من يحمل البوصلة و ينقذ الانسانية من الضياع ؟!!

عندما نتأمل  في مشاكل الانسان اليومية وصراعاته الذاتية (النفسية) او الخارجية مع الاخرين الذين يحيطون به، نرى اي انتصار في اي هذه الصراعات تجعل من صاحبها يشعر انه في القمة التي كان يحلم بالوصول اليها، ويعيش في نشوة بضع ساعات او عددة ايام، حتى يغوص في مشكلة اخرى  تظهر له، حينها يبدا في صراع جديد وينسى ما تحقق له تماما بالامس.  هكذا هي علاقة الناس بحياتهم اليومية ومشاكلهم الانية، لا يتسطيعون رفع رؤوسهم الى الاعلى كي يروا ما الذي يجري في العالم من الاخطار اليوم؟ ماذا  الذي سوف تعانيه الاجيال القادمة؟ وهل سيقومون بشيء اكثر من الاستمتاع  حينما يسمعون او يقرأون خبر ما؟

منذ الازل، يبحث الانسان عن ازالة الخوف وتحقيق السعادة اوالراحة لنفسه، كان يعمل من اجل هذين الهدفين ومن خلال اتجاهين مختلفين،  الاتجاه الاول اخضاع الطبيعة لعقله او لنفسه عن طريق اكتشاف اسرارها، والثاني عبادتها على امل يستطيع ترويضها و ارضائها كي يقلل من وطأت قساوتها عليه عن طريق البراكين والزلازل والعواصف والرياح والفيضانات وسقوط المجرات والنيازك وغيرها من الكوارث الطبيعية او البيئوية(1).

هذه كانت مسيرة الانسان طوال عصور ما قبل التاريخ  و عبر عصور التاريخية ولحد الان(2)، اما  اذا كان يظن البعض ان  الخوف اختفى بين اهالي المدن اوفي الحياة العصرية  بعد ان زرعت التطبيقات التكنولوجية  فيهم الشجاعة الكافية كي ينسوا  خطر الكوارث الطبيعية ، فإنهم في الحقيقة  يعودون مسرعين مملوئين من القلق والخوف  متسائلين لماذا وكيف حينما تحصل احدى كوارث؟ كما حصل في تسونامي الاخيرة التي ضربت اليابان مؤخرا.

بعد تحضر الانسان في المدن وبعد انتقاله من مرحلة الصيد الى التدجين والزراعة ثم الى  مرحلة التمدن وقيام الحضارات وبدء مرحلة الاديان والعلوم وظهور المدارس الفلسفية، كانت الدهشة عند الانسان تزداد يوما بعد يوم، فأزدادت الرغبة عند الانسان لاكتشاف الطبيعة وظواهرها. بالنسبة للاديان فإنها إنتقلت من مرحلة الى مرحلة اخرى فبعدما كانت تهتم بل مركزة على ظواهر الطبيعة ، تبنت  الاديان السماوية بعد ظهورها(3)، من ناحية الاجتماعية بدأ مفهوم الاخلاق والقيم والعادات المقدسة بفعل الاديان  القديمة  وكان له الدور الاول والاخير في تصقيل وترويض وتهذيب الانسان لاختياره السلوك الصحيح والميل لاخيتار طريق العقلاني في التمييز بين الخير  والشر (4).

لكن في القرنين الاخيرين حدثت زلازل كبيرة في المعرفة الانسانية، فمن ناحية الفكر الفلسفي خرجت فلسفات جديدة غير تقليدية كالوجودية والمثالية والوضعية والعدمية والمادية واسقطت العمل بالمقولات القديمة واحلت الشك في كل فكر وعند شخص مهتم.

من ناحية العلمية كان رواد الفيزياء التقليدية يظنون في نهاية القرن التاسع عشر يظنون انهم اكملوا قاموسا يحتوي على كل التفاسير لظواهر الطبيعية تماما عن طريق القوانين الفيزيائية والكيمائية بحسب المعادلات الرياضية في التفاضل والتكامل،  لكن من غير انذار سابق فجر اينشتاين  سنة 1905 قنبلة زال دخان يخيم فضاء المعرفة الانسانية في نظريته النسبية والتي ثم نظرية ماكس بلانك الجسيمية  فإنطلق صراع مرير بين اصحاب النظرية الموجية والنظرية الجسيمية حول طبيعة الكون الذي لم يتم حسمه حتى بعد محاولات اخر العالم  البريطاني المعيق ستيفن هوكينج اخر علماء في حقل الفيزياء .

من ناحية السياسة لم يحدث الكثير من التغير، فالصراعات استمرت بعدما كانت بين القبائل انتقلت بين الاقوام، ثم بين الدول على تغير نوعية الانظمة الادارية، بإستثناء ظهور مفاهيم قوانين حقوق الانسان في النصف الثاني من القرن الماضي، كذلك حصول حربين عالميتين كبيريتين راح ضحيتهما اكثر من 140 مليون  إنسان  بين جريح وقتيل ،بسبب تكاثر البشرية خلال القرن الواحد حوالي اربع الى خمس مرات ،ثم ظهور الامم المتحدة  في منتصف القرن الماضي الذي لم يستطيع حل نزاعات الامم والدول بسبب  موقف الادارات والكيانات السياسية والقومية والدينية  حول ملكية الارض في الماضي.

اما بالنسبة للاديان فقد تأثرت حسب محيطها، ففي الدول الاوربية ضعف الشعور الديني بسبب الاكتشافات العلمية وظهور الفلسفات المادية والاجتماعية والحركات الاصلاحية، اما في الشرق بقت حالها كما هي الا قبل ربع قرن بعد ظهور اثر الوسائل الاتصالات عندهم خاصة الكومبيتر والانترنيت والموبايل وغيرها.

اليوم بعد ان عبرنا العقد الاول من القرن الاول من الالفية الثالثة، يظهر لنا بوضوح هناك ازمة كبيرة تواجهها البشرية هي اكبر واخطر من اي وقت اخر في الماضي.  بعد ان هب على الدول العربية نسيم الربيع  فاقت من سباتها بعد قرون وقرون النوم العميق وهي  لا تزال في حالة الانسلاخ من الانظمة الماضية المبنية على الطاغية والاستبدادية والعبودية والمسندة عادة على التاريخ والدين والقومية العربية ولم تنتهي لحد الان من العملية.

المجتمعات الاوربية امام تحدي كبير لا مثيل له هو الصراع من اجل البقاء هرم مجتمعهم وعدم التكاثر بعد ازالة مفهوم العائلة (5) على الاقل كذلك  الضياع والهرم الذي اصابها بعد الحربين الكبيرتين ففقدوا الكثير .

النظريات السياسية للاحزاب كلها تفقد الثقة بمجرد وصولها للحكومة لانها لا توفي بوعودها ابدا، المؤسسات الدولية ترى فيها الكثير من الاختراق والترقيع والازدواجية في التعامل.

الاديان بلا شك توقف تقدمها و هي في حالة تراجع بل ينتظرها خطر قادم من جراء عدم تجدد نظرتها الى الحياة وطريقة تعامل مؤمنينها ومحاوله لابقائهم في الظلام الدامس وانفراد رجالها ( رجال الدين على اختلافاتهم).

فألأزمة الحالية هي ازمة عالمية وناقوس الخطر لازال  يدق منذ بداية القرن العشرين من جراء سرعة تقدم العلوم وتطبيقاتها العملية واثره على البيئة، فالشك دخل قلوب الناس و القوانين والحقائق والبديهيات اصبحث نسبيية القيمة، لم يعد الانسان يستطيع ان يهتم الا بيومه وقوته وسلامته وسعادته الانية لهذا كسرت حلقات التواصل بين الاجيال ولم يعد الابن يعرف اي شيء عن اصله او حتى  جده ، حتى لا يعرف ماذا كان اسمه .

امام هذه المعضلات  وهذه المشاكل اصبح قلب الانسان يخفق حينما يفكر عميقا عن سبب وجوده، وتفشل كل الحلول الاتية الفلسفات والاديان والسياسيين في اطمأنانه، لان الاختلاط شمل كل الاجناس الانواع بدون تنظيم او سيطرة ومشاكلها اتحدت معا   فتضخمت قوة تأثيرها.

في الختام نقول لم ولن يكن افضل من ترميم طريق القديم  لكن بطرق علمية ومنطقية ،اي الاعتماد على القيم الانسانية والاخلاقية لوحدها. لن ينقذ الانسانية من خطر الزوال الا بتعاون جميع الامم والشعوب على وضع مباديء واهداف واحدة مهمة تخص مستقبل الانسان على هذه الكوكب الاخضر، وذلك لن يتم الا عن الطريق الانفتاح بين الامم وزيادة التفاهم بين شعوبها وتحملهم المسؤولية معا لوضع حلول عملية وفورية . واستخدام الثقافة  الموحدة بإتفاق الجميع  لزيادة الوعي والشعور الانساني  عند الاطفال من صغرهم ، ووضع حواجز قانونية واخلاقية رادعة. الاستقرار لن يعود الى المجتمع الا بتقديس العائلة وتحديث للمسؤوليات وطريقة تعامل اعضائها مع بعضهم، فلم يعد مقبولا ان  يكون الرجل هو السيد المطلق في العائلة كما كانت المرأة هي سيدة العائلة قبل عشرة الاف سنة ،  لم يعد النظام الملوكية المطلقة مفيد ، لا النظام الجمهوري ولا النظام البيروقراطي او العمالي ، حتى الديمقراطية اصبحت مريضة، بل مريضة جدا !!! ولم تعد الانظمة الامبريالية والاستعمارية مقبولة لدى شعوب العالم الفقيرة. النظام الشمولي النابع من القناعة التامة بين جميع الامم هو الافضل للانسان العصري. لان العالم اصبح قرية وكل شيء فيه متأثر  يؤثر على الكل عن طريق النظام المالي او الاقتصادي المتبع .

لهذا يجب ان تخرج فلسفات جديدة،علوم جديدة تبني انظمة جديدة، تجبر البشرية على التفاهم والتعامل معا على اساس التساوي في الحقوق والواجبات (6) والنظر على كيفية جعل الحياة ان تستمر على هذا الكوكب ، حتى دياناتنا جميعها بحاجة الى اعادة النظر تعالميها مقارنة مع القيم الانسانية التي تخدم وجوده وحياته.

…………………..

1-   لاحظ مجموعة الصور الاولى التي ترمز الى دلائل الكبيرة التي  كانت تأشر على حياته.

2-   اي لازالت نسبة كبيرة قد تصل الى 80% من البشرية تسير على نفس المنوال.

3-   بقت بعض الاديان الوثينة القديمة  تجددت بثوب جديد.

4-   كان مقياس الخير والشر يعتمد على المحصلة المنطقية والايجابية من اي عمل يقوم به الانسان.

5-   وجود نظام العائلة امر مهم ماعدا فقدان العلاقة المهمة المعتمدة على  الدم كذلك فقدان فرصة التربية والتعليم الصحيح.

6-   كما  الحال هو الرياضة و نظام اتحادات الرياضية او اللجنة الاولمبية الدولية وان كان التزوير والتحايل دخل اليها الان هي الاخرى.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *