موعظة المطران الكلداني المُتـقاعِـد مار إبراهيم ابراهيم في قداس الأحد الثالث مِن الصوم لعام 2018 في كنيسة مار ميخا الكلدانية في مدينة سان دييكَو بولاية كاليفورنيا.

نظراً لأَهـمية هذه الموعظة مِن حيث مضمونِها وتأثيرها على الشعب الكلداني المسيحي وكُلِّ الشعوب المسيحية، وهي الأولى مِن نوعِها تصدُرعـن قائدٍ كنسيٍّ عبر تاريخ كنيسة المشرق الكلدانية، وهي أيضاً مِن وُجهة نظري ذاتُ توجيهٍ ايجابيٍّ نُصْحيٍّ لمراتِـب الإكليروس الكلداني مِن أصغر ما بَـينها الى أعلاه، وحتى هي مفـيـدة لإكليروس الكنائس الشقـيـقة الأخرى، وهذا ما حَثَّني ودعاني لتَرْجَمتها مِن اللغة الكلدانية السَّوادية (المَحكية) الى اللغة العربية لِيطِّلعَ عليها القراء مِن مُختلف النّحَل وفي كافة الأنحاء!

الشماس د. كوركيس مردو

في البداية أشكُر سيادة المطران مار ابراهيم ابراهيم على جَرأَتِه وصراحتِه بقيامَتِه بإلقاء هذه الموعظة القيِّمة وإنْ جاءَت متأخرة لكِنَّها أفضل بكثير مِمّا لم تأتِ.

نَصُّ الترجمة لِمَضموم الموعِظة

اليوم هو الأحد الثالث مِن الصوم الكبير. إنَّ هذا الإنجيل الذي قرأتُه لكم مِن بشارة القديس مرقس، هوموجودٌ ايضاً في انجيل مَتى، أما لوقا ويوحنا فلم يأتِـيا الى ذِكر قِـصّة إبْـنَي زبدي، فلماذا ذَكـره مَتى؟ على الأرجَـح أنَّ مَتى استعاره مِن مرقـس لأنَّ انجيل مرقـس هو أقـدم مِن انجيل مَتى. لكِنَّ مَتى أضافَ بأنَّ أُمَّ ابْنَي زبدي هي التي طلبت مِن يسوع لإبنيها وليس هُما اللذان طلبا كما ذَكرَ مرقس إذْ لم يأتِ الى ذِكر الأُم بل ذكرَ الإبنَين. لِماذا؟ لأنَّ مَتى كَتَبَ انجـيلَه لليهـود وأرادَ دائماً أن يُظهِرَ يسوع بأنَّه يسعى الى إكمال المكتوب في التوراة أي العَهد القديم. وكان يعلم مِمّا ورد في الإصحاح الأول مِن سِفر الملوك الأول بأنَّ الملكَ داود عندما شاخَ وطعَنَ في السِّن قَلَّتْ مَعرفَتُه بالكثير مِن الأُمور ومَردُّ ذلك الى الشيخوخة.قام أحدُ أولادِه المدعو أدونِيا  مُعلِناً رَغبتَه بأن يُصبِح ملكاً، فأقنع بعض الناس وربابِـنة الجيش وغيرهم وذهَـبَ هو ومؤيِّدوه الى الجبل ليُقَدِّمَ الضحية ويُعلن نفسَه ملكاً. أما أخوه مِن والدِه وليس مِن أُمِّه سُلـيمان لم يُعْجِـبْه الأمر، وكذلك لم يَـرُق هذا العملُ للـنبيِّ ناثان ودعا أُمَّ سُلـيمان وقال لها: ليس أمامَكِ إلاَّ طريقٌ واحِدة، وهي أن تذهبي فوراً الى الملك داود وتُذَكِّريه بما قالَه وحَلفَ عَليه، فقابلت الملك داود وقالت له: ألم تحلِف باسم الله بأنَّ إبني سُلـيمان يكون الملك مِن بعدي وهو يجلس على عرشي؟ فلماذا إذاً أعلن أَدونيا أنَّه ملكٌ؟ فقال لها: نعم قد حَلَفـتُ بأنَّ سُلـيمانَ يكون ملكاً مِن بعدي، وبالـفِعل أصبح سُلـيمانُ ملكاً. لذلك ذكر مَتى بأنَّ أُمَّ ابْنَي زبدَي هي التي لإبنَيها.

غَضِبَ التلاميذُ جداً على الأَخَوَيـن، فـقالَ يسوعُ لهم: مَنْ يُـريدُ أنْ يكونَ كبيراً بينكُم فليـَكُن خادماً، ومَنْ يُـريدُ أنْ يكون الأوَّلَ فليكن عَـبداً، لأنَّ ابنَ الإنسان جاءَ لـيَخدُمَ لا ليُخْدَم. إنَّ وصية يسوع هذه قالها على الأغلب لكُلِّ مسيحي، ولكِن بالأحرى قالها الربُّ لنا نحن مسؤولي الكـنيسة لأنَّ الله قـد أقامَنا لنَخْدُم. إلاَّ أنَّ هنالك صعوبةً في الأمر، فأنـتم المؤمِنون لكم ما تُلامون عليه لأنَّكم تجعلـونَنا أن نَشعُرَ بأنفِـسِنا على شكلٍ مُختلِف بأنَّنا لسنا خُدَّاماً بل بأنَّنا نحن المطارنة أو حتى الكهنة الصغار أي الشباب يقولون بأنَّنا لسنا خُدَّاماً وإنَّما نحن مُدَبِّرو الكنيسة. ولكِنْ وإنْ كانوا مُدَبِّري الكنيسة ورؤسائها، ولكنْ عليهم أن يَخدِموا.وإنْ لم تَسِرْ الكنيسة بهذا الطريق أي طريق خِدمة البشرية، لن تكونَ الطريقُ صائبة، ولا مسيرتُها مُستقيمة.

مثلاً، فإنَّ كنيستنا تتكلَّمُ عن البطريرك! أنا بالذات لديَّ شكوكٌ أولاً بأنَّ سفرات سيِّدنا البابا تكلفتُها المالية كبيرة، وثانياً النظرة الى البابا وكأنَّه الله، بينما البابا هو الخادِم، ويُذيِّـلُ توقيعَه بـ ” خادِم خُدَّام الله” إذاً إذا كان خادِمَ خُدّام الله، فـلماذا يُجلِسونَه على كُـرسيٍّ عالٍ حتى السقـف؟ وعلى الناس جَـميعاً أن ينـتظـروا ساعاتٍ وساعاتٍ لكي يحضروا قُـدَّاسه وحتى الـمطارنة إذا ذهـبـوا لحضور قُدّاس البابا عليهم الحضور قبل المَوعِد بساعتَين،لماذا كُلُّ ذلك ولماذا يجري هذا؟ في زمن البابا بيوس التاسع، طلب مِن المطارين أنْ يُقَبِّلوا رِجْلَيه أي حِذأَيه، إنَّه عَملٌ غير معقول. يجِب أن نَنتَبِه بأنَّنا قَد أُقِمْنا للخِدمة، ولكنَنا نتنصَّلُ عن الخِدمة. ينبغي علينا أنْ نَخدُم، ومهما فَكَّرَ رؤساءُ الكنيسة بأنفسِهم، عليهم أنْ لا يُنكِروا بأنَّ سُلطتَهم أُعطِيَت لهم للخِدمة، وتُشبِهُ دكتوراً ذهبَ واكتسبَ عِلمَ الطُّب ليُعالجَ الناس المرضى وليس لقتلِهم. فنحن أيضاً بعد الدراسة وصيرورتنا كهنةً ومطارنة هو لِنَخدُم، ولكنَّنا كثيراً ما نَنسى ذلك. على الكنيسة أن تعودَ الى الينبوع الأول، إنَّ رسالتَها هي الخِدمة وبالأخَص رؤساءُ الكنيسة وأوَّلُهم أنا وآخرون، يجـبُ أن نُفَكِّـرَ بأنَّنا لسنا كبقـية أبناء العالم، لسنا ملوكاً ولا وزراء، إنَّنا خُدّام، وعَـلينا تقديم الخِدمة. لا نَنظر الى أنفسنا كمُتكَـبِّرين وبخاصةٍ مع الناس المساكين، فهؤلاء المساكين يُوَقِّـرونَنا ويُحِبّـُونَنا ويَرْفعـون مِن شأنِنا، فعـلينا بالمُقابِـل أنْ نُـقَـدِّرَهم ونَرفعَ مِن شأنهم. يا إخوتي الأَعِـزّاء، صَلُّوا على نِـيَّةِ الرؤساء والمطارنة وكهنةِ الكنيسة، لكي يَرجِعـوا الى أنفـسهم ويَعرفوا الحقيقة.

فقد تركنا الحقـيقة والكنيسة بأكـملِها، كنيسة الكلدان والسريان والأمريكان وحتى كنيسة ايطاليا، كُـلُّنا قد تركنا الحقـيقة، وليس هناك أيُّ أحَدٍ يتأَمَّل بتعليم يسوع، فقد تناسَيناه. أَتدرونَ لماذا أتَذَكَّرُه كثيراً، لأنَّني منذ أن رُسِمتُ مطراناً قـبل 36 سنةً، جرت رسامتي في الأحد الثالث من الصوم الكبير، فـبقيَ بذاكِرَتي، وعلى الدوام يُوَبِّخُني ضميري بأنَّني مُقصِّرٌ بتقديم الخِدمة. يجب أن نَخدُم خِدمةً حقيقـية. لا يجوز أن تُعْجِز الناسَ أو تُجبِرَهم، ولا أنْ تُحزنَهم بل عليكَ أن تُفرحَهم، وهذا هو الشيء المُهم في الكنيسة.

صَلُّوا أيُّها الإخوة الأعِزاء، على نِيّاتِنا نحن جميعاً المطارنة والبطاركة والبابا والكهنة الشباب، فإذا تَعَلَّموا منذ البداية بأنَّهم قد أُقيموا للخِدمة، فإنَّهم يسلكون في الطريق المُثلى، ولا يجب أن يَتَصَوَّروا منذ البداية بأنَّهم رؤساء الكنسة ويحـقّ لهم أن يعملوا كما يَرغـبون. هناك كهنة شباب لم يمضِ على رسامَتِهم سنة أو سنتان، إذا أتاهم أحد العقلاء حريص على الكنيسة ويقول : يا أبـونا هذا الشيء لا يجوز، فـيَرُدُّ عـليه قائلاً هذا ليس شُغلـك، لماذا أيها الكاهـن ليس ذلك شُغله؟ لآ إنَّ ذلك مطلوبٌ مِنه!  لأنّ الكُل لهم الحق في عمل الكنيسة وليس نحن فقط، الكنيسة هي للكُل. صَلّوا لأجلنا لِـنعودَ الى النَّبْع الحَي أي المسيح الرَّب، لكي نكون خُـدّاماً أُمناء لسائر الشَّعب المسيحي آمين.

الشماس د. كوركيس مردو

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *