لقاء وحوار مع المخرج العراقي فارس دانيال

 

أعداد اللقاء والحوار

هيثم ملوكا

المقدمة:-

تعودنا ان نلتقي بين فترة واخرى مع شخصيات دينية وسياسية وفنية معروفة لنلقي الضوء على آخر المستجدات والأعمال لديهم واعطاء الصورة والخبر المباشر للقراء الكرام .واليكم هذا الحوار الشيق الذي اجريته مع الفنان فارس دانيال الحائز موخرا على جائزة العنقاء الذهبية الدولية.

 

س – من هو الفنان فارس دانيال ؟

ج – فارس دانيال ، عراقي مسيحي ، من سهل الحضارة والتاريخ سهل نينوى ، انتمي الى شعب اصيل ، بلدتي قره قوش ( بغديدي ) من مواليد 1961 م، افتخر اني من بلدة الثقافة والفنون ، من مسقط رأس المهرجانات الثقافية ، من بلدة الابراج التي تعانق السماء ، من أبناء الطاهرة الكبرى تلك الكنيسة الشامخة كشموخ ابنائها التي تصحوا على اصوات النواقيس ، بلدتي يشقها شارع العشاق ، هي بغديدي التي احببتها وتركتها مرغما .

س – هل لنا ان نتعرف على بداياتك في التمثيل والأخراج والكتابة ؟

ج –  كأنك تسألني أن أختصر حياتي كلها في سطور ، فأنا لا أتذكر من حياتي سوى تلك السنين التي قضيتها بين اروقة معهد الفنون الجميلة واكاديمية الفنون الجميلة والفرقة القومية للتمثيل ، وفرقة المسرح الشعبي والستين كرسي ودائرة السينما والمسرح ، هكذا كانت حياتي محطاتها الفنية غزيرة ، كممثل كانت لي رحلة بين عمالقة الفن العراقي والعربي ، بدأت المسيرة على يد الفنان التونسي الكبير محمد المنجي بن ابراهيم حيث كانت انطلاقتي كبطل على المسرح ، ثم تنقلت بين أيدي فنية امينة بدأت بالدكتور عقيل المهدي في مسرحية الضفادع لأرستو فانيس وكانت اول بطولة لي في الاكاديمية ، اعقبتها مسرحية مشعلوا الحرائق ومسرحية الحارس للدكتور شفيق المهدي ، ثم مسرحية كليوباترا للمخرج الكبير سامي عبد الحميد ،والسياب للدكتور عقيل مهدي ، لقد تتلمذت على يد عمالقة المسرح ، فحين اخرج من محاضرة للأستاذ بدري حسون فريد وادخل اخرى للدكتور عوني كومي ثم جعفر السعدي فأسعد عبد الرزاق ود .مرسل الزيدي ، ونعلمت الكثير علي يد الكبير بهنام ميخائيل ، تلك مسؤولية كبيرة ، تلك امانة ارجو ان اكون قد اوفيت بجزء منها .وايضا على صعيد التلفزيون والسينما عملت في عدد كبير من الاعمال منها سور الضباب للمخرج اكرم كامل والشافعي للمخرج هاشم ابو عراق وفلم العربة والحصان للمخرج محمد منير فنري وايضا افلام سينمائية مع الكبير محمد شكري جميل وسلام الاعظمي ، كما قمت بالمشاركة في اعمال عربية مهمة منها مسلسل المتنبي للمخرج فيصل الزعبي وكان التصوير بين العراق وسوريا ولبنان وايران ،ومن ثم رحلتي الى الاردن وهناك انتميت للمعارضة حينها وقضيت ايام هي الأصعب في حياتي مهددا من قبل الحكومة العراقية السابقة ومجهول المصير حينها ، حيث كنت انتظر عراقا جديدا نتمتع فيه بابسط مقومات العيش الكريم ، لكن من المؤسف حقا، ان من جاء ليحكم العراق لم يكن افضل من الذي غادر ، وهذا موضوع لا اريد الخوض فيه كثيرا ، فقد يصيبني ويصيبك بالغثيان ، المهم واثناء رحلتي تلك عملت في الاردن في مسلسل سلطانة ومسلسل دعاة على ابواب جهنم للمخرج محمد الحزوز وشاركت عمالقة التمثيل العربي في تلك الاعمال بعد عودتي الى العراق وسقوط النظام السابق شاركت في تأسيس تلفزيون اشور ، مع صديقي عادل دنو الذي عمل بكل مثابرة وجد لأجل ارساء دعائم وسيلة اعلامية رصينة ، لكن من المؤسف انها انتهت بعد رحيلنا وتحولت الى قناة بسيطة وغير مرئية اعددت الكثير من البرامج واخرجت عددا اخر ، اضافة لكوني مدير فني في القناة ، بعدها تحولت الى وزارة الهجرة والمهاجرين ، وشغلت منصب مدير اعلام في الوزارة ومن ثم ناطقا رسميا باسم الوزارة ، وهناك رأيت العجب العجاب ، وادركت ان العراق ذاهب الى حيث الاسوأ أصتدمت في حينها مع الكثيرين نتيجة معارضتي للفساد والروتين ، فحالوا تصفيتي في عمليتي اغتيال خرجت منها بقدرة الله وبخسائر نفسية كبيرة مع اصابة ابنتي في أحدى تلك العمليات ، فقررت حينها مغادرة العراق رغم رفض الوزير مرارا لأستقالتي ، لكنني قررت أن انجو  بما تبقى لي من أنسانية ، وان لا اتلوث او احيد عن اهدافي .

س – هل حاولت بعد هجرتك وقدومك الى استراليا تأسيس فرقة مسرحية مع فنانين استراليين.

ج – نعم لكن الاسف يلازم تلك النعم ، حاولت مرارا تأسيس فرقة مسرحية ، لكن الظروف هنا في استراليا ليست كما يتصور البعض ، هنا الناس منشغلين بإمور عيشهم ، واحيانا يعتبر المسرح ترفا لا حاجة لهم به ، حاولت بكل جهدي وما زلت احاول وقد انجح في ذلك مع بعض الموهوبين والفنانين لتأسيس صرح يليق بإبناء جاليتنا ، فنحن هنا نفتقر لوسائل الترفيه والتفاعل ، هناك فقر كبير في مؤسسات ثقافية فاعلة ، قد نستثني من ذلك بعض التجمعات منها ملتقى سورايا الثقافي الذي يديره الأخ الدكتور عامر ملوكا ، ويحاول جاهدا توسيع رقعة الوعي والمعرفة في ملبورن لكن ذلك يحتاج دعما من الجالية وبكل انواعه ،حاليا هناك بوادر لتأسيس فرقة مسرحية ، وقد نبدأ قريبا في باكورة اعمالها ، وهناك ايضا فكرة انتاج مسلسل من تأليفي ومسرحية من تأليفي ايضا لكن مع هذا استطعت مع زملائي الخروج بمهرجان ثقافي كان ربما الافضل من نوعه وقدمت فيه اوبريت ومسرحية وفلمين قصيرين بالامكانيات المتاحة ، كذلك اشارك على الدوام بتقديم المهرجانات الشعرية وغيرها من المناسبات الثقافية كذلك اخرجت عملين للتلفزيون هنا في ملبورن وكان ابطالهما من ابناء الجالية العراقية والمصرية اضافة الى اعمال مسرحية لعدد من المنظمات النسائية.

حضر اللقاء الدكتور عامر ملوكا

س – كانت لك رحلة الى العراق قبل ثلاث سنوات تقريبا ، هل لنا ان نتعرف على منجزك اثناء رحلتك التي طالت سنتين ؟

ج – نعم سافرت الى العراق بدعوة من وزارة الثقافة العراقية لحضور مهرجان مسرحي ،وتكفلت الوزارة بمصاريف السفر والاقامة حينها ، وولدت فكرة كتابة سيناريو فلم سينمائي اثناء لقائي بفنانة عربية من تونس اثناء المهرجان المسرحي ، رأيت بغداد في عيونها ووجدانها ، وبدأت اتجول في بغداد معها ومن ثم اعود الى الفندق لاكتب يومياتنا ، وخرجت بعدها بسيناريو جميل ، قدمته لدائرة السينما والمسرح ووافقت عليه مباشرة ، ومن ثم انتجته وزارة الثقافة لصالح ايام بغداد عاصمة الثقافة ، اخرجت الفلم في ظروف شبه مستحيلة ، واستضفت الفنانة السورية رولا الابيض لإداء دور البطولة معي ومع ضيف الشرف الفنان الكبير نزار السامرائي وفنانين اخرين ، وسط روتين قاتل ، وتعامل غير حضاري من الوزارة والدائرة على حد سواء ، كان الفلم اشبه بطفل يولد في ساحة حرب ، ومن المؤسف ان تدار الوزارة بهذا الشكل وهي حاملة لرسالة الثقافة العراقية ، انها وزارة لا تصلح لادارة مشروع فني بسيط وليس لادارة ثقافة بلد من اعرق بلدان الدنيا .

احدى صور التحضير لمسلسل سفينه سومر

بعدها تم تكليفي بالاشراف على افتتاح مهرجان بغداد عاصمة الثقافة ، فاشرفت على عمل كبير للأفتتاح ومثلت فيه دور الحلاج ، وايضا كان هناك خروقات كثيرة لا مجال لذكرها الان ايضا ،تم تكليفي بتصميم (ديكورات ) افتتاح مهرجان بغداد عاصمة الثقافة ، وتم ذلك ايضا بأشرافي ، ودائما هناك ما يعيق عملية الابداع وسط الفساد المستشري ، ودائما لا تكمل فرحة المثقف والفنان حين يصطدم بالمبتزين وسماسرة الفن اشتركت ايضا اثناء وجودي في بغداد خلال السنتين باعمال مسرحية منها ( تذكر ايها الجسد ) للفنان محمد مؤيد ومثلت دور الجسد ، وايضا شاركت في بطولة فلم بيدق للمخرج انمار السبتي ومسلسل كوميدي للمخرج هاشم ابو عراق كما اخرجت اربعة افلام وثائقية عن تراث بغديدي وعن التغيير الديمغرافي ، ومن المؤسف اني تركتها في قره قوش اثناء احتلالها حيث كنت يومها في بغداد ، وأملي ان يكون الداعشيون اغبياء كعادتهم ويتركوا ما ليس لهم منه نصيب ، فلا اعتقد انهم يعون قيمة الفن وقد يتركون تلك الافلام لان سرقتها لا تغنيهم كسرقة محتويات بيوتنا وقبل عودتي بايام عرضت علي بطولة مسلسل تلفزيوني ، وبعد قرائتي النص اعجبت بالعمل عموما والشخصية خصوصا ، فمكثت اربعة اشهر اضافية لانهاء تصوير مسلسل ( سفينة سومر ) للمخرج الكبير علي ابو عراق واسند لي دور العالم والباحث هيدرال ، وتم تصوير الاحداث بين العمارة والناصرية والبصرة وبغداد ، شارك في المسلسل نخبة من نجوم الفن العراقي .

مع محافظ ميسان وكادر مسلسل سفينة سومر

س – بعد كل هذه الرحلة علمت ان لك عودة الى العراق ، هل فعلا ستعود بعمل فني ؟

ج – منذ اكثر من سنة وأنا منشغل بأمور العراق عموما واهلنا في سهل نينوى خصوصا ، هذا الشغف والانشغال تحول الى سيناريو كبير ، هذه المرة سابحر في ألم اهلنا المسيحيين المهجرين قسرا ، ساطرح قضيتهم في فلم وثائقي كبير ، ساتناول تاريخهم وحاضرهم ، ارثهم الحضاري وألهم اليومي ، اقصائهم وتهميشهم ، اطرح قضية أهل الارض الأصلاء وكيف تحولوا الى ضيوف ، اهل البيت كيف اصبحوا يسكنون الخيم ، اهل المضايف كيف حولوهم الى بشر يعيشون على مساعدات المنظمات ، هذا لا يليق بشعبنا ، هذا ما ساطرحه وقد تهيأت له فعليا ، ولان الفلم بطبيعته سيكون مكلفا حيث سيتم تصوير احداثه في كل من العراق وتركيا والاردن ولبنان ، لذا تم اقتراح لجمع التبرعات من اهلنا الخيرين ، وقد ابدى الكثيرين استعدادهم لهذا الغرض ، حيث سيكون الفلم اول فلم حقيقي يروي قصة شعب عريق ، شعب مكافح ، وكيف تم تهجيره ، واسباب ذلك ، وكشف اللعبة التي اديرت تحت الطاولات ، سنكشف الاجندات كلها دفعة واحدة ، فمن يخاف على ارضه وتاريخه لا يخاف من شيء سيكون هذا الفلم وثيقة يعتز بها مسيحيي العراق ، وايضا سيعرّف العالم بتاريخ وحضارة هذا الشعب ، وكيف يتم تدمير ارثه واثاره وحضارته   فاضحينا نسكن الخيم .  ، سندين الدول التي كانت سببا ، تلك الدول التي وعدتنا بالتحرير

الفنان فارس دانيال منهمكا في التحضير لمسلسل سفينة سومر

 

كلمة الختام اخيرا اشكرك اخي الفنان المثابروالكاتب هيثم ملوكا ، شكرا لسعة صدرك ، شكرا لمتابعتك المستمرة لشؤون وشجون الفنانين والمثقفين في ملبورن ، اتمنى لكم النجاح والتوفيق ، ولشعبنا العز والسلام بعون الله.

لقطة من التحضير لمشهد من مسلسل سفينة سومر

من كواليس مسلسل  سفينة سومر

 

تم هذا اللقاء في مدينة ملبورن/استراليا

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *