لا عجب!!

قد يرى البعض مقالي هذا جارحا ً بعض الشيء , أو مبالغا ً فيه .. وهذا سوف
لن يغير من واقع الحال شيء إذ أن الواقع هو الواقع دائما ً , ولم أكتب مقالتي هذه
إلا تعبيرا ً عما وصل إليه الحال ولازال لبلد وشعب سائر الى المجهول مع حزني وأسفي
الشديدين لكل ما يحدث , ولكي نصلح الخلل لابد أن نكون واقعيين ونعترف بالحقائق كما
هي لا كما نريدها .. مع أحترامي وتقديري لكل الآراء .

ولندخل في صلب الموضوع نقول : قد لا يكون كل ما نسمع صحيحا ً أو ما نقرأ هو
الحقيقة بعينها .. ولكن ( لا دخان بلا نار ) كما يقول المثل , وبأختصار وبساطة
شديدين فأن كل ما يحدث من عجائب وغرائب في بلدنا ( العراق ) من تناقضات لا حد لها
الى ملابسات ومفارقات تدعو الى البكاء من شدة الضحك ! والأندهاش أحيانا ً
والأشمئزاز أحيانا ً ووقفات وتأمل أحيانا ً أخرى .. وأحيانا ً تقود الى متاهات لا
نهاية لها ولا حد ! لهو نتيجة أفعال وممارسات من داخل مجتمعنا نفسه , ولنكون
صريحين وواقعيين فأن الكثير منا لهم فيها دور مباشر أو غير مباشر .. سواء عن قصد
أو غير قصد !
فالأكثرية إن لم يكن الكل تدين أداء الحكومة والمسؤولين والتقصير في الكثير
من الأمور والمسؤوليات كإدارة وأمن وخدمات .. ألخ ..
الأكثرية تلقى باللوم على الأحزاب والمؤسسات الحكومية ..
الأكثرية تشيد بتقصير البرلمان في الأداء وعدم تحمل المسؤولية والأهمال
كونه أعلى مؤسسة تشريعية لها الأولوية في أتخاذ القرارات فيما يخص حياة المواطنين
اليومية ..
الأكثرية تدين أداء الوزارات والوزراء والمدراء والدوائر ..
الأكثرية غير راضية عن أداء الرئاسات الثلاث ( الجمهورية والوزراء
والبرلمان ) ..
الكثير من الكتاب والمثقفين يكتبون ويتناولون العديد من الحالات الجماعية
والفردية وعلى جميع المستويات من تقصير في الواجبات وعدم تحمل المسؤولية الكاملة
والفساد المستشري في كل المؤسسات والحالة الكارثية التي يعيشها البلد ككل !
الكل مؤمن وواثق بأن الفساد قد ضرب كل المفاصل دون إستثناء لا بل وأصبح
ممارسة يومية ! مرئية وملموسة من الكبير الى الصغير في الدوائر والمؤسسات دون رادع
أو خوف من أي مسائلة أو محاسبة ..
وحدث ولا حرج عما يحدث من الكثير من الأمور .. وعلى مستوى مجتمعنا ككل ..
والسؤال هنا بكل صراحة وبساطة .. لماذا الكل ساكت عما يحدث ؟
هل أصبحنا نرضى الظلم ؟ هل نحن راضون عن التقصير وعن الأخطاء ؟ هل هي
المصالح الضيقة في غض الطرف عن كل ذلك ! أم أن الحس الوطني أنعدم الى هذه الدرجة ؟
إنطلاقا ً من مقولة ( آني شعليّه ) ! أم هو القبول بالواقع مهما كان وكيفما كان ؟
أم ماذا ؟؟
نحن من ضمن هذا كله .. طالما أنه يحدث في مجتمعنا .. نحن الذين نقول ونفعل
ونمارس .. وبالتالي فالمردود سينعكس علينا ..
إذن لا عجب ! طالما أن الكل يرى ويعلم .. والأكثرية لا تحرك ساكنا ً ! لا
بل أن البعض يحارب الحق ويدافع عن الباطل بالكثير من الممارسات والأفعال ..
لا عجب طالما أننا رضينا بالحال , لا بل أصبح الشذوذ هو القاعدة مع الأسف
في الكثير من الأمور اليومية ..
نرى الصح ونتبع الخطأ , نرى الصدق ونتفق مع الكذب , نرى الحقيقة ونركض وراء
السراب , نرى الظلم والتقصير والنفاق والأزدواجية في التعامل والتصرفات والمواقف
.. نفسر ونستنتج كما يحلو لنا .. نحلل ونحرم حسب ما نريد وكيفما نريد .. ووووو ..
لا عجب طالما أننا نفعل مالا نقول .. ونقول مالا نفعل !
سياسيونا وقادتنا مختلفين ومتخاصمين , مسؤولونا متناقضين , أحزابنا متناحرة
, قومياتنا متشرذمة وأطيافنا متباعدة , كل يريدها لنفسه ومهما كان الثمن ( هو وبس
والباقي ….. ) طامع في الأكثر والأكبر .. لا تقارب ولا إتفاق .. ولا مصالحة ولا
ضمير ولا ولا ولا ..
نحن من فعل ويفعل .. ونحن من دفع ويدفع الثمن ؟!
ولا عجب ..
ألسنا من قتل بعضنا البعض على الهوية ؟
ألسنا من خطف وهجر بعضنا البعض ولا زال ..
ألسنا من أرتكب الجرائم لأختلاف الدين والمذهب والقومية ..
ألسنا من تطرف وأنقسم وأختلف لأتفه الأسباب ..
ألسنا من ننافق ونبدي الولاء والرياء من أجل المصالح الضيقة والشخصية ..
ألسنا من ضحى بالكثير من الأشياء الجميلة .. للا شيء ..
ألسنا من نهب المتاحف وسرق الآثار ودمر حضارة الأجداد ..
ألسنا من أوصل البلد الى أسوأ حال ..
ألسنا من يخضع ويطيع دون أي إعتراض أو نقاش ..
ألسنا من يسكت عن الحق ويغتاله آلاف المرات ..
ألسنا من يؤله الحكام والقادة ثم نلعنهم ..
ألسنا من أحرق الدوائر والمؤسسات ونهبها تحت العديد من الأعذار ..
ألسنا من يتعامل بالمحسوبية والمنسوبية والعشائرية على حساب النظام
والقانون ..
ألسنا من يضع اللوم على الطرف المقابل دائما ً ..
ألسنا من يتهرب من أبسط المسؤوليات ..
ألسنا من لا نتعظ ونصحو رغم كل ما حدث ويحدث ..
ألسنا من فعل كل ذلك ولا زال ..
ليس الكل طبعا ً .. لكن المعاناة هي للكل .. والأذى هو للكل .. وضياع الوطن
خسارة للكل ..
لا عجب .. فالأذى + الضرر = الخراب والدمار ..
ولا عجب ..
الحقيقة مرة دائما ً .. لنقبل بالحقيقة ومرارتها كمرارة الدواء الذي يشفي
.. ومن يدري فقد نشفى ونصحو قبل فوات الأوان .. ولا عجب .

      غسان
حبيب الصفار

17 / 10 / 2012 / كندا

You may also like...