لماذ ينحصرُالهجومُ على كُلِّ تحركٍ قومي كلداني؟

لقد دأب منظرو منتحلي التسمية الآشورية الوثنية المزيفة “النساطرة الكلدان” بشحذ أقلامهم الموتورة ضِدَّ كُلِّ تحركٍ قومي كلداني، ونحن نعلم جيداً دواعي الرُعب لديهم التي تُملي عليهم هذا  السلوك الملتوي المنافي لحرية الرأي لدى الكلدان الذين يُطلِقُ عليهم احد المنظرين ذي النظرة الضيقة ” قسم من أبناء شعبنا ” دون إعطاء هذا القسم حقَّه من حيث ثقله العددي والثقافي والإقتصادي والإجتماعي ويُريد مقارنة الشعب ” الكلداني النسطوري” المنتحل للتسمية المزيفة بالندية له، بل بالتفوق عليه رغم علمه بزيفه، ففي معرض حديثه عن مؤتمرَي النهضة الكلدانية الأول في ساندييكو/ اميركا والثاني في السويد ينتقد القائمينَ بالمؤتمرَين ربطَهم الإسم الكلداني بأبناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية دون باقي أبناء شعبنا حسب تعبيره وهو عكس ما يقوم به ” منتحلو الإسم الآشوري المزيف ” أليس ذلك محاولة يائسة وبائسة لرفع التعنصر المقيت الذي يُمارسه” كلدان الجبال النساطرة” المنتحلون للإسم الآشوري المزيف في مؤتمراتهم التي تتجلى فيها عنصريتُهم المقيتة المتأتية من عقدة شعورهم بالنقص من جراء تنكرهم لقوميتهم الكلدانية وانتحالهم عوضاً عنها التسمية الوثنية ذات المدلول الديني، تلك التي كان آشوريو التاريخ قد اعتمدوها إبان سطوتهم، وتلاشت بعد انقراضهم وتحطم صنمهم” آشور” المشتقة منه، والأنكى أن لا صلة لهم باولئك مِن أيِّ نوع . أفليس ظلماً وعدواناً أن يُطلقوأ الإسم الآشوري على كُل مسيحيي العراق باستثناء الأرمَن، وهم الغرباء عن العراق الوافدون إليه تحت حراب الإنكليز بعد الحرب العالمية الأولى كلاجئين! كيف يُمكن أن يقبل الكلدان أن تُهان قوميتُهم الكلدانية العريقة ذات المدلول الحضاري الراقي بمحاولة صهرها بالتسمية الآشورية الخالية من أية مقومات القومية وحتى بعطف هذه التسمية النقمة الى القومية الكلدانية هو جريمة، فهي مجرد اسطورة أتقن حبكَها الداهية اللئيم القس الأنكليكاني” وليم ويكَرام” لتكريس استبعاد هذا الجزء العزيز والضال من الشعب الكلداني الباقي على النسطرة وعدم عودته الى أحضان أمته الكلدانية !

إن المؤتمر الكلداني عندما يُعقد لا يهتم لتخرصات المنحرفين والناقمين المعروفة تفاهتُها مسبقاً وإنما يدرس ويناقش الوضع الكلداني من كُل جوانبه السياسية والإجتماعية والثقافية، وينأى عن الإنشغال بمهاترات منتحلي التسمية الآشورية التي تُعبِّر عن مدى خوفهم على اكتشاف أكاذيبهم والتستر على انخداع آبائهم وقبولهم لهذا الإنخداع والتمسك به بتزمتٍ مقيت، فكيف يقبل لكلدان في هذه الحالة التطرق الى ذكرهم أو إشراكهم، وما الفائدة من أناس قد شُحنوا بالحسد والمكر والإساءة ضِدَّهم! كيف يقبل الكلدان الفرية التي افتراها أعتى زعماء منتحلي التسمية الآشورية المتزمت في ظهور علني على الفضائية البغدادية عندما أدلى بكذبةٍ كبرى لا يؤمن بها هو نفسه عندما قال ” بأن كُل آشوري دخل الى الكثلكة سُمي كلداني” وكان ذلك جواباً لسؤال مُحاوره في اللقاء الذي سُمي بـ (سحور رمضاني) مَن هم الكلدان؟ وهنا أود أن أسأل هذا المتزمت وكُل الذين على صُنفه، إن تحول الآثوري من المذهب النسطوري الهرطوقي الى المذهب الكاثوليكي القويم لا يُحتم عليه تغيير هويته على الإطلاق، وأقرب مثال الى ذلك عندما نبذ أكثر من ثلاثة آلاف آثوري المذهب النسطوري قبل خمس سنوات واعتنقوا المذهب الكاثوليكي في ولايات كاليفورنيا وأريزونا وغيرهما لم يُغيروا هويتهم ولا أحد أجبرهم على التغيير، فسموا أنفسهم ( الآثوريين  الكاثوليك ) أليس هذا دليل على بهتان ما ادَّعاه هذا المتزمت العنصري! وأيُّ إنسان مُدرك يصدق الإدعاء الكاذب بأن ما يقرب مِن مليون ونصف المليون كلداني كانوا آثوريين وتحولوا الى الكلدان علماً في الوقت الذي نبذ أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية المذهب النسطوري في منتصف القرن السادس عشر واستردوا مذهب آبائهم الأصلي ” الكاثوليكي ” لم يكن هنالك ذكر للإسم الآشوري ولا حتى الآثوري، يا للمهزلة والخزي لمروجيها !
 
 

أود أن يعلم القراء الأعزاء بأنني كباحث ومؤرخ أكتب ما أفرزته الوقائع التاريخية، وليس كما يروج جهلة التاريخ بل متعمدو الجهل السياسيون الدجالون ذوو المنافع الذاتية الساعون الى طمس الحقائق بتزويرها لتتوافق مع ايديولوجيتهم السياسية المبنية على الكذب والعنصرية، فيعزون كتاباتي الى الكُره لأعزائي النساطرة الكلدان الذين انتحلوا التسمية الآشورية  بغباءٍ مطلق ضاربين الحقيقة التاريخية عرض الحائط. فأنا شخصياً لا أكره أحدا ولا أضمر العداء لأيِّ قوم من البشر فكيف لي أن أكره وأعادي الخارجين من صُلب أمتي؟ إني أكن الحبَّ لهم بشكل كبير وفي ذات الوقت أرثي لحالهم وضياعهم وأتحسَّر على ما أصابهم من الكوارث والويلات! إن ما أكتبه هو تنوير للجهل الذي زرع بذورَه في أذهان مدعي الآشورية المعاصرين آباؤهم الذين استطاع العدو الغريب خداعهم طمعاً باستغلالهم للوصول الى مآربه الإستعمارية. ومع كُلِّ علمنا بحقيقتهم فإننا نحن الكلدان إخوتهم الحقيقيون، نحترم وضعهم على عِلاّته ونعترف بهم كواقع مفروض ليس بإمكاننا تغييره إلا بمبادرة ورغبة خالصة منهم بالرجوع الى ذواتهم والإعتراف بالحقيقة التاريخية الناصعة، وبهذا التمني نكون كمَن يطلب المستحيل. ولكن السؤال الأكبر هو كيف يمكن للكلدان السكوت على تصرفات الجزء الضال من إخوتهم والى متى سيستمر صبرُهم على ما يُبدونه مِن استعلاء فارغ واستقواء عليهم بدعم من القوى السياسية المتنفذة المعروفة بالإضافة الى استماتتهم في تزوير تاريخ الكلدان وإنكار وجودهم وسعيهم الى حجب الق بالباطل والعمل على سلب حقوقهم عن طريق استخدام إسمهم بواسطة بعض المرتزقة الكلدان الذين تمكنوا مِن إغوائهم؟

نجد في الآونة الراهنة بروز مزايدات سياسية من النوع الرخيص يتزعمها أحزاب منتحلي التسمية الآشورية تقدم خدمة لإيديولوجية إحدى القوى ذات الصراع على جزء من الأرض المعروف بسهل نينوى، وقد أدخلوا هذه المزايدات في إطار مصلحة الشعب المسيحي ووجوده العريق على أديم هذه الأرض منذ بداية التاريخ، وكثيراً ما نسمع هذه الأيام حديث الخوف على مصيره ومستقبل وجوده. يُحدثنا التاريخ بأن هذا الشعب قد قاسى الأمَرين من الأقوام التي غزت أرضه عبر فترات التاريخ المظلمة بغالبيتها وحكموا عليه بكل أنواع القتل والقهر والتشرد، فهل يُريد المدَّعون تمثيله اليوم زوراً ممن يمتهنون السياسة أن يُدخلوه في مآزق حرجة  لا طاقة له بمجابهتها، وإلا بماذا يُفسَّر كلامُهم اللامنطقي وغيرُ المدروس حول المطالبة باستحداث محافظة خاصة بالمسيحيين في سهل نينوى وفي الوقت الذي يتفاقم فيه الصراع بين العرب والأكراد على المناطق المتنازع عليها والسهل المذكور من ضمنها. وهل فكَّر هؤلاء برد فعل المكونات الأخرى التي تسكن ضمن المنطقة ذاتها وهي تفوقنا عدداً وتختلف عنا عِرقاً وديناً، وهل باستطاعتها التكيُّف لهذا الوضع الغريب بالنسبة لها؟ وإن قبلت بإقامة هذا المشروع فهل تقبل بغير السيادة لها، فماذا يكون قد جنيتم أنتم وما هي الحرية التي تحلمون التمتع بها؟

أيها الحالمون لقد أفضتم في الحديث عن ايجابيات المشروع التي تُراود أفكاركم الخيالية بعيداً عن الواقع الموضوعي للشعب المسيحي، ولا تتطرقون الى سلبياته وأهمها وجود التيارات الإسلامية المتشددة في أماكن تواجد الشعب المسيحي التاريخية، فهل غاب عن بالكم ما تعرض ويتعرض له مسيحيو محافظة نينوى ولا سيما القاطنون في الموصل؟ أليس من الواجب عليكم سبرّغَور الواقع المنظور للأحداث والتطورات الجارية من حولنا لتعملوا على تحليلها بشكل علمي بدلاً من انسياقكم  وراء مطلبٍ عاطفي دون تقييم نتائجه. إن المرحلة الحالية التي يمر بها المجتمع العراقي حساسة جداً لأنها مشبعة بثقافة عدم قبول الآخر، فأية محاولة لتقسيم البلاد الى مناطق للحكم الذاتي أو الإدارة المحلية لكي تتمتع المكونات الصغيرة من خلالها بحقوقها المشروعة قومياً وسياسيا وثقافياً لا تلقى قبولاً من قبل دعاة التشدد والتطرف القومي والديني ويُعارضها حتى المعتدلون من أهل المنطقة. إن المطالبين بمثل هذا المشروع كان عليهم أن يعلموا باستحالة تحقيق مطلبهم وهم يرزحون تحت حكم لا يفهم الماسكون زمامَه من الديمقراطية غير إسمها أما كُنهها والعمل بمبادئها فبعيدون عنه جداً، ولا رَيب في ذلك في بلد تدين غالبية مواطنيه بالإسلام ويُجعَل منه مصدراً للتشريع، فالإسلام والديمقراطية نقيضان لا يمكن الجمع بينهما، فعلينا في هذه الحالة أن نكسب المتشددين والمعتدلين كإخوة وشركاء في الوطن الواحد وأن نعمل على إقناعهم بوجوب الإعتراف بالتعددية الوطنية والعيش المشترك.

إننا نحن الكلدان نرى بأن الحقوق القومية لا تتحقق للمكونات الصغيرة إلا بقيام نظام حكم وطني ديمقراطي في العراق، وترتقي ثقافة الشعب الى ثقافةٍ وطنية حقيقية مشبعة بالديمقراطية بكل ما تعنيه الكلمة، لكي بظلالها يسود التعايش السلمي المشترك وتعود الوطنية الصادقة الى إطارها الصحيح، حيث الإحترام المتبادل بين كافة المواطنين. إننا نطمح أن يعترف العراق الجديد بجذوره الكلدانية الأكثر أصالةً وعمقاً في التاريخ الى جانب فروعها الأخرى، وأن يعمل على رعاية براعم تلك الجذور لتثبت فيه بقوة، وأن يصون حقوق أبناء الكلدان بمختلف تسمياتهم ويكفل لهم حقَّهم في الممارسة السياسية بتمثيلهم بحصةٍ نيابية قومية لا دينية خاصة بهم تناسب حجمهم الحقيقي وما يشكلونه من غِنى وتراث.

الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
عضو قيادة التجمع الوطني

You may also like...