الملوك الآشوريون يستغلون إحتفالات الكلدان من كافة المدن البابلية وعلى رأسهم ملك بابل وإنشغالهم بإحتفالات هذا العيد الذي لم يكن له أية قدسية لدى الآشوريين وملوكهم بعد نزوحهم من بابل في أواخر الألفية الثالثة ومطلع الألفية الثانية ق.م ليشنوا الهجوم على بابل وفعلوا ذلك مرارا وهذا دليل على عدم إعارتهم الأهمية لعيد أكيتو لكونه برعاية الإله مردوخ رئيس مجلس الآلهة البابلية وليس برعاية الإله آشور الذي كان الكلدان بجميع فئاتهم وقبائلهم يعتبرونه من الآلهة الوضيعة والصغيرة .
3 ـ لم يتم الإشارة ولو مرة واحدة الى إحياء الملوك الآشوريين هذا العيد في عواصمهم المتعاقبة في أي مصدر من المصادربإستثناء إعتباره مناسبة عابرة لدى بعض الفئات الكلدانية التي نزحت من بلاد بابل أو أرض شنعار كما ينص سفر التكوين في العهد القديم ومنهم الآشوريين لأنهم كانوا يعتبرونه بداية تقويمهم الذي كانوا يعملون به حتى بعد خروجهم من بابل لا أكثر، وكانت الملكة سميرأميس ( شمو ـ رات ) التي حكمت كوصية على إبنها القاصر بعد وفاة زوجها تحمل فكرة الإحتفال بعيد أكيتو لأنها كانت راسخة في مخيلتها لكونها في الأصل أميرة بابلية لكنها لم تتمكن من تطبيق فكرتها بغياب الإله مردوخ التي كانت تعبده ولم تكن تقبل بإحلال الإله آشور محله ، كما فشل سنحاريب في تطبيقه برعاية الإله آشور لأن الإله الخالق وفق قصة الخليقة البابلية كان الإله مردوخ كبير الآلهة البابلية وتسببت الفكرة بقتله كما نوهنا أعلاه .
4 ـ لم تكن في العاصمة الآشورية المستلزمات الواجب توفرها لغرض الإحتفال بعيد أكيتو لأن أي من الآلهة لم يكن ليحضر ومن ثم لم يكن لديهم الإله الخالق ولا قصة الخليقة التي كانت تتلى في أحد أيام الإحتفال ولا الأساليب والأسس أو القواعد المتبعة لإحياء هذا العيد .
ومن جانب آخرأنا أعتقد بأن هناك علاقة بين عيد أكيتو وبين عيد (نيروز ـ الفارسي أو نوروز الكردي ) لأن العيلاميين كما يبدو لي أخذو الفكرة من الكلدان بعد إحتلال بابل وطبقوها في بلادهم وفق إسطورة إبتدعوها .
اخيرا أنتهز فرصة حلول عيد رأس السنة الكلدانية (( أكيـتــو )) عيد رأس السنة القومي للكلدان كما وصفه الملك العظيم نبوخذنصر لأقدم لجميع أبناء أمتنا الكلدانية أينما وجدوا أزكى التهاني والتبريكات بعيد رأس السنة الكلدانية 7319 وكل عام وأمتنا ووطننا والعالم أجمع بألف خير

الأستاذ أبلحد أفرام
رئيس الحزب الديمقراطي الكلداني العراقي

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *