مَنْ هوَ الكلداني

” خاهه عَمّا كَلذايا  “

كتب أحد الجهلاء مقالاً يطعن به بالكلدان، ويعيب عليهم إندماجهم في المجتمع العربي، وتداخل لغتهم الكلدانية مع اللغة العربية، وكأن اللغة الكلدانية هي اللغة الوحيدة التي داخلت مع العربية، ونسي أن اللغة العربية دخلت عليها كلمات من الفارسية والتركية والإنگليزية وغيرها، فما زال أهلنا في جنوب العراق يسمون القطار ” ريل  rail ” وهناك قصيدة للشاعر مظفر النواب بعنوان ” الريل وحمد ” ، كما نسي هذا الفذ إنه يلبس البنطلون وربطة العنقوغيرها، وكلها ملابس غربية، أما العقال والدشداشة فنتشرف غذا لبسناهما، فعلى الأقل هو زي شرقي.

من جملة ما قال ” فاذا رأيت مسيحي عراقي أسمه هلال أومثنى أو زيد فاعلم أنهُ كلداني اذا رأيت مسيحي عراقي يتكلم العربية فأعلم أنهُ كلدانيا إذا رأيت مصلين مسيحيين عراقيين يقيمون صلواتهم بالعربي فاعلم أنهم كلدان “

لهذا الجاهل أود أن أرد عسى يعود له وعيه، ويثوب إلى رشده، ويرعوي، ويكون عبرة لمن يعتبر .

إن اللغة الكلدانية كانت سائدة في العراق ككل، وكانت تسمى لغة السواد الأعظم، ولم تجاريها لغة أخرى في عالمنا الحالي سوى اللغة الإنگليزية، وهذا ما ذكره المطران أدي شير في كتابه ” كلدو وآثور ” ص 161 : ــ

” لكن منذ الجيل السابع فصاعداً بدأت اللغة العربية تقرض شيئاً فشيئاً اللغة الكلدانية حتى أستولت عليها بالتمام “

هل سأل نفسه هذا النفر، كيف يكون قرض اللغة ؟ وكيف حلّت اللغة العربية محل اللغة الكلدانية ؟ألم تتداخل الكلمات من اللغتين لا سيما وإن اللغتين قريبتين من بعضهما البعض، من خلال أن نفس الشعب تكلم باللغتين، وإن اكثر العلوم كُتبت بها أو نُقلت من الواحدة إلى الأخرى،

وهل يدري هذا الرجل فاقد البصر وضعيف البصيرة من أن اللغة العربية أدخلت الكثير من كلمات اللغة الكلدانية إليها ؟ هل يدري بأن كلمة يعجبني هي كلمة كلدانية صرفة، ( أكعاجبلي ) وبيت بالعربي مأخوذة من بيث بالكلداني ، وأُم هي يمَّا، وأخ من أخونا، ورأس من ريشا ونجار من نگارا وغيرها وسنأتي بتفصيل أدق في مقالنا القادم اللغة الكلدانية وتداخلها مع اللغة العربية ،

يقول ذلك الجاهل ، إذا رأيت كاهناً يقدس بالعربية فاعلم إنه كلداني، أقول نعم وألف نعم ولنا الفخر بذلك، لآنه وببساطة، لا يوجد كاهن آخر من الجماعة التي تنتمون إليها بعد أن عملتم ( تعديل أو تصحيح القومية لمصالحكم الشخصية ) إن الكاهن الكلداني ينفرد بذلك، ويستطيع أن يقيم قداساً بأكثر من لغة ، وأتذكر عندنا كهنة كلدان وفي كركوك بالذات (على سبيل المثال وليس للحصر الأب الفاضل العزيز أبونا بول ربان وشقيقه الخوري إسطيفان ربان ومثلث الرحمات المطران يعقوب شير والمرحوم الخوري يوسف زورا وغيرهم ) كانوا يقيمون القداس بعدة لغات ، منها العربية والكلدانية والتركمانية والكردية، أليس عجباً ؟ ألا يعني ذلك بأن هؤلاء الكهنة ليس لهم مثيل؟ وأزيدك علماً نفس الكهنة بالإضافة إلى ذلك فإنه بإمكانهم أن يقيموا القداس باللغة الإنگليزية واللاتينية ولربما الفرنسية أيضاً، وفي كل ذبيحة يقيمونها فإن الله يستجب لهم، ولا تعتقد أيها المتغابي بأن الله لن يستجيب لمن يصلي بغير الآثورية !!!!!!

أليس التقديس بكل هذه اللغات هو مصدر قوة للكاهن الكلداني ؟ ويضع الكاهن الكلداني موضع فخر وإعتزازٍ وإعجاب ، فلماذا تعيبون على الكاهن الكلداني الذي يتكلم بأكثر من ثلاث أو أربع لغات ؟

”  لو نظر الناس إلى عيوبهم ,,, ما عاب إنسانٌ على الناسٍ   “

في العراق كان الكهنة يوصون الجميع بأن يتكلموا اللغة الكلدانية مع أولادهم، وإن اللغة العربية سيتعلموها في المدرسة والشارع وغيرها، واليوم في دول المهجر فإن الكهنة يؤكدون على اللغة الكلدانية ، ولكن ماذا بوسعهم أن يفعلوا غير النصح والإرشاد ؟

ثم أليس من الأفضل للكاهن الكلداني أن يتكلم الهولندية أو السويدية أو الدنماركية، ويربي الجيل الذي ولد ونشأ في هذه الديار وكان السبب في والديه لأنه من صغره لم يتكلموا معه الكلدانية، أو أن هناك تزاوجاً بين كلداني وهولندية أو دنماركية، أو بالعكس ، اليس الأجدر بالكاهن الكلداني أن يلم بلغة أهل البلد ليتمكن من متابعة تنشئة الجيل بدلاً من أن يهملهم ويتركهم عرضة للذئاب البشرية التي تحيط بهم وتأخذهم في إتجاهات معاكسة للدين والتقاليد والعادات؟ أو أن يعثر بهم أحداً من امثالك ويحيدهم عن الطريق السوي ؟

لماذا لا تعيب أيها المتساءل على إخوتنا كلدان الجبال ، عندما تداخلت أكثر مفردات لغتهم مع اللغة الإنگليزية ؟ هل قرضت الإنگليزية لغتهم التي يتكلمون بها ؟أم أن عليهم حلال وعلينا حرام ؟

منذ صغري أي قبل ما يقارب الخمسين عاماً أو أكثر، وكان لنا جيران من إخوتنا كلدان الجبال ” الآثوريين ” منهم سمعت بأن ربطة العنق تسمى ” نيك تاي Necktie ” وسمعتها من طفل كان بعمري حيث قال لي بأن والده سوف يشتري له هذه ” بَيِّن  زوُنن نيك تاي ، أريد اشتري ربطة عنق “، من أين تعلمها وهو طفل صغير، ولم يكن في منطقتنا أجانب ؟ ونحن نسكن في قرية صغيرة بعيدة جداً حتى على المدن، وكلمة أخرى على ما أذكر كان صبي آخر عنده ألم في المعدة فقال ” أستومتي بمرائيي My stomach hurts ” وضحكنا عليه ، لأننا لم نفهم ما يعنيه، وكان يقصد بأن معدته تؤلمه ، والكلمة الأخرى ” آش ترَي ash tray  ” وهي منفظة السكائر وغيرها الكثير من الكلمات،                                                                                                                                 أيها المعيب علينا، لماذا لا تنظر إلى عيوب هؤلاء ؟ لماذا لا تُشخص الخلل أينما كان ؟هل أن الكلدان يؤرقونك إلى هذه الدرجة ؟                                                                                                                         أسئلة بحاجة إلى إجابات

أين وُلٍدنا ؟

في أي مجتمع تربينا ؟

وبأية لغة درسنا مبادئ القراءة الخلدونية والكتابة والمتوسطة والإعدادية والجامعة ؟

أية لغة كانت هي لغة المخاطبات الرسمية ؟ بأية لغة كنا نقرأ الصحف والمجلات والكتب والمصادر ؟

أية لغت كانت تبث بها الأخبار ؟

كيف نتفاهم مع الجيران من غير العرب ؟ كالتركمان والأكراد والأرمن وغيرهم ؟

أيها الجاهل : مَن قال لك بأن الدشداشة هي من لباس العرب ؟ ومن أين علمت بأن العِقال هو من لباس العرب ؟

أنظر إلى صورة مريم العذراء والجيل الذي كان يعيش معهم في ذلك الوقت ؟

إكليل الشوك الذي وُضع على راس يسوع، ألم يكن على شكل عِقال يوضع على الرأس ؟

أقول لك تعقل يا جاهل ، ولا تكن أعمى البصر ومحدود البصيرة ، فمثلك يجب أن يُحرم من الكتابة، لأنك لا تعرف الكتابة، وإنما تجيد الطعن بالقلم المسموم، وهذه هي صفات الماكر الخبيث،

تداخل اللغات ليس وليد اليوم، وإنما هو من أقوام وسنين عديدة، الم يستخدم الإستعمار الفرنسي أسلوب التتريك ؟ الجزائر والمغرب وتونس وغيرهما، ألم يمنع المستعمر أبناء الشعب من التكلم بغلتهم الأم، واصبحت الفرنسية هي اللغة الرسمية في تلك البلدان ؟ وحتى أن المناضلة الجزائرية جميلة بوحيرد وبعد أن تحررت الجزائر ارادت أن تلقي خطبتها، فاعتلت المنصة، وجاشت بالبكاء لأنها لم تتمكن بالعربية، وأعتذرت من ذلك والقت خطبتها باللغة الفرنسية ، وهي المناضلة التي جاهدت وطافحت وناضلت في سبيل تحرير بلادها .

نزار ملاخا

You may also like...