من أين جاء الآثوريون الى العراق؟/عبدالمسيح بويا يلدا

 

إنقراض الأشورين:

بعد سقوط نينوى على يد نبوخذنصر عام 612 ق.م لم يستطع الآثوريون البقاء في البقاع التي تشكل اليوم العراق الحديث لأن نينوى أصبحت في عهد نبوخذنصر تحت حكم الكلدان. وبعد الأنشقاق النسطوري لم يستطيعوا البقاء في البقاع التي تشكل اليوم العراق لأن بقاع بابل ونينوى كانت تحت حكم الأمبراطورية الرومانية التي رفضت تعاليم نسطوروس. بعد ذلك إنقرض الوجود الفعلي للآثوريين في العراق وأصبحوا يعيشون مع الأكراد في جنوب شرق تركيا الحالية و في أطراف أورْميا في إيران كأقلية دينية منسية ومُنْقَطِعة عن العالم المسيحي بسبب إختلاف التعاليم النسطورية عن كل العقائد المسيحية الكبيرة مثل الكاثوليك والأرثودوكس والكنائس اللوثرية. ولا توجد وثيقة تاريخية من الفترة الممتدة بين الأنشقاق النسطوري والحرب العالمية الأولى (سبعة عشر قرناً) تستعمل مصطلح “آشور أو آشوريين” عند الكلام عن النساطرة.

في بداية حكم الاستعمار العثماني لم يكن إضطهاد الأقليات مقتَصِراً على المسيحيين وحدهم، بل كان ايضا استعماراً قومياً يُعادي ويضطهد القوميات الاخرى الغير التركية مسلمة كانت او مسيحية ومنها العرب والاكراد والكلدان. وهكذا في بداية النضال التحرُّري من الاستعمار العثماني، تحالف الأكراد المسلمون مع القوميات المسيحية ضد الحكم العثماني.

حرب القرم، الآثوريون في تركيا يتحالفون مع روسيا وبريطانيا ضد وطنهم:

بعد الغزوات الأسلامية عان المسيحيون من أشكالاً مختلفة من الإضطهاد إشتدّت في عدة تواريخ كلما وقع العالم الأسلامي تحت قيادة غير العرب من الفرس والترك والمغول. موجات أخرى من إضطهاد المسيحيين حصلت عندما تَدَخلت دول أوروبية (مسيحية؟) بأشكال مختلفة لتأمين مصالحَها في المنطقة.

حرب القرم حصلت (1854- 1856) عندما ارسلت روسيا القيصرية في سنة 1853 وحدات عسكرية “لحماية المسيحين” في الامبراطورية العثمانية، استطاعت روسيا خلال بضعة شهور أن تحقق انتصارات ملموسة على العثمانيين مما أثار مخاوف بريطانيا وفرنسا من تعاظم نفوذ روسيا في المنطقة التي كانت طريقاً بريا مهماً بين أوروبا (بريطانيا العظمى) والمستعمرات البريطانية في الهند وجنوب شرق أسيا. وفي أذار 1854 اعلنت بريطانيا وفرنسا (وبدعم النمسا) الحرب على روسيا رغبة في الدخول الى بقاع الامبراطورية العثمانية لحماية المسيحيين بديلاً عن روسيا. لكن إذا كان هدف بريطانيا هو حماية المسيحيين، لماذا لم تتحالف مع روسيا التي كان لها هي الأخرى نفس الهدف. من هنا بدأ أوّل تَحَرّك لبريطانيا على المسيحيين النساطرة (الآثوريين) في مدن الامبراطورية العثمانية. الانتماء الطائفي للكلدان الكاثوليك وللسريان الأرثودوكس كان محسوماً لغير صالح بريطانيا البروتستانتية، لذلك بريطانيا بدأت توَجُّهها السياسي نحو الكلدان النساطرة في المنطقة تحت غطاء التبشير من قبل الكنيسة البريطانية الأنكليكانية لأن النساطرة كانوا أقلية مسيحية صغيرة ومُنغَلِقة على ذاتها. لذالك وقع إختيار بريطانيا على الأثوريين لأنه إصطياد المذهب النسطوري”اليتيم” في المنطقة كان سهلاً.

حرب القرم والسلطان عبدالحميد الثاني:

بعد أن تحالف الآثوريون مع بريطانيا في حرب القرم بعشرين سنة، و في عام 1876 إعتلى عرش الدولة العثمانية السلطان عبدالحميد الثاني (1842-1918) اللذي حكم البلاد لمدة 33 سنة بقبضة حديدية وفق أسلوب خلفاء الراشدون في بداية الخلافة الإسلامية، السلطان عبد الحميد الثاني أراد جمع كل مسلمي العالم تحت قيادته وهو اللذي أدخل إسلوب التصفية الفردية للمعارضين وإسلوب الإبادة الجماعية للذين إعتبرهم “أعداءاً أو كُفَّاراً”.

لغاية أواخر القرن التاسع عشر وقبل عام 1842 كان يعيش في شرق الأناضول (أو الأصح في مدن أرمينيا الغربية) اعدادا كبيرة من المسيحين الكلدان (ومن ضمنهم الكلدان النساطرة) والأرمن والسريان في ولايات وان (حول هكاري)، أرزروم، دياربكر (ئوميد)، بيطليس، خاربِرد (هاربوط) وسِبَسْتيا (سيفاس). وفي إيران عاش الكلدان النساطرة حول بُحَيرة أورْميا. الأكراد الحميديون إشتركوا أيضاً في إرتكاب المجازر بحق المسيحيين.

في أكتوبر 1895 بدأت المجازر ضد المسيحيين في دياربكر وبعدها إنتشرت المذابح لِتَشْمل كل المدن حيث تم إبادة مئات الألاف من الأرمن وعشرات الألاف من الكلدان الكاثوليك والكلدان النساطرة، وتم إجبار ما يُقارب مائة ألف مسيحي لإعتناق الإسلام.

عبد الحميد الثاني أهمل جوانب الحياة الإقتصادية والإجتماعية حيث أوشكت خزينة الدولة في عهده على الإفلاس. ذلك مَهّدَ إلى ضهور أحزاب وتنظيمات سياسية في تركيا تُطالب بتغيير نظام حكم عبد الحميد الثاني. من بين تلك الحركات كانت جمعية «الاتحاد والترقي» التي دبرت في عام 1908 انقلابا على السلطان عبد الحميد تحت شعار (حرية، عدالة، مساواة) وهي عبارات سياسية مُسْتوحات من مبادئ الثورة الفرنسية. وتعهد الانقلابيون بتأمين المساوات وعدم التمييز بين السكان على أساس الدين والقومية. لكن بعد أن إستلمت جمعية الاتحاد والترقي الحكم، إنكشف إن أفكارها كانت قومية متطرفة وتُخطط لإضطهاد أبناء القوميات الغير التركية. إذ جاء في إحدى فقرات برنامج الجمعية السياسي ما يلي: «كل القوميات في تركيا يجب أن تنصَهر في القومية التركية، ذلك طبعاً لن يحدث طوعاً لذلك يجب إستعمال القوة».

عندما نشبت الحرب العالمية الأولى في الأول من أوغسطس 1914، تركيا تحالفت مع ألمانيا وإستغلت إنشغال الدُوَل الأوروبية في لتنفيذ خطتها لإبادة المسيحيين في تركيا. وهكذا بدأت المذابح ضد المسيحيين في مدن أرزروم، دياربكر (ئوميد)، بيطليس، خاربِرد (هاربوط) وسِبَسْتيا (سيفاس) وفان. إبادة المسيحيين حول مدينة دياربكر أشرف على تنفيذها والي المنطقة ـ رشيد بيك ـ في مدن ماردين، ميديات و جزيرة. أما في ولاية فان (قُرى مدينة هكاري) فأن إبادة المسيحيين نفَّذها والي ولاية وان ـ جودت بيك ـ

تركيا تستغل إنشغال العالم بالحرب العالمية الأولى لإبادة المسيحيين:

في الحرب العالمية الأولى تطوع الآثوريون في الجيش الروسي ضد وطنهم تركيا. بعد ذلك تعرض المسيحيون في شرق الأمبراطورية العثمانية (الآثوريون ومعهم الأرمن) الى الأضطهاد الديني على يد العثمانيين.

العثمانيون المتعصبون قوميا ودينياً ضمنوا سيطرتهم الفعلية على البقاع الواسعة للأمبراطورية العثمانية بشكل كامل فقط بضعة سنوات قبل الحرب الكونية الأولى، ولم يكن بإمكان العثمانيون أن يفرطوا في وحدة كيان أمبراطوريتهم تجاه أي فئة تطالب بحكم ذاتي على أساس قومي (أكراد تركيا) أو ديني (آثوريون وأرمن).

في الحرب، العثمانيون قرروا الأنضمام الى دول المحور (ألمانيا واليابان) ضد دول التحالف (بريطانيا، فرنسا وروسيا) وكانت غايتهم قطع الطريق بين المستعمرات البريطانية والفرنسية في المنطقة. عندما أيقن العثمانيون بأن الحرب قادمة، طلبوا الشباب لأداء الخدمة العسكرية وبدأت تركيا دورها الحربي عندما قصفت الموانيء الروسية على البحر الأسود في أكتوبر 1914.

في هكاري/ تركيا، تَمَرُّد مغرور و خسارة هكاري:

في أواخر عام 1914 وبداية 1915 أعلن قيادة تركيا الفَتات جهاداً مقدساً ضد أعداء الأسلام من المسيحيين في داخل الأمبراطورية العثمانية وضد “الدول المسيحية” روسيا وبريطانيا.

هنا اللعب على الوتر الديني من قبل العثمانيين فكّكَ تحالف الأكراد مع الآثوريين ضد الأمبراطورية العثمانية وأصبح الأكراد بسبب الدين الأسلامي في صف واحد مع العثمانييين ضد المسيحيين. وهكذا بدات المذابح ضد الآثوريين في جبال هكاري التي إرتكبها الأكراد والعثمانيين.

في أكتوبر من عام 1914تم قتل العشرات من الآثوريين من قرية گاوارى ومئات من قرية تل موزيت وكان ضمن هؤلاء الضحايا الكاهن كابرييل اللذي كان يُلَقّب بـ ذو اللحية الحمراء. في نيسان 1915 الجماعات الآثورية وتحت قيادات العشائر (باز، جيلو، تيارى، تخوما و دِز) حملوا السلاح بتحريك من روسيا للتصدي لهجمات الجيش التركي. ألجيش الآثوري بقيادة جنرال داوود أخو البطريرك قاد الآثوريين إلى خارج الطوق المفروض عليهم من قبل الجيش العثماني عبر حدود إيران الى المنطقة السهلية في أورمى (ئورمية). وفي نيسان 1915 قام الجيش التركي بهجوم على قرية گاوارى (تابعة إلى هكاري) وتم إبادة المدنيين فيها. بطريرك الآثوريين مار شمعون التاسع عشر بنيامين من جهته أعلن الحرب! على الأمبراطورية العثمانية لمصلحة الأمة الآثورية، هكذا تفاقمت الحرب بين المسلحين الآثوريين وأكراد تركيا يدعمهم الجيش العثماني.

بحلول صيف عام 1915تمكن الآثوريين من صد هجوم مشترك قام به الجيش التركي والمسلحين الأكراد، بعدها ألجيش العثماني إستعمل سلاح المدفعية الذي أعطى تفوقاً للجيش التركي. روسيا وعدت بتقديم إمدادات عسكرية للآثوريون التي جاءت متاخرة جداً حيث إستطاع الجيش العثماني من إبادة معظم المقاتلين من العشائر (باز، جيلو، تيارى، تخوما، تركوار، مركوار، بوتان، برواري، أمادية و سييرت). وفي أواخر سنة 1915 دخل الوالي العسكري لمحافظة ـ وان ـ جوْدَك بيك مع ثمانية ألاف عسكري مدينة سييرت (كان جودك بيك قد أطلق على وحدته العسكرية إسم لواء القصّابون، في اڵڵغة التركية قصّاب طابورو)، أبادت تلك القوة السكان المدنيين في حوالي ثلاثين قرية أثورية في أطراف مدينة سييرت. في العمليات العسكرية تلك قُثل ايضاً الكثير من الكلدان حيث أصبح المسيحي يُقْتَل بسبب إنتمائه الديني. وبهذا خسر الآثوريين هكاري وأصبحت هدية مجانية لتركيا.

 عبدالمسيح بويا يلدا

You may also like...