مبررات غير مقنعة لإسكات الصوت الكلداني

في العرف العشائري يقول : انصر اخاك ظالماً او مظلوماً ، وربما كان هذا القانون ضرورة حتمية في مرحلة من مراحل الحياة البشرية ، ولاشك ان لتلك الضرورة احكام ، والقانون والعرف العشائري ، لا زالا سائدان في مجتمعات كثيرة لا سيما في دول العالم الثالث ، ولكن بعد الثورة الفرنسية وتمركز المجتمعات المدينية بعد اعقاب الثورة الصناعية ، كان نشوء النعرة او النزعة القومية ، فتأسست الدولة الأمة التي تخطت واجتازت مرحلة العلاقات والوشائج الأسرية والقبلية والمناطقية الى فضاء الهوية الوطنية ، فالدولة هي الأطار السياسي الذي يجمع تكوينات القبائل والمدن والمناطق والمذاهب والأديان والقوميات والأحزاب .
بعد تفكك الأمبراطورية العثمانية وخروج بريطانيا من الحرب كدولة منتصرة تناغمت مصالحها مع تأسيس دولة عراقية مبنية على اسس ديمقراطية ليبرالية ، ومتخطية بذلك التركيبة القبلية السائدة ، ووضعت حداً لتقسيم العراق الى ثلاث ولايات ، وعكفت الدولة الحديثة على تخطى العلاقات العشائرية التي تقول انصر اخاك ظالماً او مظلوماً الى دولنة الفكر المجتمعي ، لتكون هوية الوطن العراقي فوق كل الأنتماءات الأسرية والعشائرية والمناطقية .
لقد قطع العراق شوطاً مهماً في هذا المضمار ، وتأسست الدولة العراقية وكتب القانون الأساسي للدولة وتشكل مجلسان لتمثيل الشعب ، البرلمان ومجلس الأعيان ، وكانت المنافسة بشكل ملفت تشير الى المنافسة السياسية بين القوى السياسية المنافسة .
بعد سقوط النظام الملكي هيمن على الساحة العراقية الفكر القومي العروبي ، وسوف لا نتطرق الى ما خلفه هذا الفكر من كوراث الحروب الداخلية والخارجية على العراق ، ولكني سوف اقف في مرحلة ما بعد السقوط في نيسان 2003 حيث استبشرنا خيراً نحن العراقيون وبضمنهم شعبنا الكلداني ، فذهبنا الى ان العراق اصبح له تجربة كبيرة ، وإن عجلة التقدم في العراق ستسير قدماً نحو الأمام وإننا بانتظار إقامة يابان جديدة في الشرق الأوسط ، كما ان الديمقراطية ستضاهي ديمقراطية النرويج او السويسرا او السويد في التعامل الأنساني مع مختلف المكونات في الوطن العراقي .
لكي نكون منصفين فإن جانب كبير من الحرية توفر لنا بعد السقوط فعكفنا على التعبير عن آرائنا وانتماءاتنا الدينية والمذهبية والقومية والسياسية دون خشية من العواقب ، لكن عجلة التقدم تعثرت إذ رميت العصي في عجلاتها بسبب العلميات الأرهابية والفساد المستشري .
شعبنا الكلداني كبقية مكونات الشعب العراقي لم يكن اقل تحمساً للعمل والمساهمة في بناء العراق الجديد آملاً ان يحصل على حقوقه المسلوبة في العقود الماضية كبقية المكونات الصغيرة التي الصقت بها لفظة الأقليات .
الغريب العجيب ان هذا الشعب ، الشعب الكلداني ، لم تقم له قائمة فالعمليات الأجرامية بتفجير كنائسه ، وعلميات الأغتيال والأختطاف والأبتزاز والتهجير .. وغبطة البطريرك عمانوئيل دلي الثالث يقول إننا جزء من النسيج المجتمعي العراقي ، ونحن نتحمل حصتنا من هذا الأرهاب ، حسناً كل هذا نعتبره طبيعياً ما دمنا في المركب العراقي الذي يمخر عباب هذا البحر الهائج .
ولكن .. ولكن
ماذا نقول الحقوق السياسية والقومية لشعبنا الكلداني ؟
الأنصاف والغيرة والشرف والضمير تستدعي الوقوف الى جانب الشعب المظلوم ، وقفنا الى جانب الشعب الكوردي والى جانب الشعب الفلسطيني ، والى جانب الأقليات المظلومة في العراق في العهود السابقة ، واليوم ، الغيرة والضمير والشرف والمروءة تقتضي ان نقف الى جانب الشعب الكلداني المظلوم ، والكتّاب الكلدان ينبغي ان يقفوا مع شعبهم الكلداني لكي يأخذ حقوقه كاملة في دولة العراق الفيدرالية وفي حكومة اقليم كوردستان . سيّما وإن اليوم تتوفر فسحة من الحرية للتعبير وهي مضمونة للجميع ، ولكل المكونات دون استثناء .
للاسف يبدو ان المطالبة بهذه الحقوق اصبح معصية وخطيئة مميتة ينبغي التخلص منها ، فلا يحق لنا حتى الكتابة عن مطالب شعبنا ، وهكذا من يمسكون بأيديهم زمام القنوات الأعلامية ، المواقع او الفضائيات اصبح ينظر الى الكلداني الذي يكتب عن حقوق الشعب الكلداني وكأنه نكرة لا يستحق فسح المجال له ، فهو يحمل افكاراً هدامة لا يجوز لهذه الأفكار ان ترى النور .
الفكر الأقصائي يملك اليوم قنوات فضائية عشتار وآشور ، والقناتان احترفتا الكذب حين الأدعاء بالحياد بين ابناء شعبنا من الكلدان والسريان والآشوريين ، إن القناتين تعملان على دفن القومية الكلدانية والتراث الكلداني والتاريخ الكلداني واللغة الكلدانية ، إن القناتين ، الآشورية ناطقة بلسان الزوعا ، وعشتار ناطقة بلسان المجلس الشعبي ، فلا عدالة ولا تمثيل نزيه للشعب ولا هم يحزنون . لقد ثبت تحيز عشتار وعدم حياديتها ، حينما قابلت السيد فهمي يوسف قبل ايام ، كلقاء مع المجلس الشعبي ، ولكن الفضائية لم تكلف نفسها بنقل الخبر رغم تصويره ، إن هذا يشير الى عدم مصداقية هذه القناة ، وهذا كمثل غير حصري ، فالأمثلة كثيرة .
نحن الكتاب الكلدان في الأتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان لا نملك وسيلة للتعبير عن افكارنا ، فالمواقع التي تعود للحزبين ( الزوعا والمجلس الشعبي ) مقفولة بوجهنا وبوجه كل فكر كلداني حر ، ولا يقبلون بأي مقال لكاتب يفتخر بقوميته الكلدانية وبتاريخه الكلداني المجيد ، إنهما يمثلان افكار حزبية ضيقة متعصبة لا يقبلون بأي فكر يخالفهم .
بقيت امامنا مواقع شعبنا الكلداني التي تتسم بالواقعية وبالحيادية ولا تفرق بين الآشوري والكلداني والسرياني والأرمني من مكونات شعبنا ، ويأتي في مقدمة هذه المواقع ، موقع عنكاوا كوم ، الذي قلت في مقال سابق ان الموقع ليس بحاجة الى كلمات مديح او إطراء ، فهو موقع يعكس هموم شعبنا بامتياز .
في الحقيقة لا اريد اقحام اسم عنكاوا في مقالاتي النقدية ، لكن وجدت نفسي مجبراً على إدراج بعض الأمثلة التي رأيت فيها شئ من الغبن وعلى سبيل المثال المقال الذي اتسم بعنصرية فاضحة للكاتب السوري سليمان يوسف في مقاله :
ثمة فرصة تاريخية لقيام “دولة آشورية مسيحية” في العراق
وكان ردي عليه بمقال تحت عنوان :
الى الكاتب الآشوري سليمان يوسف .. على من تقرأ مزاميرك يا أخي ؟
ونشر مقال الكاتب في الصفحة الرئيسية لموقع عنكاوا ، فيما لم يفسح مجال لمقالي الذي كان بمثابة الرد عليه . لأن مقالي إدرج أنه حول التسمية ومقاله ليس حول التسمية ، ولا اريد إعادة ما ذكرته في رسالتي التي ناقشت فيها موقع عنكاوا بعنوان :
الأخوة الأفاضل في موقع عنكاوا / تحية وتقدير ، والذي اصبح سجين الصفحة الداخلية بنفس المبررات السابقة ، بأنه مدرج فيه عن التسمية .
لا اخفي وجود امتعاض من قبل الكتاب في الأتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان في الآونة الأخيرة من موقع عنكاوا ، فنحن نكتب عن حقوق شعبنا الكلداني ، لكن غالباً ما تدرج تلك المقالات على انها حول التسمية ، نحن لا نجادل احداً وكل انسان حر في انتمائه ، ويجب ان يحترم رأينا في انتمائنا واسمنا الكلداني ، ويجب ان تمنح لنا مساحة مساوية كالتي تمنح لجورج هسدو وابرم شبيرا وغيرهم من الكتاب الآشوريين وغير الآشوريين ، وكل كاتب يكتب بما يمليه عليه واجبه القومي والوطني .
لقد كتب الزميل الشماس كوركيس مردو مقالاً في المنبر السياسي تحت عنوان :
متى ستُنصف الكلدان حكومةُ كردستان؟
والمقال طبيعي ومألوف ، ومع ذلك حجب المقال من الصفحة الرئيسية دون سبب وجيه .
نحن نعتقد بأن ضغوط نفسية تسلط على شعبنا وكتابنا ونحن لا نستطيع ان نبقى بدون دفاع عن النفس ، لا نستطيع ان نسكت عن الملايين التي تصرف من اجل دفن القومية الكلدانية .
لانستطيع ان نسكت عن الأسلوب الذي يمارسه الحزب المنفذ الذي لا يقبل بتوظيف أي شخص من شعبنا الكلداني ما لم يرفع راية التأييد بل الأنصياع لذلك الحزب .
لا نقبل ان نسكت عن حزب يصرف الملايين من اجل تفريغ المنظمات والأحزاب الكلدانية من محتواها القومي وجعلها آلة طيعة بيد ذلك الحزب ، ومن ثم يغدق عليها الأموال بعد ركوعها . وهل هذا اسلوب شريف لكي نسكت عنه ؟
نحن لا نجادل احداً حول التسمية نحن نبحث عن حقوق شعبنا المسلوبة ، نحن ندافع عن وجودنا ، فأين الخطأ في ذلك ؟
نحن الكتاب الكلدان في الأتحاد العاللمي للكتاب الكلدان نفتخر بقوميتنا الكلدانية ، وندافع عن حقوق شعبنا الكلداني ، ولنا كلمة حرة لا نقبل بالخضوع والخنوع ، ومهما استعملت سياسة الجزرة والعصا ، لكن فقط اقول :
إن مثل هذه الأساليب المنافية لأخلاقية العمل ولشرف التعامل ينبغي ان لا تسود بيننا . خاصة وهؤلاء يدعون بأننا شعب واحد ويتكلمون باسمنا في المحافل . ان هؤلاء يريدون منا كلمة نعم فحسب ، ولا يريدون ان يسمعوا منا غير كلمة ( Yes) .
نحن الشعب المسيحي يتكون من الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن ، وإن اي كلام حول شعبنا سوف نورد هذه الكلمات في مقالاتنا ، نحن نكتب عن هموم شعبنا ، نقول حقوق شعبنا الكلداني مهمشة في الأقليم ولدى الحكومة المركزية ما علاقة كل ذلك بالتسمية ، إذن كيف نعبر عن افكارنا ، كيف ندافع عن حقوقنا ؟
فقط من باب المفارقات الطريفة أقتبس ما كتبه الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية من تاريخ العراق ، يقول :
أن مراسلاً فرنسياً وجد مقالاته كثيراً ما تمزق من قبل الرقابة ، فذهب الى رفعت بك مدير الرقابه يسأله عن الحدود التي يستطيع ان يكتب دون ان تمزق مقالاته ، فأجابه الرقيب قائلاً :
تستطيع ان تكتب عن اي شئ .
ووسط دهشة واستغراب المراسل الفرنسي أضاف الرقيب قائلاً :
تستطيع ان تكتب عن اي شئ ماعدا الحكام والحكومات الأجنبية والفوضوية والأشتراكية والثورة والأضطرابات والفوضى والحرية وحقوق الشعب والسياسة الخارجية والسياسة الداخلية والدين والكنائس والمساجد والأنبياء والإلحاد والتفكير الحر والسلطات والأنوثة والحريم والوطن والأمة والقومية والعالمية والجمهورية والنواب والدستور والمؤامرات والقنابل ومدحت باشا وكمال بك والسلطان مراد ومكدونية وأرمينية والأصلاحات والجراد وشهر اغسطس وبعض المواضيع الأخرى المتصلة الى حد ما بهذه المواضيع .
وهنا انتفض المراسل الفرنسي متسائلاً : سبحان الله فماذا بقي ؟
فأجابه رفعت بك مدير الرقابة قائلاً :
ماذا بقي ؟ كل شئ : المطر الطقس الحسن على ان لا تذكر المطر في شهر أغسطس ، او ضوء القمر . وتستطيع ان تتكلم عن الكلاب في الشوارع على ان لا تطلب إبادتها وتستطيع ان تكتب عن السلطات ما دمت لا تشير الى الفساد . بالأختصار لك الحرية التامة الكاملة في التكلم بما يروق لك .
اتمنى ان تسود المحبة والوئام بين اطياف شعبنا بمنأى عن الفكر الأقصائي لأي طيف من اطياف شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين .


حبيب تومي / القوش في 30 / 07 / 11

You may also like...