لماذا تصاعدت الأصوات النشاز بهذا الشكل المقزَّز؟

 أصدر نيافة الكاردينال مار عمانوئيل الثالث دلي بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالَم بياناً في 15/1/2012 كان في منتهى الدقة والوضوح حول الوضع العراقي العام بواقعه المؤلم، ووضع أبناء شعبه الكلداني الخاص، مهيباً بالمسؤولين في الدولة العراقية لمعالجته بايجاد حَلٍّ ناجع وسريع، فتفاقم التجاذبات في العملية السياسية تؤدي بها الى الشلل والمتضرِّر الأول منها هو المواطن العراقي العادي فهو الدافع للثمن غالياً. فإن حبَّه لوطنه يدعوه للبقاء فيه والصمود رغم تعرُّضه لشتى أنواع المِحَن والمصائب بسبب غياب الأمن والأمان وانعدام القانون الضامن للعدالة، بالإضافة الى فقدان الخدمات الحياتية الضرورية كالماء والكهرباء والعلاج الصحي وغيرها الكثير التي تضطرُّه للبحث عن مخرج فلا يجد أمامه سوى الهجرة التي لا يرضاها إلا مُجبَراً.

وبخصوص شعبه الكلداني العراقي الأصيل قومياً ووطنياً وإنسانياً ناشد غبطة البطريرك الكلداني رئيس السلطة التنفيذية الأستاذ نوري المالكي لرفع الغـبن والتهميش الذي تعرَّضَ له ولا زال من قبل بعض الساسة المتنفذين وبخاصةٍ الذين قد استحوذت عليهم العنصرية الشوفينية المقيتة، فانتفت لديهم العدالة والشهامة واستبدلوها بالحقد والكراهية فسلكوا دربَ الدجل والإحتيال لأنهم ضعاف النفوس تتملكهم عقدة الشعور بالنقص لكونهم وافدين الى العراق كلاجئين تحت حراب الإستعماريين الإنكليز بعد الحرب العالمية الأولى، ومن هذا المنطلق رأى نفر ضئيل من هذه الطائفة الهاربة من موطنها في تركيا الوافدة الى العراق كما ذكرنا، أن يستبق الكلدان في تكوين نواة حزبية في بداية ثمانينات القرن العشرين لكي يعملوا على تثبيت أقدام طائفتهم ويدخلوا المعترك السياسي العراقي، بينما الكلدان لم يروا حاجة الى تكوين أحزاب قومية لأنهم فضلوا الإنخراط في الأحزاب الوطنية العراقية منذ قيام الحكم الوطني العراقي عام 1921 وكانوا مشاركين دوماً في العملية السياسية، حيث كان لديهم عضو في مجلس الأعيان وبين 6-7 نواب في مجلس النواب ووزير وفيض من المدراء العامين وأساتذة الجامعة وذوي الدرجات الخاصة، وبعد قيام ثورة 14 تموز تغيرت الموازين بسبب الصراع على السلطة، ومع ذلك كان للكلدان دور في العملية السياسية حتى التغيير السياسي الذي أطاح بالنظام البعثي عام 2003 حيث حُرموا وجرى تهميشهم عن طريق الدسائس والمؤامرات التي قام بها رئيس حزب” زوعا” يونادم كنا التابع للطائفة الآشورية المزيفة اللاجئة الى العراق كما أسلفنا.

لذلك بعد صبر طويل وتسامح كبير من قبل الرئاسة الكنسية الكلدانية لعدوها وعدو شعبها اللدود يونادم كنا عن كُلِّ دسائسه ومؤامراته، إلا أنه لم يرعوِ بل زاد شراسة وتعدّى حدوده كثيراً، وتحدّى الرئاسة الكنسية الكلدانية متدخلاً في صلب شؤونها الكنسية، واتخذ من مسألة تعيين رئيس لديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى ميداناً لصراعه ضِدَّ البطريرك ومهدداً بالقول”سأري بطريرك الكلدان مَن هو ممثل المسيحيين هو أم أنا” وفعلاً نفذ تحدّيَه وتهديده بدعم من بعض نواب البرلمان الذين تربطهم معه مصالح خاصة، واستُبدل رئيس الديوان المرشح من قبل مجلس رؤساء الكنائس بشكل مفاجيء بعد ايدائه واجبَه لأكثر من 11 شهراً ومن دون ذكر أيِّ مبرر لذلك مِمّا اضطرَّ غبطة البطريرك الكلداني بأن يُعلن للشعب العراقي والمسؤولين في الدولة العراقية، بأن النائب يونادم كنا ليس أهلاً لتمثيل الكلدان في الوقت الذي أثبت علناً عداوته الشرسة لهم ولرئاستهم الدينية وتنظيماتهم السياسية، وأنه لم يهدأ يوماً عن تهميشهم وإقصائهم عن الساحة السياسية، وكان المحرِّك الأول والمسبب لتحويل الكوتا القومية الى كوتا مسيحية خلافاً للدستور، لكي يتسنى له خدع الناخبين الكلدان البسطاء بالدعاية الكاذبة التي روجها هو وجلاوزته “بأننا كلنا مسيحيون” بينما هو براء من المسيحية ويعترف بإلاله الوثني”الصنم آشور” وهكذا انطلت اللعبة على الكلدان. والدولة بموافقتها على تغيير الكوتا القومية الى كوتا مسيحية ارتكبت مخالفتين دستوريتين الأولى تجاهلها القومية الكلدانية المثبتة بالدستور، وثانياً حرمانها المكون الكلداني من حق تمثيله النيابي.

فهل نتوقع أن تُعيد الحكومة الموقرة والبرلمان الحقَّ الى نصابه الصحيح وتلغي الكوتا الدينية المسيحية الغير شرعية وتُخصص المقاعد النيابية للمكونات القومية المسيحية بناءً الى الكوتا القومية، اسوة بالقوميات العراقية الأخرى؟ كفى الإنصات الى الأكاذيب التي يلفقها أعداء الوطن ضِدَّ مَن هم الأخلص للوطن!

هذه كانت الأسباب التي دفعت بالبطريرك الكلداني أن يُصدر بيانه التاريخي الموجه الى الشعب العراقي والمسؤولين في الدولة العراقية مطالباً بإعادة الحق الكلداني المسلوب من قبل مَن يدَّعي تمثيلَهم زوراً وبهتاناً، إن كُلَّ متتبع لشأن المكونات المسيحية يعلم بأن المكون الكلداني الأكبر بين هذه المكونات مهمَّش ومغيَّب بفعل المؤامرات التي تُحاك ضِدَّه من خلال تصريحات كنا الإفترائية وايعازاته الى مأجوريه من أشباه الكتاب للإمعان في تشويه الحقائق التاريخية، وعندما سانده البطريرك النسطوري مار دنحا الرابع في منحاه الخرافي من خلال تصريحه المتشنج الوارد في رسالته بمناسبة الميلاد بأن الشعب المسيحي هو آشوري! لماذا خرست الأقلام المأجورة على هذه الكذبة بل الفِرية التي أراد الترويج لها؟ ولماذا لم تتهمه بالتخل في السياسة، بينما ثار ثائرها على البيان البطريركي الكلداني وقامت تكيل لغبطته الإتهامات كتدخله في السياسة وتُنعته بصفات غير لائقة، إنهم حقاً مُرتزقة حاقدون ناكرو أصلهم وفارغون، وأصواتهم نشاز ومقـزِّزة!

إنها مسؤولية تاريخية يا صاحب الغبطة قد أعلنتها بصراحة، وبيانكم التاريخي عبَّرعن موقفكم المطلوب الذي يتطلب منا الثناء والإمتـنان، شكراً لكم ولكل الذين آزروكم بإصدار البيان. نوجه لهم التحية ونقدِّر لهم دورهم المشرِّف تجاه شعبهم، ونحن معكم للمناداة بحقوق شعبنا والعمل على استردادها.

 

الشماس د. كوركيس مردو

You may also like...