مواقـف الحـياة صارت تجارب شخـصية قـد تـفـيـد بعـضاً من أبناء الجالية / الحـلقة الثانية  

 

إقـرأوا عـن الصعاليك في التأريخ تـرَونهم ثعالبَ خـبثاء ، وفي أيامنا الحالية تلاحـظون أمثالهم جـبناء يعـملـون في الخـفاء ، قـدرتهم الـتـلـَـوّنية فاقـت الحـرباء ، يُعـميهم الحـسـد وتـدوّخهم الغـَيرة الحـمقاء ، فلا يطيقـون رؤية مَن يتميَّـز حـتى إذا إحـتـذى نعالاً خـرقاء ، إنهم مرضى لا يشفـيهم الله حـتى يشـفـوا أنـفـسهم الصفـراء .. هـؤلاء لا يمتـنعـوا عـن تـناسي طـقـوس أو إهمال تـقـلـيـد ( يثـولـوها ) ، ليس إلاّ بخلاً بمَن يـفـوقـونهم ! فـيُحـرَمون كي لا يتمـيَّـزوا عـنهم .. ألستم تـرَون فـيهم نـذالة وحـقارة ؟ أم إنه سقـوط أخلاقي قـبل أن يكـون دناءة وقـذارة … لـذلك فإنّ مَن يهـمه الأمر من فـوق الـمنارة ، عـليه أن يرسم ستـراتيجـية بعـيـدة عـن أنـظار أولاد الحارة ، ويكـون ذكـياً في ردع أولـئـك بجـدارة ، قـبل أنْ تـفـوح ريحـتهم الـنـتـنة في الـدارة ، وإلاّ … لا عـتاب لـو فاجأهم مُـطهِّـر برذاذه المعَـقـِم دون إنـذار أو إشارة .

******************

بعـد أكـثر من ثلاثين عاماً من تـناولي القـربان المقـدس للمرة الأولى ، حان موعـد الـتـناول لثلاثة من أولادي في بغـداد/ الـدورة / الميكانيك / حي آسيا ، والفارق بـين أعـمارهم سنة واحـدة ، إستـفـسرتُ من اللجـنة المعـنية لـتسجـيلهم فـقـيل لي يشتـرط بالمتـناول أن يكـون قـد أنهى الصف الخامس الإبتـدائي منـطلـقـين من أنّ الطالب قـبل هـذه المرحـلة لا يتمكـن من الـقـراءة عـلماً أني تـناولت في كـركـوك حـين أنهـيتُ الصف الثالث الإبتـدائي وكـنتُ متمكـناً من قـراءة الكـتيـب المخـصص لـتلك المناسبة وبكـفاءة .

إنّ هـذا الشرط ( الناجح من الخامس الإبتـدائي ) متـوفـر في إبني الأكـبر ، إلاّ أني فـضلتُ تأجـيله سنة واحـدة كي تـشاركه أخـته ، بل ومعهم الثالث أيضاً في آنِ واحـد فـيكـونـون قـد أنهـوا مرحـلة السادس والخامس ( والرابع ) عـلى التـوالي ! .

وفي العام اللاحـق كـلمتُ أعـضاء اللجـنة مرة ثانية فـقـبـلـوا إثـنين منهم ورفـضوا الثالث بحجة أنه ليس مستـوفـيا الشرط ! ناقـشتهم عـن الحـكمة وراء ( النجاح من الصف الخامس ) قالـوا كي يتمكـن من قـراءة كـتيـب الصلوات والأناشيـد المخـصص لـلمناسبة …. قـلت لهم أني أجّـلتُ إبني الأكـبر سنة واحـدة كي يحـتـفـلوا ثلاثـتهم سوية وإلاّ سألغي مشاركـتهم جـميعاً … وإذا كانت حجـتكم قـراءة الكـتيب ! طيب إمتحـنـوه ثم قـرروا … فإمتحـنـوه وقـرروا قـبـوله وإحـتـفـلـوا سـوية في يوم واحـد .. إذن العـبرة المنـطقـية في الـقـبـول هي التمكـن من القـراءة وليست في أمر لا يخـص اللجـنة المحـروسة إطلاقاً …

ما علاقـتهم بـدوام سنة كاملة في الصف الخامس الإبتـدائي ( مساء كـل يوم ثلاثاء ! ) ؟ هـل نمنع أطفالـنا اللاجـئـين من تـناول القـربان المقـدس وهم ينـتـظرون سنيناً في بـلـدان الإنـتـظار المؤقـت ؟ أنا عـلـَّمْت أطفالـنا لخـمس دورات سنـوية متـتالية في أثينا/اليونان 1992 ــ 1997 صلوات وتـراتيل والإعـتراف وخـدموا الـقـداس الإحـتـفالي بكـفاءة والـﭬـيـديوات تـشهـد …. راجـعـوا عـقـولكم .  

البعـض يتـفـنَّـن في إبتـكار طرق التـقـرّب من صاحب الشأن حـديث العهـد (( يـرَونه خاماً ليس مِن جـماعة وِلــْـد الـﮔـْـرَيّة ، فـيتـصوّرونه بَعـده ما متعَـرّف عـلى أخـَيّه )) يـوهـمونه فـيعـرضون أمامه دستـوراً مبتـوراً متـضمناً بنـوداً سخـيفة بحجج فـطيرة تحـدّ من تـكافـؤ فـرص المواطنة ، وينافـقـون عـلـنية بـولاء فارغ ساذج لمن تـقـمّص الأبّهة العـفـنة … أما صاحـب الشأن المشار إليه ، فإنه ينـطلق من براءته فـيحـسبهم مخـلصين لـدائـرته فـيأخـذ برأيهم وهـنا يكـمن الخـطر وعـليه الحـذر ، فإن عـبَـرت هـذه الـفـنـون الشيطانية في المرة الأولى دون ناطر رقـيـب ، فإن تكـرارها ستـواجَه بناظر حـسيب …. وما ظلمناهـم ولكـن …..

******************

في نهاية الثمانينات أو مطلع الـتـسعـينات وفي ذات الكـنيسة ( مار يعـقـوب ) كـنتُ أخـدم القـداس يوماً ، طلـبتُ من مراهـقة ذات الـ 16 أو 17 سـنة (( قائـدة الجـوقة )) إسمها هـنـد وأنا بعـمر أبـيها ، أن تخـتار نـشيـداً أثـناء الـقـداس منسجماً مع المقام ، وليس عـشوائياً نـشازاً في آذان المؤمنين الكـرام ، وخـيّـرتها بـين ثلاثة تـرانيم مألـوفة في كـتيـبات الجـوقة ويجـيـدون تـرتيلها … فـكان جـوابها لي : إحـنا ما نـسَـوّي بكـيـفـك !! فـسكـتُ محـتـرماً نـفـسي دون أن ألاسـنها فـتـتجاوز عـليّ ، لا بقـدرتها ولكـن بفـضل الـذي يجـيـز السلطة لها !!!!! قـلتُ مع نـفـسي أن كـنيستـنا في إنحـدار طالما هـذه الـبسبوسة تـتحـكـم في الـقـداس وما أدراك مَن يقـف وراء الـبسبوسة ! …..

الخلاصة :

عـلى المـدير العام في الـدائـرة !! أن يكـون حازماً من جهة ، ومن جهة أخـرى يُـنهي تمرّد الـفـئات وعـصيان الجـماعات حـين يمتـنعـون عـن تـنـفـيـذ التوجـيهات ( وطرُق الحـزم كـثيرة ومتـنـوعة ) وإلاّ فالمياه الـدوّارة في البحـر جارفة لا محالة …. والله الساتـر .

ولـيـتـذكــَّـر خلاصة ( الحـلـقة الأولى ) الماضية …. التي جاء فـيها :

عـلى القائـد الحـكـيم الرزن مهما كان قـوي الشخـصية ، أن يردع الوقحـين النمامين المنافـقـيـن في أول موقـف معـهم لأن ذلك سيكـون مقـياساً لشخـصيته عـنـدهم ، بل عـليه أن لا ينـتـظر وإنما يخـلـق موقـفاً وهـمياً ليعَـبِّـر فـيه عـن قـوة شخـصيته فـيهابـونه ، وإلاّ سيأخـذون بـوشه مـدى عـمره … وتجارب الحـياة ستـثـبت ذلك لكـل قائـد ، نعـم ستـثـبت ذلك لكـل قائـد …. والله المعـين .   

******************

نـقـطة أخـيرة قـبل الخـتام …. قـبل سـنـوات ، كاهـن في إحـدى الكـنائس الأسترالية سأل صديقاً لي وكلاهـما أحـياء يُـرزقـون : ماذا تعـرف عـن مايكـل سـيـﭘـي ؟ أفـحـمه صديقي بجـواب مخـتـصر جـداً وقال : لا يمكـن شِـراؤه ! …. نعـمة الرب مع الجـميع .  

بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *