محاولات يائسة للإيقاع بين مؤسسة البطريركية والنخبة القومية الكلدانية

 

المقدمة

نستخدم مصطلح الناس التي يكون همها الأول العيش الرغيد بأجواء الحرية والأستقرار والأمان والسلام الأجتماعي ، وإذا حولنا مصطلح الناس الى مصطلح الشعب او مصطلح الجماهير ، سوف نخطو خطوة نحو تخوم السياسية والحقوق القومية والسياسية والمدنية ، وفي كل الأحوال فإن الطبقة المهتمة بالحقوق السياسية والقومية تتكون من اقلية ضئيلة قياساً بالأكثرية الساحقة المهتمة بالهموم الحياتية اليومية الروتينية من اسباب المعيشة والعلاقات الأجتماعية والدينية ، ويمكن وضع المثقفين مع الطبقة المهتمة بالشؤون السياسية والقومية ، فالمثقف المبدع يرى ما لا يراه غيره من نواقص وسلبيات الإداء وهو يسخّر قلمه لتشخيصها وتسليط الضوء عليها وعلى منظومة الحقوق والواجبات ، فيعمل على بث ونشر الوعي بين طبقات الشعب من اجل النهوض بالمطالبة بتلك الحقوق .

الثورات لا تتولد نتيجة وجود الظلم ، إنما الثورات تنشب حين الشعور بوجود ظلم ، كانت طبقة العبيد في العصور القديمة راضية بمصيرها ، ولم يكن ثمة مشاعر بوجود ظلم ، فكانوا مؤمنين بقدرهم وبمصيرهم ، فلم يكن عبر التاريخ ثورات كثيرة للعبيد ضد اسيادهم ، وربما الكثير من القراء قد اطلع على قصة السيد والعبد ، في الأدب العراقي القديم ، وكيف ان العبد يغير رأيه مع رأي السيد بين لحظة وأخرى ويكاد يكون العبد كظل ملازم للسيد حتى بطريقة تفكيره وتبدل مزاجه ، ولا يسمح المجال لإيراد القصة .

هنا على الكاتب الكلداني ان ينهض بمسؤولية في التوعية فيحث شعبه على المطالبة بحقوقه القومية والسياسية في الوطن العراقي وفي اقليم كوردستان .

بعد هذه المقدمة المملة ، أقول :

هنالك نخبة كلدانية مثقفة ، لا تطمح ان يكون للشعب الكلداني حياته الأجتماعية المستقرة فحسب ، بل تعمل ان يكون لهذا الشعب حقوقه القومية والوطنية والسياسية في وطنه العراقي وفي اقليم كوردستان ، وهذه الطليعة او النخبة المثقفة بدأت قليلة العدد في البداية لكن بمرور الوقت توسعت وهي تعمل من اجل النهوض بحقوق الشعب الكلداني .

ثمة حاجة ماسة ان يكون تفاهم وتفاعل بين الشعب وكنيسته الكاثوليكة الكلدانية اسوة بما هو وارد بين مؤسسة الكنيسة الآثورية وشعبها ، ولكن في حالة الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية وشعبها نلاحظ من يتسارع لزرع العصي في دولاب عربة العلاقات بين مؤسسة الكنيسة والنخبة القومية الكلدانية ، وهؤلاء يروّجون لاعلام مفاده :

ان الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية ينبغي ان تنأى بنفسها عن تخوم السياسة ، والغريب العجيب ان هؤلاء انفسهم يباركون تورط الكنيسة الآشورية بالسياسة والمسائل القومية بل ان الكنيسة الآشورية تظهر بصورة جلية انها مهتمة بالشأن القومي الآشوري اكثر من الأحزاب القومية الآشورية نفسها ، وهؤلاء الكتاب لا يحركون ساكناً إزاء هذا التدخل بل يكيلون المديح له ، حقاً إن هؤلاء يجيدون فن الكيل بمكيالين .

وبرأيي المتواضع اقول لمؤسسة البطريركية الكاثوليكة الكلدانية الموقرة :

إن وقوفها مع الطموحات القومية لشعبها الكلداني لا يعني مطلقاً التورط في دروب السياسة الشائكة ، إنه موقف إنساني ووطني ان تقف مع شعبك .

لقد استغل هؤلاء المتربصين لكل توجه قومي كلداني ، استغلوا الخطاب المحدود لغبطة البطريرك بأن للكنيسة توجهاتها الدينية ، وفاتهم ان الكنيسة يجب ان تبقى مع هموم شعبها إن كانت اقتصادية او اجتماعية او ثقافية او سياسية ، والكنيسة وشعبها جسم واحد وكيان واحد ، وإن غرقت السفينة سوف يغرق الربان والطاقم والشعب ، وهكذا دأب هؤلاء الكتاب المعادين لطمواحت الشعب الكلداني دأبوا على العزف على وتيرة فصل الكنيسة عن السياسة ، ونحن مع هذا الفصل ، لكن المسألة هنا تأخذ ابعاد اخرى حينما يحاول هؤلاء الحريصين على فصل الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية ، بينما يلفهم صمت القبور حينتما يتعلق الأمر التدخل الكنيسة الآشورية بالسياسية من اوسع ابوابها فنلاحظ هؤلاء (الحريصين جداً ، والذين يذرفون دموع التماسيح على مصلحة الكنيسة ) نراهم لا يحركون ساكناً إزاء التدخل الكنيسة الآشورية الصارخ بالسياسة ، فأين انتم ايها السادة ؟ لماذا حرصكم هو للكنيسة الكاثوليكية الكلدانية فحسب ؟

أجيبونا رجاءً إن كان لكم جواب حقاً .

لقد اصدر البطريرك الكاثاوليكي الكلداني غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى نداءه بدعوته الكريمة لوضع حدود للهجرة في ندائه للعودة الى الوطن ، وكانت هنالك مناقشات موضوعية وواقعية باسلوب حضاري ، ولكن كان من يحاول التصيد بالمياه العكرة ، آملين في دق اسفين التفرقة بين الكنيسة وشعبها الكلداني .

لقد كانت مناقشات هادئة رصينة لموضوع محدود وفات هؤلاء المتصيدين ، بأننا نناقش على محورين الأول ن الجانب الكنسي اللاهوتي المقدس وهذا لا شأن لنا به ، لكن نحن نناقش الجانب العلماني لمؤسسة الكنيسة وليس لنا اي تدخل بالجانب الديني اللاهوتي فهذه ليست مهمتنا ، ومن هذا المنطلق فأمامنا فضاء ديمقراطي وأقصد الديقراطية الشخصية المتجسدة برحابة صدر غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى وأستعداده لسماع الرأي الآخر وفتح المجال له ، الذي ربما يكون مخالفاً لرؤيته، فهذه هي الكتابة وهذه الديمقراطية ، وفات هؤلاء المتربصين ان البطريرك يحمل مع فكره السامي اللاهوتي الديني ، يحمل فكر ديمقراطي متفتح لسماع الرأي الآخر .

وفي توضيح لندائه الخاص بالحد من الهجرة وعودة المهاجرين يقول :

اود ان اعرّب عن شكري لكل من ردّ او عقّب أو علّق على ندائي، ولا ضيرّ ان تجاوز أحدٌ في ما كتب.. اني اب و اخ ولا يمكن ان احقد على احد … إنني لست حالماً ولا واهماً ولا سياسيًّا ولا قوميًّا متطرفًا ولا مسيحيًّا منغلقاً ولا أمسك بعصا سحرية .. ويضيف :

لم يكن في نيتي بأي شكلٍ من الاشكال احراج احد او اهانة احد او تجريح احد، لكنني من منطلق مسؤوليتي وحرصي شددتُ على التعلق بالوطن والارض والاهل والجيران وعلى لعب دورنا كمسيحيين ” ساعين للسلام”.. هذه تقاليدنا وقيمنا، يقينا ان الارض ليست ملكوتا – فردوسا ولا منفى ولا صحراء ولا ذاكرة محنطة لشكل الوطن والناس!

وفي الختام يقول غبطته :

الفسحة امامنا واسعة، وبمقدورنا الان وليس غداً عمل شيء كبير ان تكاتفنا و تعاونا بمحبة وسخاء. عندها يقوم البناء رويدا رويدا باختلاط عملنا ومهاراتا واسمائنا وباختلاف وجوهنا، وستتدفق الحياة وما أجملها!

ليتحول كل واحد من الكلام الى الفعل!

والتوضيح منشور حسب الرابط ادناه :

http://www.saint-adday.com/index.php/permalink/5143.html

في الختام ككاتب متابع لأمور شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين الذين نشترك بوشائج تاريخية وثقافية ولغوية ، يطفو على السطح سؤال مفاده :

إن كان هذا النداء موجه لكل مسيحيي العراق ، فمن المنطقي ان يكون موجه بالدرجة الأولى لقداسة البطريرك مار دنخا الرابع بطريرك الكنيسة الآشورية ، ليكون قدوة لشعبه الآشوري في العودة الى العراق ، وعسى ان نقرأ عن جواب لهذه الكنيسة لنداء غبطة البطريرك مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى . كما قرأنا جواب الكنيسة الآشورية على دعوته الكريمة للوحدة بين كنائسنا .

الملاحظة الأخرى التي اراها ضرورية ان يكون للمطارنة الكلدان الأجلاء ، ان يكون لهم رأي واحد صريح وشجاع وأن يقفوا مع شعبهم الكلداني وطموحاته القومية الكلدانية بكل شجاعة وإخلاص ، لنكون جميعاً يداً واحدة وقلب واحد لترسو سفينة شعبنا الكلداني الى بر الأمان .

دمتم جميعاً بخير

د. حبيب تومي في 25 ـ 10 ـ 2013

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *