لماذا الكلدان تحديداً دون سواهم !

 بعد نشر مقالتي الاخيرة راودتني أمنيات أن أقرأ لبعض كتابنا (الغيورين) الذين يتربصون لظهور تصريح أو إعلان عقد ندوى أو مؤتمرعام لمناقشة أوضاعنا الداخلية وترتيب بيتنا الكلداني كباقي مكونات شعبنا العراقي لشن هجوماً مضاداً عليه حتى قبل إنعقاده ومعرفة تفاصيله، أو نشر مقالة لكاتب تنبعث من ثناياها ذكريات تاريخية لينقضوا عليه بعدد من التهم المبتكرة ( إنفصالي إنشقاقي إنقسامي إنشطاري نهضوي قومجي……) وشتى انواع النقد الجارح والتعليق الساخر والإتهام الباطل ، فبحثت على الشبكة العنكبوتية عن تعليقات مقتضبة لهم أو مجرد سطور أو مجموعة كلمات تؤيد منحنا ولو حقاً من حقوقنا الدستورية المشروعة ، أو على أقل تقدير تناقش ما طرحته لإثبات نزاهة دعواتهم ومصداقية إدعاءاتهم وإلتزامهم بالشعار الذي ينادون به ، ولكن بكل أسف لم يسعفني حظي لأستمتع بقراءة أي من وجهات نظرهم.
وكنت أأمل من بعض الساسة الذين يتسنمون مناصب رفيعة ومسؤوليات في عدد من المواقع ويعلنون دوماً حرصهم على لم الشمل المبعثر (للسوراي) وتوحيد خطابنا السياسي ، أن يوجهوا عدداً من أقلامهم لمناقشة ولو إحدى الفقرات التي وردت في المقالة أو نشر توضيحات لإظهار حسن نواياهم أو حتى محاولة نفي التهم الموجهة لبعضهم، وأضعف الإيمان شرح وجهة نظرهم وتطييب خواطر وطمأنة المثقفين والقراء المهتمين بشؤوننا والبسطاء من أبناء شعبنا الذين يؤيدونهم في شعاراتهم من منطلق تجاوز الواقع المشتت المخجل الذي نعيشه ومعالجة نزيف الهجرة الذي يوهن جسدنا المتعب في الوطن .
فإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على غياب لغة التعامل الشفاف النزيه مع المستجدات التي تفرض نفسها على مجريات الاحداث على الساحة القومية ، ومحاولة القفز على الحقائق الموجودة على أرض الواقع ، لا بل الإصرار العلني على عدم التنازل عن المكتسبات والغنائم التي حصلوا عليها في غفلة من الزمن ، حينما إستغلوا حالة الفراغ السياسي في خضم الفوضى التي أعقبت سقوط النظام السابق ، وربما لانهم لا يملكون تفسيرات وقرائن وأدلة مقنعة للدفاع عن الأفكار والشعارات التي ينادون بها ، أو لكونهم سائرون على الدرب بكبرياء وتعالي وثقة مطلقة بالنفس ، ولا يعيرون أهمية للنقد الهادف المخلص البناء ويرفضون إسلوب الحوار الأخوي الصريح مع المكونات الأخرى لشعبنا لإعتقادهم أن الأرض التي يقفون عليها صلبة ، ولا يمكن لأحد منازلتهم ومقارعة من يؤازرههم .
كما أن تجاهل كافة الدعوات والمقترحات والنداءات يثبت صحة مواقف وتحليلات وإستنتاجات ما ينشره ويطالب به كتابنا الكلدان ، كما يؤكد أن الشعار الذي يرفعونه ، لا يعترفون به أنفسهم ، ولا يؤمنون بواقعيته وإنما يسخرونه  لإجتياز مرحلة مصيرية من تاريخهم ، لخداع البعض من أبناء شعبنا لبعض الوقت من أجل تحقيق مصالح شخصية وحزبية وتنفيذ أجندات سياسية مرسومة .
ومن هذا المنطلق تبرز حقيقة لا تقبل الشك والتأويل ، إن المعطيات والشواهد التي ظهرت على المسرح العراقي والأحداث الدراماتيكية المثيرة للجدل بعد عام 2003 ، تؤكد بأن هنالك قوى متنفذة خفية ، مصممة ليس فقط على تهميش وإلغاء دور الكلدان وإزالتهم من الخارطة السياسية للعراق ، لا بل تضييق الخناق عليهم لتهجيرهم وإقتلاع جذورهم التاريخية من أرض أبائهم وأجدادهم وتشتيتهم في أصقاع الدنيا لينصهروا في مجتمعاتهم الجديدة بتقادم الزمن كذوبان مكعبات جليدية صغيرة في وعاء ماء كبير ، وبعد مرورعقود وتعاقب أجيال ستضمحل وتُنسى كلمة إسمها قومية كلدانية في المهجر كما يتوقعون ، وتبقى الأشورية فقط الهوية لشعبنا المسيحي في الوطن طبقاً لتخطيطهم ونهجهم المتعصب وبموجب المعادلة غير المتوازنة التي يحاولون فرضها على المنطق العلمي بالقوة .
 وما جرى بعد سقوط النظام السابق من إستهداف الكلدان والكاثوليك تحديداً وخاصة في بغداد ونينوى وكركوك ، من تفجير لكنائسهم ومطاردتهم وتهجيرهم من دورهم وإختطاف وقتل أبنائهم ومحاربتهم في وسائل عيشهم وقطع أرزاقهم، إضافة إلى إستشهاد عدد من أساقفتهم وكهنتهم ، مخطط مبرمج لا يمكن سبر أغواره ولا إدراك أبعاده الأن إلا بعد فوات الأوان وحينما تُوضع اللمسات الأخيرة للحلقة الختامية قبل عرضها على المشاهدين ، ولكن كل المعطيات ومجريات الأحداث التي نشاهدها تمر من أمامنا ، وما يطفوعلى السطح من فقاعات نتيجة ما يدور في الاعماق ، يبرهن على صحة هذا الإستنتاج دون تحليل دقيق وبذل عناء التفكيرالطويل .
ووصولاً لهذا الهدف ، يبدو أن هنالك سيناريو أخر في إقليم كردستان تنفذه شخصيات مؤثرة يقضي بإبعاد الكلدان عن الساحة السياسية وعدم فسح المجال أمامهم لتسنم أية مناصب رسمية أو مواقع إدارية إلا بشروط معروفة إضافة إلى قطع المعونات المالية عن تنظيماتهم وشن حملة غير معلنة عليهم من كافة القواطع لتطويقهم وإرغامهم على الإستسلام ورفع الراية البيضاء فوق مقراتهم المحاصرة منذ سنوات للتخلي عن قوميتهم والإنصهار في بوتقة الأشوريين لكي تختلط عليهم الأمور وتتضبب صورة هويتهم بعد تداخل ألوانها مع غيرها فتفقد ملامحها وخصائصها وهو الأمر المطلوب ، فيصبح الكلداني ( إسمه بالحصاد وهو موقوف ومنجله مفقود)  فتُطوى صفحة تاريخه وتمزق بطاقته الشخصية ويصبح كالبدون . بيد أن الحسابات النظرية قد لا تتطابق في كثير من الأحيان مع ما موجود في البيدر، وما يُخطط  له في دهاليز الليل البهيم قد يمحوه شعاع الشمس الجميل .
ولكني أعود وأقول : أليس من الأفضل لكافة أبناء شعبنا أن نجتمع جميعاً كعائلة داخل خيمة واحدة ، تستند على ثلاثة أعمدة ثابتة تكون في الأرض راسخة ، لنناقش وضعنا بمحبة وصراحة متبادلة ، بدلاً من الإبحار في مراكب متلاصقة ، نحو مراسي متناحرة ، قد تعصف بنا خلالها رياح عاتية ، ونضل الطريق بسبب أمواج البحر العالية ، قبل أن نكمل رحلتنا إلى أهدافنا الواعدة ؟
                                              22/11/2011

You may also like...