مخاوف من تكرار سيناريو تمثال بوذا بافغانستان.. داعش يهدد آثار بابل وتاريخ العراق

شفق نيوز

كانت حظوظ مدينة بابل في الزمن الغابر تنتعش وتخبو مع صعود الامبراطوريات وسقوطها، واليوم يواجه هذا الصرح الحضاري الذي يجسد تنوع العراق تهديدا وجوديا من تنظيم “داعش” الذي سيطر على مناطق واسعة من العراق حيث نهب كنوزا أثرية ودمر أضرحة انبياء ومراقد اولياء.

ويقول مدير آثار بابل حسين فليح لصحيفة كريستيان ساينس مونتر ان “بابل رمز القوة ومن يريدون الافتخار في العراق فإن بابل هي خير ما نملك”. انها رمز الوحدة من الشمال الى الجنوب”، ولكن هذه الوحدة مهددة الآن تحت وطأة التركة الثقيلة من السياسات الطائفية لحكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي من جهة وخطر داعش من الجهة الأخرى.

ويتطلع العراقيون الآن الى رئيس الوزراء حيدر العبادي ليثبت وطنيته بنبذ الطائفية وإبقاء العراقيين تحت عَلَم واحد.

عندما أُعيد فتح موقع بابل القديمة توافد نحو 24 الف زائر على آثارها في عام 2010. ولكن عدد الزوار بدأ ينخفض بتناسب طردي مع تردي الوضع الأمني. وفي عام 2011 هبط العدد الى 16737 زائرا ثم الى 6539 زائرا في عام 2012 و6392 زائرا في عام 2013 والى نحو 3000 زائر حتى الآن في عام 2014 غالبيتهم عائلات وطلاب في رحلات مدرسية زاروا بابل قبل اجتياح داعش الذي اسفر عن وقع نحو ثلث العراق تحت سيطرته.

ويقول ايضا فليح ان حلمه ان يرى اعدادا كبيرة من الأجانب يزورون بابل “لأن ذلك سيكون مؤشرا الى ان البلد تعافى أخيرا”.

واعترف فليح بأن آثاريين أو خبراء أجانب لم يزوروا الموقع الأثري منذ عام 2013 ولكنه أكد ان الكابوس الذي يؤرقه هو وصول داعش الى الموقع وتدميره كما دمرت طالبان تماثيل بوذا في افغانستان.

وكان انتحاري هاجم في آذار الماضي حاجز تفتيش قرب الموقع الأثري حيث قتل عشرات العراقيين على بعد 160 مترا فقط من قصر نبوخذنصر الصيفي.

واليوم يتمركز مقاتلو داعش داخل محافظة بابل على بعد أقل من 60 كلم عن آثار المدينة القديمة.

ويقول فليح ان “الوضع الذي اوجده داعش وضع مؤلم لجميع العاملين في مجال الآثار”.

ويضيف “أنا أسهر على العناية بهذه الخرائب كما أسهر على العناية بأطفالي” مؤكدا استعداده للدفاع عن خرائبه ضد داعش حتى لو بقي وحده في ساحة المعركة.

وكانت المكاسب التي حققها داعش على الأرض ألحقت بالمعالم التاريخية للتراث الثقافي العراقي خسائر فادحة اثارت قلق المجتمع الدولي. فان ضريح النبي يونس في الموصل الذي كانت له حرمته عند المسلمين والمسيحيين واليهود فجره مسلحو داعش في تموز الماضي.

وحذرت اليونسكو في ايلول من ان مسلحي داعش يدمرون قصورا آشورية وكنائس وأضرحة وشواهد حضارية أخرى.

من جهته يقول مدير المتحف العراقي في بغداد قيس حسين رشيد ان قطعا أثرية لا تُقدر بثمن عمر بعضها يزيد على 2000 سنة هُربت من العراق.

ويحذّر رشيد خلال اجتماع لمنظمة اليونسكو في باريس مؤخرا من بيع هذه القطع الأثرية في اوروبا وآسيا عن طريق وسطاء في بلدان مجاورة للعراق قائلا “ان هذه المبيعات تمول الارهاب”.

وتساءل ممثل فرنسا في اليونسكو فيليب لاليو في الاجتماع “هل يجوز ان نقلق بشأن التطهير الثقافي حين يُعد القتلى بعشرات الآلاف؟” ثم اجاب قائلا “نعم ، بكل تأكيد لأن تدمير التراث الذي يحمل معه هوية شعب وتاريخ بلد لا يمكن ان يُعد أضرارا جانبية أو ثانوية يمكن ان نتعايش معها بل يرقى الى تدمير ارواح بشرية”.

وتحدث وزير الخارجية الاميركي جون كيري بلغة مماثلة حين أعلن خلال فعالية فنية في نيويورك في ايلول الماضي “ان داعش لا يقطع رؤوس أفراد فحسب بل يمزق نسيج حضارات كاملة.. وهو يسرق الحياة ، نعم ، لكنه يسرق روح الملايين ايضا”.

ويبعد مسلحو داعش عن بابل القديمة مسافة تسمح للآثاريين العراقيين بالعمل في الموقع ولكنهم يدركون ان وصول داعش الى آثار يبلغ عمرها 4000 سنة يعني تدمير جزء عزيز من تاريخ بلدهم.

وكان الموقع الأثري تكبد اضرارا جسيمة في العصر الحديث عندما دمر صدام حسين الكثير من أسسه القديمة ببناء نسخ حديثة من اسوار المدينة ، وسرق اللصوص شارع الموكب بعد سقوط صدام فيما الحقت القوات الاميركية والبولندية مزيدا من الأضرار بالموقع حين اقامت قاعدة لها فيه.

وناشد الآثاري العراقي الشاب احمد ساهي العالم ان ينقذ “مهد الحضارة من هؤلاء المرتزقة لأن بابل ليست تراث العراق وحده بل تراث العالم أجمع. فهنا تكمن جذور الكتابة والقانون”.

وحذر الآثاري الأكبر سنا احمد ابراهيم قائلا “ان حاضرنا يرتبط بجذورنا… وان الجيل القادم إذا لم يجدوا شيئاً من ماضيهم سيقولون نحن لسنا عراقيين”.

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *