مئات ٌطُردوا… وآلاف ينتظرون ترحيل السويد العراقيين قسراً مثار انتقاد منظمات إنسانية

نزار عسكر

GMT 15:00:00 2012 الأربعاء 15 فبراير

بصمتٍ جليدي، بعيداً عن الأضواء، تستمرُ السويد في ترحيل آلاف العراقيين المرفوضة طلبات لجوئهم، إلى العراق قسراً بموافقة الحكومة العراقية. وتثيرُ حملة الإبعاد هذه، انتقادات متزايدة من قبل المنظمات الإنسانية، وتُشيع الخوف والقلق في أوساط اللاجئين وعوائلهم.

——————————————————————————–



أطفال لاجئون في السويد يتظاهرون للتنديد بترحيلهم القسري

نزار عسكر من ستوكهولم: وسط هذه الأجواء، يُثار جدل واسع حول حقيقة موقف الحكومة العراقية من الترحيل القسري، خصوصًا بعد وثيقة نشرها موقع “ويكيليكس”، وأفادت أن بغداد قبلت بذلك ثمناً لإعادة السويد فتح سفارتها في العراق.
لا يجري الكشف عن العدد الحقيقي للمُرحّلين، لكن الأرقام تتحدث عن حوالى 10 آلاف عراقي مهدّد بالطرد، وذلك قبل توقيع “اتفاقية بغداد” في شباط (فبراير) 2008، التي وقّعها وزير الخارجية هوشيار زيباري مع وزير الهجرة السويدي توبياس بيلسترويم، والتي بموجبها وافق العراق رسميًا على استقبال المُرحّلين قسرًا، وهي الاتفاقية التي يصفها اللاجئون العراقيون هنا بـ “المشؤومة”. لكن مئات عدة من العوائل، ضمنهم أطفال، جرى بالفعل ترحيلهم خلال السنوات الماضية.
ولا تزال الاتفاقية سارية المفعول، بحسب وزارة الهجرة السويدية، رغم الإعلان قبل أيام في بغداد، عن أن البرلمان العراقي رفع طلبًا إلى البرلمان الأوروبي، يناشده التدخل لوقف الترحيل القسري. وعند اتصال “إيلاف” بالوزارة، أكدت أن “لا تغييرات في سياسة السويد تجاه اللاجئين العراقيين”، رافضة التعليق بأكثر من ذلك، أو الإفصاح بالمزيد!.
لذلك، وبحسب مراقبين تحدثت إليهم “إيلاف”، تكادُ التصريحات التي يُطلقها المسؤولون العراقيون حول رفضهم الترحيل القسري تقترب من “الفُكاهة السياسية”. فحكومة المالكي “لو كانت حقًا جادة في ذلك، لطلبت بشكل رسمي، تعديل الاتفاقية، أو إلغاءها حتى، عندها لن تتمكن الشرطة من إبعاد أحد قسراً”.
“اعتقل وعُذّب” في بغداد ومُطارد في السويد!
أعداد كبيرة من اللاجئين المرفوضين يخشون العودة لأسباب كثيرة، منها عدم استقرار الأوضاع الأمنية، وفقدانهم كل مدخراتهم تقريبًا، والخوف من الانتقام على خلفية العنف الطائفي، الذي شهده العراق في السنوات الأخيرة.

الدكتور حكمت داود جبو

عائلة محسن سعدون إسماعيل العبيدي، المكونة من 11 فردًا، متخفية منذ سنوات في بيت مجهول، خوفًا من شبح إبعادها إلى بغداد، لأن ذلك يعني “القتل حتمًا”، كما يقول محسن لـ “إيلاف”. فبعدما نجا من الموت، على يد ميليشيا تابعة للحكومة، في العام 2006، هرب إلى سوريا، ومن ثم إلى السويد، التي لا يزال مصدومًا منها، كيف أنها لاتمنحه، مع عائلته الإقامة!.
“إيلاف” زارت البيت، الذي يسكن فيه محسن. فرغم أن الدخول إليه، لا يوحي بأية أجواء من السرّية، لكونه يقع في منطقة سكنية عادية، إلا أنه أجّر البيت، بـ “الأسود” كما يُطلق عليه هنا، في إشارة إلى كون عملية التأجير تمت باسم شخص آخر.
القلق واضح على الوجوه، والتوتر بادٍ على الجميع، فرغم ضيق المكان، وكثرة الأشخاص، عليهم عدم إثارة أي أصوات زائدة، كي لا تكون سببًا في استدعاء البوليس من قبل الجيران.
يروي محسن قصته لـ “إيلاف” بالقول: “كنت في العام 2000 أملك شركة الدوحة للسياحة ونقل المسافرين، في منطقة الكرادة في بغداد، وبناء على دعوات كيدية، تم اعتقالي من قبل القوات الأميركية بذريعة الإرهاب، في سجن أبو غريب، ومن ثم نُقلت إلى سجن بوغا، بعدها أُطلق سراحي، لكن سرعان ما اختطفت من قبل مسلحين تابعين لوزارة الداخلية، وتم تعذيبي بشكل وحشي، وجرى إدخال أدوات جارحة في عضوي الذكري… وأُطلق سراحي بعد دفع فدية مالية كبيرة”. وفي السويد، وبعد سلسلة قرارات بالرفض، قررت محكمة الهجرة طرده مع عائلته، وهو الآن مطارد من الشرطة.
يؤكد محسن أن دائرة الهجرة السويدية قطعت عن عائلته حتى المساعدات المالية الشحيحة، ناهيك عن أنه “ليس من حقنا العمل أو الدراسة وحتى المعالجة في المستشفيات، إلا في الحالات الطارئة”. ويتهم محسن السفارة العراقية في السويد، بأنها تؤيّد الموقف السويدي، من خلال تشجيع اللاجئين على العودة، التي تعني بالنسبة إليّ “القتل”.
المسيحيون يُرحّلون أيضًا
“إيلاف” تحدثت عبر الهاتف مع أندريوس خوشابا، وهو شاب مسيحي وصل إلى السويد قبل أربع سنوات، فقال لها من المكان الذي يُحتجز فيه: “أبلغني البوليس أنه سيجري ترحيلي إلى مطار بغداد يوم 22 شباط (فبراير)، وأنا مصاب بالصدمة من ذلك، لأنه لم يتبق لي أحد هناك”.
أندريوس قال بصوت خانق وحزين: “لا أريد العودة، ليس لأنني لا أحبّ بلدي، وإنما لأن جميع أهلي وأقاربي تقريبًا سافروا إلى الخارج، وأنا لا أشعر بالأمان هناك، خصوصًا بعد الهجمات المستمرة ضد المسيحيين طيلة السنوات الماضية”.

أجانب يتظاهرون في السويد لوقف الترحيل القسري

وكانت الكنائس السويدية وجمعيات الضغط المسيحية العراقية في السويد، حاولت إقناع الحكومة السويدية باستثناء المسيحيين من قرارات الترحيل، بسبب الهجمات المتكررة ضدهم، لكن كل هذه المحاولات فشلت.
محسن وأندريوس، نموذجان من مئات عدة من القصص، التي تحمل في طياتها مآسي عوائل باعت كل ما كانت تملك في العراق، وارتحلت طلبًا للأمان، فصارت الآن، بعد كل ما خسرته، مهددة بالعودة إلى نقطة ما قبل الصفر.
فشلت أيضًا كل المحاولات التي بذلتها المنظمات الدولية، منها منظمة العفو، ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في إقناع السويد بالعدول عن سياستها، التي بدأتها بإيقاف منح الإقامات في أيلول (سبتمبر) 2007، وباشرت بعد شباط (فبراير) 2008، بتسفير العراقيين، فور توقيع العراق على اتفاقية استلامهم.
كما لم تفلح كل التظاهرات والاعتصامات، التي نظمتها الجالية العراقية، في وقف عمليات الترحيل، التي تتم بالتنسيق مع الدول المجاورة للسويد، وهي النروج والدنمارك.
السفارة العراقية: نرفض الترحيل القسري
الموقف العراقي عبّر عنه السفير المفوض في السفارة العراقية في السويد الدكتور حكمت داود جبو، الذي قال لـ “إيلاف”: “إن العراق يرفض الترحيل القسري بهذا الشكل”. وأوضح: “أن وزارة الهجرة العراقية، وبعد المؤتمر الذي عقدته في ستوكهولم في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، رفعت توصية إلى البرلمان العراقي، الذي بدوره رفعها إلى الحكومة، لمفاتحة البرلمان الأوروبي، بوقف الترحيل القسري”.
وأشار إلى أن السويد تعتمد في عمليات الترحيل “على صيغة وردت في اتفاقية شباط 2008 لا تعطي الحق لها بالتسفير القسري، وإنما تنص على حالات تتعلق بمرتكبي الجرائم، لكنها فسرتها وفق ما يتناسب مع مشروعها في ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين”. وأوضح “أنه فاتح السفير السويدي في العراق بضرورة إجراء معالجات وتعديلات”.

عدد من أفراد عائلة محسن العبيدي

ووصف جبو الاتهامات الموجّهة إلى السفارة “بأنها غير صحيحة، وهي تجني على موقفها، الذي تعمل جاهدة من خلاله على صيانة حق المواطن العراقي وكرامته التي نص عليها الدستور”. وأضاف: “عندما يراجع أي لاجئ السفارة، نعمل أولاً على التأكد من كونه عراقيًا، ومن ثم لا نبت في تسفيره قسريًا، بل نتأكد من رغبته في العودة”.
السويد: يكفينا لاجئين عراقيين! سودرتاليا استقبلت أكثر مما استقبلته أميركا!
السويد، التي يعيش فيها حوالى 170 ألف عراقي، بين مجنّس ومقيم دائم، لم تعد تكترث للانتقادات الموجّهة إليها، وقالت في رد بليغ على منتقديها، على لسان وزير الهجرة توبياس بيلستروم: “إن مدينة سودرتاليا وحدها استقبلت لاجئين عراقيين أكثر مما استقبلته الولايات المتحدة الأميركية”. وأن الأوضاع الحالية في العراق، لا تتطلب منح الإقامات، التي لم تبخل بها طيلة عقدين تقريبًا.
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء السويدي، فاق عدد المقيمين في السويد، الذين ولدوا في العراق، الـ 100 ألف، وقدر بـ 109446 شخصًا في 2008، في مقابل 97513 شخصًا في 2007، وحوالى 49 ألف شخص في 2000. وبلغت نسبة حاملي الجنسية السويدية من بينهم 7.58% في 2007.
ولا تجري عمليات الإبعاد إلا بعد أن يجتاز طالب اللجوء فرصًا عدة لتقويم طلبه، وعند حصوله على رفض أولي، يُحّول طلبه إلى المحكمة، وعندما يحصل على رفض لثلاث مرات متتالية، يُحول ملفه إلى الشرطة، وتقوم بتنفيذ ط

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *