من يتصدى لموضوعة اتساق نظام البطاقة التموينية ؟ / بقلم : سلام كبة

   البطاقة التموينية،حالها حال الكهرباء والمياه الصالحة للشرب والتلفونات الارضية وشبكات تصريف المياه والاتصالات والخدمات الاساسية الاخرى!،باتت خدمة معيشية عامة،وتأمين تدفقها ومفرداتها وتحسين مكوناتها ومستوى شموليتها،انما هو مهمة وطنية!كما وجب محاسبة ومعاقبة من يستخدمها للابتزاز والضغط على الشعب وامتصاص قوته!الا ان حكومتنا الموقرة التي تعلن التزامها بنظام البطاقة التموينية،تبدو اقل جدية في المحافظة على اتساق هذا النظام والانتظام الذي طبع عمله طوال اعوام،ولم تتخذ اجراءات جدية لمعالجة تباطؤ توزيع المواد الغذائية،ولم تفلح في تقديم حصص شهرية كاملة،بل قلصت المفردات الى حد كبير بحيث لم يستلم الاهالي طيلة عام 2010 سوى الزيت والرز والطحين فقط،ولم توزع كوبونات النفط والغاز لا مع توزيع البطاقات التموينية لعامي 2010 و 2011 ولا بعد،رغم وجود قرار بذلك،ما ادى الى تفاقم مشكلة الفساد في هذا النظام وهيأ امكانية التحايل عليه،وكل ذلك يصب في غير صالح المواطنين الذين يتعرض الاضعف فيهم للأستغلال الاكبر.ويبدو ان حكومة تصريف الاعمال الحالية لا تعمل على ترشيق البطاقة التموينية او ترشيدها واختزال مفرداتها فحسب،بل تعد العدة لالغاء البطاقة التموينية،وهذا ما سربته الامانة العامة لمجلس الوزراء الى المصادر الاعلامية اواسط آب الحالي!

    والتوجه الحكومي هذا هو مسايرة لضغوطات البنك الدولي التي تطالب بالاصلاح الاقتصادي واعادة هيكلة الاقتصاد العراقي لضمان تحول سلس وسليم نحو اقتصاد السوق!ويجادل خبراء البنك الدولي بضرورة تقليص عدد المواد التي توزع عبر نظام البطاقة التموينية،بالتزامن مع زيادة الكمية الموزعة من مواد اخرى،على ان يجري حذف المواد رخيصة الثمن(اي التي لا تخفض بشكل حاد القدرة الشرائية للأسرة)والمواد غير الاساسية للتغذية الجيدة.وهكذا بدلا من تحسين مفردات البطاقة التموينية تتواصل المحاولات لشطبها!

   يغمض اصحاب اتخاذ القرار في بلادنا اعينهم على حقيقة ان الغاء البطاقة التموينية او اختزال مفرداتها في ظل انعدام السياسة الاجتمااقتصادية الرصينة للدولة العراقية،والافتقار الى البدائل المناسبة لها،وشيوع الفساد الاقتصادي،يؤدي حتما الى تصعيد حدة التباينات الطبقية وانتشار الفقر والجوع بصورة واسعة،والى المزيد من تعميق التفاوت والاستقطاب الاجتماعيين في البلاد،وتكريس هيمنة الرأسمالية الجديدة والبورجوازية الكومبرادورية والطفيلية على مقدرات البلاد ومصالح المجتمع.فالانتقال عن البطاقة التموينية يعني حتما ازدياد مستوى الطلب في الاسواق على مفرداتها،ما يؤدي الى رفع الاسعار،في وقت وصلت فيه اسعار الغذاء في السوق العالمي الى مستويات عالية بسبب ظروف الجفاف وارتفاع كلف الانتاج بسبب ارتفاع اسعار الوقود،وسيؤدي ذلك الى القاء اعباء جديدة وجدية على كاهل العائلة المثقل اصلا بالاعباء نتيجة عدم كفاية الدخول.

   ينعكس التراجع الكبير في نوعية الحياة للعائلة العراقية من خلال عدم استقرار وعدم ضمان تجهيز خدمات الكهرباء والمياه،والتراجع في خدمات الصرف الصحي،وتدني مستوى السكن وكامل الخدمات العامة،وصار جليا الارتفاع المستمر الدوري لاجور النقل واسعار المواد الغذائية والسلع الاخرى.تنفق اغلب العوائل العراقية نصف راتبها الشهري على الوقود،وتسكن الدور السكنية بالايجار،وتقتني بصعوبة قناني غاز الطبخ.كل ذلك يترك تأثيراته السلبية على اوضاع الملايين وعلى معنوياتها،مغذيا مشاعر الاحباط والقلق والسخط في اوساطها!

  وبدل تنظيم البطاقة التموينية واستثمار نظامها الجيد في سبيل تحسين مستوى المعيشة للمواطن عبر تنويع مفرداتها وتحسين نوعيتها،وعوضا عن المحافظة على البطاقة التموينية وتحسين مكوناتها ومستوى شموليتها،يجري انحسار كامل لمنافع الشعب العراقي بسبب تدخل جهات مختلفة غير حكومية وتحكمها بالبطاقة ومفرداتها،عدم توزيع النفط والغاز ضمن موادها في جميع المناطق رغم وجود قرار بذلك،زيادة  ثمنها الى اضعاف،الترويج لفكرة صرف مبالغ مالية مقابل البطاقة التموينية،رداءة نوعية المواد الداخلة فيها،التفاوت في تجهيز مفرداتها ولا تستلم كاملة،عدم انتظام توزيع مواد البطاقة،المخالفات(التكرار)وتسلم الحصص التموينية من اكثر من منطقة،وجود اعداد كبيرة من المتوفين مسجلين لدى وكلاء المواد الغذائية ويتقاضون الحصة التموينية كل شهر!والكشف عن مئات الهويات المزورة ضمن الاسماء المشمولة بمفردات البطاقة التموينية وكان اصحابها يستلمون المفردات بشكل مخالف للضوابط.اما موظفو وزارة التجارة والمراكز التموينية فهم في منأى من المحاسبة،ولا يستمر دوامهم الحكومي سوى 3 ساعات يوميا،اذ لا يباشرون العمل الا بعد الساعة 9.30 نهارا..وهذا التقاعس والتسيب ينعكس ايضا على وكلاء توزيع المواد الغذائية الذين يتعاملون مع الناس بمزاجية نادرة!الجميع يتقاذف الاتهامات،والجميع يشفط ويلهط،الحكومة العراقية ووزارة تجارتها،مجالس المحافظات والبلدية،وكلاء المواد الغذائية،تجار الجملة والمفرد،..وهنا تبرز التساؤلات التالية،هل ينعكس حجب البطاقة التموينية عن الموظفين ذوي الدخل العالي بزيادة كمية وتحسين نوعية مفردات البطاقة التموينية المخصصة للفئات ذات الدخل الواطيء او الذين يقعون تحت خط الفقر؟من يتصدى لموضوعة اتساق نظام البطاقة التموينية،العناصر الوطنية النزيهة والمعروفة بتاريخها النظيف السياسي والاقتصادي،ام ماكنة الفساد التي انجبت فلاح السوداني؟

   يشكل الفقر عنوانا كبيرا من عناوين الازمة في العراق،رغم سعة الحديث عن الاعمار والتنمية ونصرة الجائعين ورفع الحيف عن المعوزين وتشغيل العاطلين ودعم الفلاحين وبناء المعامل والمصانع وتعبيد الطرقات وتشييد البنايات وتخصيصات شبكة الحماية الاجتماعية.ان السياسة الاقتصادية للدولة العراقية اليوم ضيقة الأفق وقصيرة النظر وضد مصالح الغالبية العظمى من الشعب العراقي وعواقبها وخيمة،سواء ادركت ذلك ام لم تدركه.ولن تعالج الازمة السياسية والاقتصادية الراهنة بعصا سحرية والتعكز على قاعدة”لا تفكر لها مدبر”،بل بتغيير الواقع الحكومي الراهن.وارتباطا بمعدلات الفقر العالية في بلادنا،وتزايد اعداد العاطلين عن العمل،خاصة وسط خريجي الكليات،والتضخم،وارتفاع الأسعار،وايجارات السكن،ومحدودية الرواتب وعدم تطبيق سلم الرواتب،وحجب الكثير من المخصصات،وقلة رواتب المتقاعدين،ومحاولات تقليص والغاء البطاقة التموينية امتثالا لتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليين وما يحمله ذلك من مخاطر..كل ذلك وغيره،يدفع الكثير من الفئات الاجتماعية الى التحرك والنشاط وتنظيم التظاهرات والمسيرات السلمية والاعتصامات للتعبير عن مطالبها.

 

 

بغداد

30/8/2010

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *