مسيحيو سوريا يعيشون الهاجس العراقي

 

الشرق الوسط/

حصلوا على دعم الأسد الأب ويخشون ما بعد الثورة رغم أن بعضهم شارك فيها

لم يحكم الرئيس السابق حافظ الأسد باسم الأقلية العلوية التي ينتمي إليها، بل باسم «حزب البعث» العلماني، وفريقه المقرب منه في السياسة والأمن لم يكن في غالبيته منتميا إلى هذه الطائفة التي تعد أقلية صغيرة في سوريا، إذ يبلغ عدد أبنائها، وفق أكثر الإحصاءات تفاؤلا، نحو 20 في المائة، مقابل 65 في المائة من السنّة، الذين يشكلون غالبية كبيرة من السكان. لكن منذ بدء الحراك الثوري قبل عامين وتطوره إلى نزاع عسكري بين كتائب المعارضة والجيش النظامي، ومشاعر القلق على الوجود أخذت تلازم مسيحيي سوريا. وبينما تتعزز هذه المخاوف نتيجة الأنباء عن تهجير قرى مسيحية واختطاف رجال دين، فإن خطاب المعارضة السورية الداعي إلى اعتبار الشعب السوري كتلة واحدة في مواجهة النظام لم يلقَ صدى عند الجمهور المسيحي.

ولم يجاهر الأسد الأب يوما بعلويته، بل بالعكس فقد كان يداوم على الصلاة في مساجد السنّة وتبعه ابنه بشار. لكن الأب، ومن بعده الابن، عمل على تعزيز دور هذه الطائفة، في الإدارة السورية وفي حزب البعث، بشكل استطاع من خلاله أن يضمن ولاء الجيش والاستخبارات التي حكم سوريا من خلالها بقبضة من حديد. وأدرك الأب (ثم تبعه الابن) أهمية تحالف الأقليات في سوريا، حيث بدأ بتعزيز روابطه مع المسيحيين الذين يشكلون نحو 7.5 من السوريين، ومع الدروز الذين يشكلون 2.75 في المائة، بالإضافة إلى الشيعة (3 في المائة) والإسماعيليين (1 في المائة).

ومع اندلاع الأزمة في عام 2011، كان النظام حريصا على إظهار «الوجه الإسلامي» للثورة ضده، قبل أن يتغلغل الإسلاميون في سوريا، متعمدا تخويف المسيحيين والعلويين وبقية الأقليات من هؤلاء، يساعده في ذلك «النموذج المصري» والإشكالات الطائفية هناك.

ويبدو أن الحس الأقلي يلعب دورا رئيسيا في الأزمة، وهذا الحس هو ما دفع ببطريرك الموارنة بشارة الراعي إلى الذهاب إلى سوريا التي قاطعتها البطريركية المارونية منذ استقلال لبنان، ودفعت بالطائفة الأرثوذكسية إلى انتخاب بطريرك سوري على رأسها مرة جديدة، بينما كان الدروز يخذلون الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، ويقاتلون إلى جانب النظام، على الرغم من كل النداءات التي وجهها الأخير لهم لـ«الالتحاق بالثورة».

ويعتبر الكاتب والباحث المسيحي – الآشوري، سليمان اليوسف، أن هواجس المسيحيين ومخاوفهم محقة، لا سيما في منطقة الجزيرة شرق البلاد، مشيرا إلى عمليات خطف تنفذ بحق المسيحيين والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم من قبل العشائر العربية، الأمر الذي دفع عددا كبيرا من العائلات إلى الهجرة خارج سوريا. ويقول اليوسف لـ«الشرق الأوسط» إن «المسيحيين يخافون من المستقبل إذ إن عمليات الخطف والسلب تحصل بوجود النظام، فكيف سيكون الحال بعد سقوطه؟!»، مشيرا إلى أن «الدرس العراقي ماثل بقوة في أذهاننا فالتهجير القسري وتفجير الكنائس ممارسات قد تحصل في أي لحظة بعد سقوط النظام تماما كما حدث في العراق». ويضيف: «هناك خوف أيضا من انتشار الجماعات المتطرفة التي تكفر المسيحيين في إيمانها وعقائدها، مثل جبهة النصرة».

ويلفت يوسف إلى أن «مسيحيي العراق دفعوا ثمن الأجندات الطائفية بين القوى المتصارعة هناك، هذا ما قد يحدث في سوريا، ففي منطقة الجزيرة مثلا هناك صراع عربي – كردي وحشد عسكري بين الطرفين من الواضح أن الطرف الذي سيدفع الثمن هم المسيحيون». وقد خلصت منظمة «أوبن دورز» المسيحية الأميركية إلى استنتاج مفاده أن سوريا أصبحت إحدى أكثر الدول خطورة بالنسبة للمسيحيين. ونشرت المنظمة «قائمة الاهتمام الخاص» وهي اللائحة السنوية للدول الأكثر اضطهادا للمسيحيين في العالم. واحتلت سوريا، المرتبة الـ11 في قائمة هذا العام بعدما كانت تشغل المرتبة 36 في السابق. ولكن على الرغم من إصرار النظام على محاولة إظهار نفسه على أنه «حامٍ للأقليات»، لم ينل المسيحيون الكثير من الامتيازات في المجال السياسي، إذ حصلوا على مناصب لا تعطي دورا واضحا وفعالا لها في عملية صياغة السياسة الداخلية والخارجية لسوريا.

عموما يشعر المسيحيون في سوريا بالخوف، وكذلك الدروز والشيعة، مما يجعلهم في وضعية «الدفاع عن الوجود» بعد أن تم إقناعهم (عن صواب أو خطأ) بأنهم سيُبادون إذا ما وصلت المعارضة إلى السلطة. وهذا الخوف يجعلهم على استعداد للدفاع عن النظام حتى الرمق الأخير. وبحسب ناشط أشوري، فإن «درس العراق وتهجير مسيحييه وتفجير كنائسهم ما زال ماثلا في الأذهان» الأمر الذي يدفع المسيحيين إلى التمسك بالنظام الحالي الذي يأمن لهم الاستقرار وعدم الفوضى. وعلى الرغم من انخراط بعض الأسماء المسيحية المعروفة في صفوف «الثورة السورية»، فإن دور المسيحيين فيها بقي ضعيفا، إذ التزم غالبيتهم الحياد، وأعلن آخرون تأييدهم للنظام الحاكم بشكل واضح. وقد سجّلت ممارسات عدة ضد المسيحيين، بحسب معارضين، كان آخرها المعلومات التي أشارت إلى اختطاف ثلاثة رجال دين مسيحيين هم الأب ميشال كيال، من طائفة «الأرمن الكاثوليك»، والأب ماهر محفوظ من طائفة «الروم الأرثوذكس» وكذلك الأب لويس سكاف من مدينة السقيلبية، وبحسب الناشطين فإن «الكهنة اختطفوا في شهر فبراير (شباط) من قبل مجموعة مجهولة لم تعلن إلى الآن عن هويتها أو غايتها من خطفهم». ويرجح بعض الناشطين أن «عملية الخطف حصلت في ريف مدينة حماه، الذي توجد فيه مدينتان مسيحيتان هما محردة والسقيليبة». وبحسب عضو مجلس ثوار حماه أبو غازي الحموي، فإن القوات النظامية تجمع آليات وقطعا عسكرية داخل هاتين المدينتين، للإيحاء أنها تدافع عن سكانها من المسيحيين. ويضيف الحموي في اتصال مع «الشرق الأوسط» أن «الجيش السوري الحر» يحرص خلال عملياته في ريف حماه على وضع المسيحيين خارج دائرة الصراع، وذلك عبر تفويت الفرصة على النظام الساعي إلى إحداث فتنة بين مكونات المنطقة. وأشارت تقارير صحافية إلى أن قرية «قسطل البرج» في ريف حماه، وهي مزرعة صغيرة قريبة من مدينة السقيلبية، ذات غالبية مسيحية، تعرضت لهجوم من قبل مسلحين في مايو (أيار) الماضي، بهدف تهجير أهلها، وتحويل بيوتهم إلى مقرات عسكرية. ويقول الحموي: «تهجير هذه القرية يشوبه الغموض، لكن المؤكد أن المجموعات العسكرية التي احتلتها ليست من فصائل الجيش الحر». وينفي الحموي أن «يكون المسيحيون في سوريا حلفاء النظام السوري»، مؤكدا «مشاركة أعداد كبيرة منهم في المظاهرات السلمية، إضافة إلى فتح بيوتهم لاستقبال النازحين من المناطق المنكوبة».

وتعتبر مدينة حمص من أكثر المدن السورية التي شهدت نزوحا مسيحيا، بسبب المواجهات العسكرية التي عاشتها قبل فترة، ويقيم نحو 200 ألف مسيحي في حمص، كما تضم 16 كنيسة. ووفقا لمصادر كنسية، فإن «مسيحيي حمص غادروا بيوتهم هربا من جحيم القصف اليومي، وتوجهوا إلى منطقة وادي النصارى التي تعتبر معقل رئيسيا للمسيحيين السوريين في ريف حمص». وتشير مصادر المعارضة إلى أن «القرى المسيحية في سوريا لا تتورط عادة في الصراع الدائر في البلاد، لكن قوات (الشبيحة) الموالية للنظام السوري تسعى إلى الزج بهذه القرى في المعارك الحاصلة بغرض الاستفادة السياسية، كما حصل في قرية الربلة المسيحية الواقعة عند منتصف الطريق بين القصير والأراضي اللبنانية، ويبلغ عدد سكانها 12 ألفا، غالبتيهم من الروم الكاثوليك، حيث قام الجيش السوري والشبيحة الموالية بالتصدي لحركة الثوار السوريين، ومحاولة قطع خطوط إمدادهم بزرع الألغام ونصب الكمائن، الأمر الذي دفع كتائب الجيش الحر إلى خطف 200 مزارع من أبناء البلدة مطالبين الأهالي بطرد عملاء النظام. فكان أن رد الأهالي بأنه لا طاقة لهم على التصدي للجيش النظامي والميليشيات. وبعد أخذ ورد أطلق الثوار المخطوفين الـ200 لترتسم خطوط تماس حقيقية بين تلك القرى والبلدات المتداخلة».

أما في العاصمة دمشق، فواقع المسيحيين ليس أفضل، إذ استهدفت أحياؤهم لا سيما القصاع وباب توما بتفجيرات قوية راح ضحيتها كثير من الأشخاص، كما قتل كاهن مدينة قطنا في ريف دمشق بعد اختطافه بأيام من قبل جهة مجهولة.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *