مقدمة انجيل البشير متى/ الجزء الثاني

التأليف الأدبي

انطلق متى من مراجع يشترك فيها مع مرقس او مع لوقا ولكن روايته على ما فيها من الائتلاف على العموم تختلف كل الاختلاف عن رواية مرقس سواء بعدد المواد الخاصة به وسعتها مثلاً راجع ( متى الفصول 1 ، 2 ، 5 ، 7 ، 11 : 1 – 30 ، 13 : 24 – 30 و 23 – 52 ، 11 : 10 – 35 ، 28 : 9 – 20 ) أم بالحرية التي تستعمل بها المواد التي يشترك فيها مع مرقس قارن على سبيل المثال وراجع ( متى 4 : 1 – 11 ، مرقس 1 : 12 ، 13 ، متى 8 : 23 – 27 ، مرقس 4 : 35 – 41 ، متى 9 : 9 – 13 ، مرقس 2 : 13 – 17 ، متى 14 : 13 – 21 ، مرقس 6 : 32 – 44 ، متى 16 : 13 – 20 ، مرقس 8 : 27 – 30 ، متى 21 : 18 ، 19 ، مرقس 11 : 12 – 14 ، متى 21 : 33 – 46 ، مرقس 12 : 1 – 12 ، متى 24 : 1 – 36 ، مرقس 13 : 1 – 37 ) أم آخر الأمر بمجموع من المواد لا يستبعد أنه أخذها عن مجموعة أقوال ليسوع استعملها لوقا مثلاً راجع ( متى 3 : 7 – 10 ، 7 : 11 ، 11 : 4 – 6 ، 12 : 43 – 45 ) من العسير جداً ان نوضح إلى أي قدر كانت قد وصلت تلك المراجع في صياغتها في مجموعة أوسع ولكنه يمكننا ان نطلع على طريقة متى في التاليف من مقارنتها بمرقس ولوقا

( 1 ) ان اللحمات الزمنية اذا استثنينا راجع ( متى 4 : 17 ، 16 : 21 ) لا قيمة لها على العموم وأما الاشارات المكانية فهي غامضة لا تمكن من تحديد مسيرة مفصلة ولكنها تتيح للقارئ ان يجد نفسه أمام مصير تاريخي لا أمام مجموعة من المشاهد ان متى يحب التصدير في الرواية او الحكمة ويقال له رد العجز على الصدر راجع ( متى 6 : 19 ، 21 ، 7 : 16 ، 20 ، 16 : 6 ، 12 ) وهو يستعمل الطي والنشر والتضاد مع قلب العبارة راجع ( متى 16 : 25 ) ولا يكره تكرار العبارات نفسها راجع ( متى 8 : 12 ، 22 : 13 ، 25 : 30 ) والتركيب عينه للدلالة على الحقيقة الواحدة راجع ( متى 8 : 2 ، 9 : 4 ، 18 ، 12 : 25 ) او الكلام عينه على لسان متكلمين مختلفين راجع ( متى 3 : 2 ، 4 : 17 ، 10 : 7 ) تمتاز رواياته عادة بالايجاز فما هو قصة عند مرقس يحل محلها عند متى عرض تعليمي ديني بسيط لا بل مقتضب قارن بين رواية شفاء حماة بطرس في ( متى 8 : 14 ، 15 ، مرقس 1 : 29 – 31 )

( 2 ) متى مولع بالمجموعات العددية مثل ذلك تفضليه للأرقام ( 2 ، 3 ، 7 ) وكلمات الوصل راجع ( مكتى 18 : 4 – 6 ) وبينما يقتصر مرقس ولوقا على وضع مراجعها جنباً إلى جنب نرى متى يجمع الأقوال والروايات راجع ( متى 8 : 5 – 13 ) يقرن ( لوقا 7 : 1 – 10 ، 13 : 28 ، 29 ) لأداء معنى أبلغ فهو يحب جمع التعاليم المتماثلة فيدرج الأبانا في مجموعة منسقة من قبل راجع ( متى 6 : 1 – 18 ) ويؤلف ليضفي عليها طابع الاستيعاب راجع ( متى 10 : 17 – 42 ، 13 : 35 – 53 ) وإلى مجموعة المعجزات التي تؤلفها راجع ( متى 8 : 1 – 18 ) يضيف متى سلسلتين من المعجزات راجع ( متى 8 : 23 ، 9 : 8 ، 18 – 34 ) وإلى الاعلانات الثلاثة عن مصير ابن الانسان يضاف تبسط يوسع مجال تعليم يسوع كما في راجع ( متى 18 /: 5 – 35 ، 19 : 1 ، 20 : 16 ) وفي باب الانشاء هذا هناك آخر الأمر على الخصوص تلك المجموعات الخمس التي يقال لها خطي يسوع لعدم وجود لفظ أفضل هي كتل من أقوال يسوع تكون لحمة الانجيل وينتهي كل منها بهذه الخاتمة ولما أتم يسوع هذا الكلام وهي تتناول تباعاً بر الملكوت راجع ( متى الفصول 5 – 7 ) والمنادين بالملكوت راجع ( متى الفصل 10 ) وأسرار الملكوت راجع ( متى الفصل 13 ) وبني الملكوت راجع ( الفصل 18 ) وما يلزم من سهر وامانة في انتظار ظهور الملكوت في النهاية راجع ( متى 24 ، 25 )

الجماعة التي قصدها متى

ان انجيل متى يكشف عن شواغل البيئة التي نشأ فيها بالموارد التي اختارها وبطريقته في ترتيبها وهذه ثلاثة من تلك الشواغل

( 1 ) متى هو الإنجيلي الأكثر تشديداً على الشريعة والكتاب المقدس والعادات اليهودية فهو يتبنى الأركان الثلاثة الكبرى التي تقوم عليها التقوى اليهودية والصدقة والصلاة والصوم ولم يشعر بحاجة إلى شرح هذه العادات خلافاً لما فعل مرقس راجع ( متى 7 : 3 ، 4 ) ثم إن يسوع عند متى يتوجه إلى شعبه قبل سواه راجع ( متى 10 : 6 ، 15 : 24 ) ولكن هذا التشديد على هذه الناحية يوازيه تشديد آخر على وجوب اكتمال الشريعة في شخص يسوع وعلى المساوئ التي ولدتها التقاليد الفريسية فكل شيء يخضع لتأويل جديد أساسي كما يظهر الأمر تضاد العظة على الجبل راجع ( متى الفصل 5 ) ويشدد متى على انتقال البشارة إلى الوثنيين فالذي يهمه هو أن ينتشر الانجيل في العالم كله وسيدين ابن الانسان جميع الناس راجع ( متى 25 : 31 – 46 ) كما ان جميع الشعوب مدعوة إلى تلقي تعليم يسوع راجع ( متى 28 : 19 )

( 2 ) التلاميذ عند متى ليسوا بطيئي الفهم خلافاً لما ما جاء في مرقس فهم يتمتعون بمنزلة فريدة في التدبير الالهي وهم أنبياء وحكماء وكتبة للشريعة الجديدة راجع ( متى 13 : 52 ) ولكن متى يخفف ملامحهم التاريخية فيجعل منهم أمثلة ثابتة فهم يمثلون بذلك سالفاً كل تلميذ يأتي بعدهم حتى عندما يبدون رجالاً قليلي الإيمان راجع ( متى 8 : 26 ، 14 : 31 ، 16 : 8 ، 17 : 20 )

( 3 ) وآخر الأمر ان صورة المسيح تتأثر بالجماعة المسيحية التي يقصدها متى لقد أشرنا كيف أن يسوع يتم الكتاب المقدس فيزكي التدبير الالهي ويضع الأسس للدفاع عن الجدين المسيحي ثنم أن متى يمتاز بإظهار يسوع معلمكاً بل المعلم المثالي راجع ( متى 4 : 23 ،  5 : 2 ، 19 ، 7 : 29 ، 9 : 35 ، 21 : 23 ، 22 : 16 ) ففي مرقس لهذه الكلمة المعنى المعروف في العالم القديم وفي لوقا نرى يسوع يعلم تلاميذه ان يصلوا راجع ( لوقا 11 : 1 ) وفي يوحنا يتناول تعليمه شخصه الخاص راجع ( يوحنا 8 : 20 ، 28 ) أما في متى فالمعلم يعلم قبل كل شيء براً جديداً أي أمانة جديدة للشريعة الالهية راجع ( متى 5 : 19 ، 20 ، 7 : 29 ، 15 : 9 ، 28 : 20 ) وهو مفسره المقلد سلطة الله الأخيرة ليبعد سامعيه من الاحكام البشرية التي يحافظ عليها الكتبة راجع ( متى 15 : 9 ) ويعلمهم كمالاً جديداً راجع ( متى 5 : 48 ، 19 : 21 ) فيسوع منذ مقدمة الانجيل هو المسيح ابن داود بل ابن الله أيضاً فلما كان ابن الله ومسيحاً فهو المعلم والمفسر الحاسم لمشيئة الله فلا عجب ان يدعوه التلاميذ رباً كما يدعوه المسيحي وان يهمل متى تلك الملامح التي ذكرها مرقس للدلالة على غضب يسوع او حنانه فالمسيح يبدو في وقار أشد منه عند مرقس قارن ( متى 13 : 35 ، مرقس 6 : 3 ، متى 15 : 33 ، مرقس 8 : 4 )

المؤلف وتاريخ المؤلف والمرسل إليهم

كان الأمر بسيطاً في نظر الآباء الأقدمين فان الرسول متى هو الذي كتب الانجيل الأول للمؤمنين الذين من أصل يهودي اوريجينس وهذا ما يعتقده أيضاً كثير من أهل عصرنا وان كان النقد الحديث أشد انتباهاً إلى تعقد المشكلة وهناك عوامل كثيرة تمكن من تحديد مكان الانجيل الأول فمن الواضح ان النص كما هو الآن يعكس تقاليد آرامية او عبرية منها المفردات الخاصة بفلسطين ربط وحل راجع ( متى 16 : 19 ) وحمل النير وملكوت السموات والعبارات التي لا يشرحها متى لقرائه والعادات المتنوعة راجع ( متى 5 : 23 ، 12 : 5 ، 23 : 5 ، 15 ، 23 ) ومن جهة أخرى فليس هو فيما يبدو مجرد ترجمة عن الأصل الآرامي بل هناك ما يدل على انه كتب باللغة اليونانية ومع أنه مجبول بالتقاليد اليهودية فلا سبيل إلى إثبات أصله الفلسطيني ومن المعتقد عادة أنه كتب في سورية او ربما في انطاكية واغناطيوس يستشهد به في أوائل القرن الثاني او في فينيقية وكان يعيش في هذه البلاد عدد كبير من اليهود ومن الممكن آخر الأمر أن نلتمس فيه جملة على يهودية الفريسيين المجمعية المستقيمة كما يبدو في مجلس جمنيا المجمعي نحو السنة 80 ولذلك فالكثير من المؤلفين يجعلون تاريخ الانجيل الأول بين سنة 80 و 90 وربما قبلها بقليل ولا يمكن الوصول إلى يقين تام في هذا الأمر أما المؤلف فالانجيل لا يذكر عنه شيئاً وأقدم تقليد كنسي بابياس أسقف هيرابوليس في النصف الأول من القرن الثاني ينسبه إلى الرسول متى اللاوي وكثير من الآباء اوريجينس وهيرونيمس وأبيفانيوس يرون ذلك الرأي وهناك بعض المؤلفين الذين يستخلصون من ذلك أنه يمكن أن تنسب إلى الرسول صيغة أولى آرامية او عبرية لانجيل متى اليوناني لكن البحث في الأنجيل لا يثبت هذه الآراء دون ان يبطلها مع ذلك على وجه حاسم فلما كنا لا نعرف اسم المؤلف معرفة دقيقة يحسن بنا ان نكتفي ببعض الملامح المرسومة في الانجيل نفسه فالمؤلف يعرف من عمله فهو طويل الباع في علم الكتاب المقدس والتقاليد اليهودية يعرف رؤساء شعبه الدينيين ويوقرهم بل يناديهم بقساوة وبارع في فن التعليم وتقريب يسوع إلى سامعيه يشدد على ما يبدو في تعليمه من نتائج عملية فجميع هذه الصفات توافق صفات يهودي أصبح مسيحياً ورب بيت يهخرج من كنزه كل جديد وقديم راجع ( متى 13 : 53 )

والمجد لله آمين

اعداد الشماس سمير كاكوز

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *