لماذا نرفض التسمية الثلاثية” كلداني سرياني آشوري”؟

 منذ أن وُعينا، ونحن نسمع من أهالينا بأننا كلداناً، وعندما كُنا صِغاراً، كُنا نذهب إلى كنيسة كلدانية، وكان القدّاس باللغة الكلدانية، وكُنا نسمع عن كاهن كلداني وآخر سرياني، ونحن كلدان كاثوليك وهم سريان أرثوذكس أو كاثوليك، وفي مراحل الدراسة المُبَكِّرة، وعلى ما أذكر، في الدراسة المتوسطة، وفي مادة التاريخ بالذات ، كُنا ندرس عن ملوك الكلدان، وكيف أن حمورابي أول مَنْ سَنَّ القوانين وشرّعها، وبذلك يُعتبر أول مُشرّع للقوانين، وقد كتب قانونه الشهير على مسلته المشهورة، مسلة حمورابي، وكيف كان هذا القائد وإنتسابه الكلداني، وكانت بابل عاصمة الكلدانيين، ثم نقرا أيضاً، عن الدولة الآشورية، وكيف كانت، وحدودها التي ضمت نينوى وأربيل ودهوك وغيرها، وضمت قبائل وعشائر مختلفة، وتعلمنا كيف أن الاشورية ليست تسمية قومية، بل هي تسمية جغرافية مناطقية، حالها حال اللبنانية والعراقية والمصرية، وكيف كان العداء مستحكماً بين الدولتين الآشورية والبابلية الكلدانية (حوليات الملوك الآشوريين)، وكيف سقطت الدولة الآشورية عى يد الكلدانيين عام 612 ق . م وكانت كتب التأريخ تعتبر سقوط الكلدانيين عام 529 على يد الفرس هو سقوط آخر حُكُم وطني حَكَمَ العراق خلال تلك الفترة، وفي خِضَمِّ هذه القراءات، وهذه الدراسة، لم أقرأ ولا مرة واحدة، عن الملك الكلداني نبو خذ نصر بأنه كان كلداني سرياني آشوري القومية، كما لم اقرأ أبداً عن آشور بانيبال بأنه كان كلداني سرياني آشوري الهوية، أو حمورابي، أو اسرحدون، أو غيرهم من ملوك التاريخ الكلداني.

لقد كان الكلدانيون منقسمون دينياً ومعتقداتياً، إلى عدة أقسام، فمنهم مَن كان لا يؤمن بشئ، ومنهم مَنْ كان يَدينُ بدِينِ المجوس، ومنهم كانوا يؤمنون بالأفلاك والنجوم، لذلك برعوا في هذا المجال، وكان منهم مَن عَلِم بولادة يسوع المُخَلّص، حيث حللوا ظهور النجم الغريب، ومن ثم إقتيادهم إلى مكان ولادة يسوع له المجد، ومن الكلدانيين من لم يكن يؤمن بغير الله، مثل إبراهيم الكلداني أبو الأنبياء، حيث كلّمه الله وأمرَهُ أن يترك ارض آبائِهِ وأجدادِهِ، أور الكلدانيين، ليتجه إلى حاران، كما ورد ذكر ذلك في الكتاب المقدس، ولم يذكر الكتاب المقدس أور ولم يُعرّفها بغير أور الكلدانيين، حيث لم يذكر الكتاب المقدس بأن أور هي أور الكلدانية السريانية الآشورية، ولم يقل الله لإبراهيم، بأنه إبراهيم الكلداني السرياني الآشوري، بل قال إبراهيم الكلدان، وأور الكلدانيين فقط ولا غير الكلدانيين شئ . أو أن المجوس الذين زاروا يسوع كانوا من الكلدان السريان الآشوريين.

لقد كانت حروب مستمرة ومعارك طاحنة بين الإمبراطورية الآشورية والكلدانيين منذ عهد قديم من الزمان، وكان هناك قتال مرير، وأسرى بمئات الألوف، وتهديم قرى وحرق دور وسَمْل عيون، وكر وفر وإحتلال وسقوط، منذ فجر التأريخ وإلى عام 612 ق . م حيث أنتهت كلياً أسطورة الأمبراطورية الآشورية وأصبحت جميع الأقاليم كلدانية.

إذن من اين اتت هذه التسمية ولماذا؟

هل هي لعبة سياسية؟ هل هو إتفاق؟ أم توافق؟ هل هناك خاسر ومستفيد؟ هل هناك مصالح ستراتيجية مرتبطة بذلك؟ هل هناك اصابع خفية وقِوى سياسية، سواء كانت عراقية أم دولية وراء ذلك؟ وهل أصبح الكلدان والسريان والآشوريين ورقة رابحة يلعب بها المستعمر أو المستفيد متى شاء؟ وأين هم سياسيونا ولماذا لم يكتشفوا اللعبة؟ أم هم شركاء من أجل المصلحة؟ وليذهب الشعب وأهدافه إلى الجحيم؟

أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابات شافية، ونحن من تحليلنا للواقع نقول ما نعرف.

نعم هناك إتفاق وتوافق سياسي وقِوى سياسية وطنية وقومية ودولية، هي المستفيدة من كل ذلك، نعم هناك اصابع خفية حرّكت مجموعة من النفعيين، ومن ذوي النظرة الضيقة والمصالح الشخصية، ورأت تلك الأصابع في هذه المجموعة، هشاشة موقفها وحُبّها للشهرة والمال والكرسي والمنصب، ومن الممكن بسهولة اللعب بهم كورقة رابحة، ومن خلالهم اللعب بمقدرات الشعب، لربح الشعب المسيحي وليس الكلدان فقط، في شمال العراق وأقليم كردستان بالذات من أجل تحقيق المصالح السياسية، فالإقليم من جانبه يحاول كسب المسيحيين ككل، وليس من مصلحة الإقليم أن تكون هناك أحزاب وقِوى وتناحرات بينهم، فغايته تحجيم هذه القِوى، لسهولة القضاء على آمالها وتطلعاتها من جهة، ولصب كل جهودها من أجل اهدافهم هم، كما أن حكومة المركز، وخاصة محافظة نينوى ترغب بضم المسيحيين بكافة قومياتهم لصالحها، وذلك حفاظاً على وحدة نينوى الإدارية، رافضين كل المحاولات الرامية لإقتطاع أجزاء من كردستان ومن نينوى لتشكيل محافظة للمسيحيين.

لقد أتصل اشخاص متنفذون في الإقليم عن طريق تحريك السيد أغاجان، ومن خلال العلاقة التي تربط الوزير أغاجان ببعض الأشخاص من اهالي عنكاوة والساكنين في السويد تمكن من إغرائهم (لهشاشة موقفهم القومي ولضعفهم امام الدولار والمغريات الأخرى) فعملوا تلك الشوشرة من أجل تأسيس ما يسمى بالمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، ورُصدت المبالغ الطائلة لذلك، وتم الإتصال بشخصيات قومية كلدانية وغيرها، وتم إغرائهم بـ المادة والمال، حيث عرضوا عليهم بطاقات السفر المجانية بالطائرة ذهاباً وإياباً من البلد الذي يقيمون به إلى العراق، فجاء المستفيدون من ذلك (من منطلق فلوس النفط مو مال أبو أحد) أو (هذه حصتي من نفط العراق) وغير ذلك، وتم تلبية الدعوة، وعلى المدعو أن يجلب معه أفكاره التي تصب في هذا المسار، فحتى الدفاتر والأقلام وزعت مجاناً، عدا تكاليف الإقامة في فنادق الدرجة الأولى ومصاريف جيب ونفقات طعام وتنقل وغير ذلك، طعام سكن ضيافة، (كل هذه على حساب المعزّب كما يقولون العرب) كل هذه المغريات تمكنت من جلب وجذب تلك الشخصيات التي شاركت وساهمت في تأسيس المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، أنتقلوا بعدها للبحث عن وكلاء لهم في دول العالم، وتم تخصيص رواتب شهرية لهم وصلت لحد ثلاثة آلاف دولار شهريا (حسب ما وصل إلى مسامعنا ذلك) فبدأت الأقلام الصفراء واجبها، ووفاءً منها لهذا البذخ، حاربت أول ذي بدء القومية الكلدانية والشرفاء الكلدانيين الذين ثبتوا على مبادئهم، فأستُلت الحِراب المسمومة، وبدأوا يقذفون بها على هؤلاء الرجال الخيرين من أبناء الكلدان الأصلاء، بدءاً من رجال الدين الكلدان الأبطال الذين صرحوا علانيةً بهويتهم القومية ومروراً بإتحاد الأدباء الكلدان، ولكنهم لم ولن يتمكنوا من أن ينالوا من الشرفاء والمخلصين قيد أنملة، فالتاريخ لا يمكن تزويره، وإن تمكنوا من تغطيته بغبار خفيف.

جراء ذلك انتفض أسود الكلدان ليعلنوا عن ثورتهم الجبارة، فكان تأسيس الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان، وإنعقاد مؤتمر النهضة الكلدانية في أمريكا والذي تخلله تأسيس التجمع الوطني الكلداني، وتاسيس إتحاد المهندسين الكلدان، مما زاد في قوة التنظيم السياسي الكلداني “الحزب الديمقراطي الكلداني بقيادة الأستاذ أبلحد افرام” وجاء مؤتمر النهضة الكلدانية في السويد، ليزيد من شدة الروابط الكلدانية، وليقف بوجه من يحاول طمس هويتنا القومية، وإلباسنا ثوب غير ثوبنا، كما جاء تشكيل التنظيمات القومية والنسوية والثقافية الكلدانية لأهلنا في جنوب العراق وتحديداً في مدينة الناصرية على يد الأخ الأستاذ علي إيليا الكلداني، وما زالت الأقلام الشريفة تخوض معركة النضال القومي من أجل تثبيت الأهداف القومية للكلدان مُعرّية جميع المواقف المتخاذلة التي يتخذها بائعوا ضمائرهم، أو ممن أهتزت لديهم قِيَمِ الرجولة وتنكروا لِقِيَم المبادئ فتعروا حينما سقطت آخر ورقة توت كانت تَكْسي عُريهم، وتصوروا إنهم بمؤتمرِهِم هذا والذي يسانده موقع كلداني ألكتروني يحمل أسم قرية كلدانية عريقة بتاريخها عزيزة على قلوبنا يطبل لهم ويُزَمِّر، ويرفع شعار أمتنا زوراً وبهتانا، يتصورون إنهم يستطيعون أن يغيروا وجه التاريخ، ولكنهم خسئوا، وفات عن بالهم بأن الكلدانيين ليسوا جميعاً مسيحيين كما ذكرنا، فهم رجالاً أفذاذ يسبرون الأغوار ليزيلوا الغبار ويفصلوا الحنطة من الزوان لتظهر الحقيقة للعيان.

نحن الكلدان العراقيين، لن نلبس ثوب غيرنا ولن نتسمى بإسم غيرنا، لا نقبل الدمج والتسميات القطارية التي طُبخت بمطابخ غيرنا، نرفض تغيير وجه التاريخ، نقاوم كل من يريد النيل من هويتنا القومية أو من عراقيتنا، فالعراقية كمحدد للهوية الكلدانية لا يلغي الخصوصيات الذاتية من لغة وتاريخ وثقافة وتراث وعادات وتقاليد، وإن غد لناظره قريب.

يحكى أن الملك النعمان بن المنذر ملك الحيرة أيام الجاهلية، خرج فى رهط له يصطاد فضًل عن الركب، ثم إنتهى به ألأمر إلى خباء إعرابى إستضافه ثلآثة أيام حتى أدركه صحبه فعرض عليه الملك أن يزوره فى قصره ليجزيه أجر ما صنع، وعندما وصل كان ذلك يوم نحس الملك، إذ أن الملك كان قد حدًد يومين من أيام العام، يوم سعد ويوم نحس، كل من يدخل عليه فى يوم السعد يجازى خير جزاء، وكل من يدخل عليه يوم النحس يقتل وعندما رآه الملك صاح: لو دخل على إبنى قابوس فى هذا اليوم لقتلته!

وعند ذاك إستسلم ألإعرابى لأمر الملك ولكنًه طلب منه أن يمهله عامًا يصلح فيه من أحوال أهله ويستعد للموت، ورفض الملك إلآ أن يضمنه أحد الناس، فضمنه قراد بن أجدع، وكان الملك يأمل أن يذهب إلإعرابى وينجو بحياته وأن يقتل قراد بدلآ منه وفى أليوم ألأخير إستعًد الملك لقتل قراد وأحضر السيف وجهًز النطع ولكن قراد أصر على ألإنتظار قائلآ:

فإن يك صدر هذا اليوم ولى        فإن غدًا لناظره قريب

وقبل أن تغرب الشمس فى اليوم الأخير والجلآد يوشك أن يهوى بالسيف لآحت فى ألأفق سحابة غبار يثيرها فرس ألإعرابى، فإنتظر الجميع وصوله ولآمه الملك على عودته سائلآ:

إياه: مادفعك على أن تعود وقد نجوت؟

فأجاب ألإعرابى: دينى

فسأله الملك: وما دينك؟

فقال ألإعرابى: النصرانية

ومن ثم سأله الملك عمًا يفرضه الدين من الوفاء؟

فإعتنق الدين على الفور وإعتنقت معه المملكة ومن ثم ألغى يوم السعد ويوم النحس.

 

 

You may also like...