ما بين ثورة الغضب في مصر والثورة الفرنسية

بقلم يوحنا بيداويد
ملبورن استراليا
1 شباط 2011

يظن الكثير من الاخوة العرب، ان هبوب رياح التغير على الانظمة العربية هي النهاية او القمة  التي كانوا يحلمون بالوصول اليها، وان هذا التغير حاصل ويحمل بين جناحيه فعلاً امالاً كبيرة واحلاماً وردية في العيش المشترك بين طبقات المجتمع العربي المختلفة من الان وصاعدا في ظل انظمة ديمقراطية خالية من العقد الاجتماعية(1)  و انحلال الاخلاقي و التعصب االديني الطائفي او القبلي.

 مساكين لا يدركون ان الحمل اثقل من طاقتهم وان الثائر الحقيقي لن يصل مبتغاه بل لن يخرج من عنق الزجاجة وسيظل مخنوقا باوتاد لا يستطيع التغلب عليها لان الوقت لم يحن بعد لهذا التغير الكبير او القفزة النوعية ان تحصل في التاريخ  (حسب ديالكتيكية هيجل) ان يكون الحاكم هو شعب نفسه في الدول العربية ولكن امين للمسؤولية تماما!  حقيقة هذا ليس ما نتمناه ان يحصل ولكن  هذه حقيقة يجب ان تُقال.

اما عن سبب ثورة الياسمين في تونس وثورة الغضب في مصر، ومظاهرات واحتجاجات التي بدأت تتصاعد في السودان والجزائر واليمن( الوطن العربي كله مهدد بالتغير) هو الكبت الطويل الذي عانته شعوبها، الكبت الذي اخيرا تغلب على الخوف وفجر طاقاته وتعالت الهتافات مطالبة بحقها ان تشم نسيم الحرية والتخلص من الانظمة الفاسدة العاجزة من مواكبة الحضارة الانسانية. لكن هيهات ان يحصل ذلك التغيِّر المطلوب حتى ولو على نمط الدول الاشتراكية قبل عشرين سنة (2). هيهات ان تحل انظمة ديمقراطية جديدة خالية ولو 50 % من الفساد في الوطن حالياً!!!.

الانسان العربي منذ زمن طويل لا بل منذ سقوط بغداد 1258 يمكن القول كان قد وقع تحت حكم الغريب، بعد الثورة العربية الاولى اثناء الحرب العالمية واصطفافهم مع الانكليز والفرنسيين ضد الدولة العثمانية (دولة الرجل المريض). وعلى الرغم من انهم حصدوا فوائد كبيرة منها عن طريق ادخال الكهرباء والسكك الحديد و وتبليط الطرق وبناء المدن الحديثة مع مستلزمات البنية التحتية التي كانت مفقودة في الوطن العربي وحصول تطور كبير في النظام التعليم الا انهم أُصيوا بالخيبة ولم تحقق لهم هذه الثورة الكثير بسبب وقوعهم تحت انتداب الغربي، كذلك بعد عجزهم في الوصول الى قرار موحد في قضية فلسطين، فخسر العرب ثلاث حروب كبيرة مع اسرائيل ودُمِر اقتصاد بعضها مثل مصر واردن وسوريا ولبنان.

 من ناحية اخرى خلال هذه الفترة  ذاقت الشعوب العربية ثلاث انواع من الايدلوجيات هي القومية  العربية- الناصرية و نظام حزب البعث الاشتراكي والانظمة الاشتراكية،  ولم تتوفق اي واحدة منها في تلبية طموحات المواطن العربي العصري،  فجاءت مرحلة الاصولية الدينية تحل محلهم كرد لنظام العولمة (3).
نتيجة ظهور الاصولية الدينية منذ ثلاثين الى خمسين سنة  انقسمت الشعوب العربية الى قسمين او قطبين هناك قطب الاحرار والليبراليين والديمقراطيين وهم لحد الان اقلية  و قطب الاخر الاكثرية هو قطب الاصوليين المتمسكين بثوب الدين كحجة لحماية المجتمع من الانحلال الخلقي والسير وراء ركاب الحضارة الغربية.

من الاسباب الرئيسية الذي تجعلنا نقول مرة اخرى ان الثورة العربية الثانية -الحديثة التي حصلت في هذه الايام(4) لا تحمل امالا كبيرة لحد الان هو ان شعارات الثوار ليست واضحة، بل ان هوية الفعلة الرئيسيين الذين اشعلوا الثورة مخفية او مبهمة (5) ، ان الهدف الوحيد الذي يعلنون عنه لحد الان هو اسقاط النظام القائم الفاسد، لكن ماذا وكيف ومن سيحكم البلد هذا غير معروف؟؟؟. الكتل السياسية المعارضة الموحدة مع الثوار  لحد الان، لكن  لم تفصح اي واحدة منها عن ماتريد، حسب تصريحات بعضهم  هم موحدون في دعم ثورة الشباب او ثورة الغضب لكن الى اي حد سيكونون مخلصين للثورة ومتحدين معاً، ذلك شيءً لا نعرفه لحد الان(6) ، كما ان تجربة العراق وما حصل بعد تغير النظام السابق فيها يجعلنا ان نشك بأن مسيرة التغير في اي دولة عربية من مغربه ( تونس) الى مشرقه (العراق) ستكون واحدة ، ستكون غير مفروشة بالورد والياسمين.

لهذا  ستعاني هذه الدول ما عاناه ولا زال يعانيه بعض اجزاء من  العراق من الاضطهاد والقتل بالاخص الاقليات القومية او الدينية كذلك الانحلال الخلقي (7) والحروب الاهلية و النظام الطائفي. و على الاغلب سيتولى الامر في النهاية مرة اخرى بعض رجال الدين الاصوليين لان الناس تثق بالله ويعتقدون ببساطة ان رجال الدين هم حقا وكلاء الله على الارض وفي قلوبهم رحمة ولهم اخلاق حميدة ترضى الله  وفي عقولهم حكمة تقودهم دوما الى الاعمال الحسنة التي  تنبع من ارادة الله سبحانه وتعالى ورحمته وغفرانه وحمايته للمتكلين عليه . وعن طريقهم سيتولى نظام اداري افسد من النظام الحالي وسيسلب خبز من الثوار مرة اخرى ربما بطريقة اكثر جشعة وسيزيد عدد المتوسلين في الشوارع والذين ينامون في المقابر وستذهب امال الشباب مع الرياح!.

لان ثورة يقودها ثوار ( بالتأكيد نحن هنا لا نعني كل الثوار هم يقومون بالسرقات)  يحرقون مؤسسات وبنايات الدولة كما حصل في العراق هم ليسوا ثوار بل مخربين.
ثوار يسرقون ممتلكات الدولة والعامة و المواطنين هم ليسوا ثوار بل حرامية.
ثوار يصطدمون بالاجهزة الحاكم ويحررون مجرمين وقتلة هم ليسوا ثوار بل مجرمين مثلهم.
ثوار ليست لهم قيادة موحدة ولا اهداف معلنة  بلا شك ثورتهم ستكون في خطر كبير، لا بل اجلا ام عاجلا ستسرق من اللصوص المتربصين في اركان ساحة المعركة او ميدان التحرير!.
ثورة تقودها جماعة لا تنادي بأنه يؤمن بالحرية والاخاء والمساواة (جيد التي كانت سبب اندلاع الثورة بالتأكيد لا تحمل نيات طيبة او امل لشعب مصر.

في الختام انها لدواعي الفرح لدى كل انسان يعيش في الوطن العربي ان تحصل اي ثورة تقدمية فيه، على امل ان تكون ثورة انسانية حضارية  تؤمن بلائحة حقوق الانسان وتصونها. في نفس الوقت تمنى  لشباب مصر وتونس الموفقية في خروجهم من السجن الكبير باقل خسائر في الارواح والممتلكات و لا نتمنى  ان تحصل  لهم هذه الصور المأساوية التي تحدثنا  عنها ، لانها حصلت في بلدنا الام  العراق، ولاننا عانينا منها كعراقيين بما في الكفاية.
…………….
1-   يقال ان الثورة الفرنسية استمدت افكارها من كتاب العقد الاجتماعي  لجان جاك روسو وقصائد فولتير وغيرهم.
2-   دول شرق اوربا او الدول التي كانت ضمن الاتحاد السوفياتي.
3-   نظام دولي جديد يديره اصحاب شركات العملاقة في العالم له تأثير كبير على السياسية الدولية وبروصات البنوك وغيرها من الطرق المجهولة.
4-   صادفت الثورة العربية الجديدة ان صح التعبير تقريبا قرنا بعد الثورة الاولى التي قادها شريف مكة.
5-   بعض مصادر اعلامية تقول انها  ثورة  شباب حصلت بصورة عفوية .
6-    ان هذه الاحزاب غير متشابهة او متجانسة في مبادئها وسياستها او ايدلوجياتها لذلك هناك خطر من فشلها معا ومن ثم بدات حرب اهلية كالتي حصلت في لبنان والعراق.
7-   ان سرقة البنوك وممتلكات الدولة تجعل من المجرمين متنفذين في زيادة التخريب في البلد كي لا يتم تقديمه للعدالة.
8-   كانت هذه شعارات الثورة الفرنسية  في بدايتها  قبل 210 سنة تقريباً.

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *