كيف يمكن أن نعيش حياة خالية من التوتر؟

كيف يمكن أن نعيش حياة خالية من التوتر؟

كاتب المقال: سوامي بارثاساثي، وهو مؤلف مشهور حول العالم، ومتحدث في فلسفة “فيدناتا” الهندية القديمة، يدير مركزا للأبحاث في مومباي بالهند يدرّس فيه الطلاب من كل أنحاء العالم، الآراء الوارد في المقال تعكس وجهة نظر كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر لـ CNN.

إن الناس من كل أنحاء العالم يعتقدون بأن التوتر الذي يعيشونه في حياتهم يأتي من عوامل خارجية، أحدهم يشكو من زوجة متطلبة أو من زوج عصبي، آخرون قد يجدونه في مكان العمل من مدير قاس أو حتى من عوامل الطقس، فيشتكون من أن الصيف حار للغاية والشتاء شديد البرودة.

إننا نعيش حياتنا ونحن نعتقد بأن العوامل الخارجية هي ما تولد التوتر في داخلنا، ونركز جهدنا في محاولة تصحيح العالم من حولنا، ولكن مهما بلغ الجهد الذي نبذله فإن تلك العوامل والمشاكل في الخارج لن تجد حلاً وسنظل عالقين في دائرة التوتر التي نخلقها لأنفسنا.

المتعة أو الألم، السلام أو التوتر، هذه أمور لا يمكننا أن نجدها فيما يحيطنا، بل بالعلاقات التي تربطنا بما وبمن حولنا.

فعلى سبيل المثال يمكن لأحدهم أن يشعر بالسعادة بتدخين السجائر، وآخرون قد ينفرون من رائحتها، قد يذهب رجل لطلب الطلاق من امرأته بينما قد ينتظر آخر الزواج بها، وهكذا فالسجائر التي قد تتسبب بالمتعة لأحدهم يمكنها أن تسبب الألم للأخر، والمرأة التي قد تدعو رجلاً للسعادة قد تتسبب بالألم لآخر.

العلاقات الاجتماعية مهمة في حياتنا، سواء كانت في العائلة أو في العمل، وقلة الروابط الاجتماعية الملائمة يمكنها أن تسبب شعورنا بالإحباط، وتؤدي إلى التوتر، ولسخرية القدر، فإن الإنسان يحاول أن يعثر على “الشريك المناسب” ولكنه يفشل في بناء “العلاقة الأنسب” مع ذلك الشريك، وبهذا فإنه يفقد السلام والطمأنينة.

إنه لا يهم من تلتقي أو ما الذي تواجهه في هذه الحياة، بل ما يهم هو كيفية تعاملك معه، فعلاقتك مع العالم تعتمد كلياً على شخصيتك الداخلية، التي تعتمد بنفسها على عاملين: العقل والوعي.

فالعقل يرغب ويشعر، والوعي يصدر القرارات والأحكام ويوازنها، وعندما يفقد الوعي السيطرة على العقل عندها تشعر بعدم الارتياح، فالتوتر يولد بسبب الغضب العقلي الذي يصدر عن الرغبات التي لا يمكننا تلبيتها، لذا فإن المتطلب الأساسي لعيش حياة خالية من التوتر تتمثل في تنمية الوعي كي يتحكم بالرغبات.

إن الوعي يعد جزءاً مميزاً من الذكاء البشري، فالذكاء بشكل عام يعمل على تخزين المعلومات والمعرفة التي نستمدها من المصادر الخارجية والمراكز التعليمية، من الأساتذة ومن نصوص الكتب، ونمو الوعي غير مرتبط بالذكاء، الذي يتوجب العمل على تطويره من خلال تعزيز ملكات التساؤل والتفكير المنطق في الإنسان.

وبحال غياب القدرة على تطوير الوعي، يفشل الناس في فهم الطبيعة من حولهم، وبأن كل إنسان مميز ومختلف عن غيره، وكل منهم محكوم بطبيعته أو طبيعتها الخاصة.

ولهذا يتوجب علينا أن نحلل طبيعة كل إنسان على انفرد، ولكن القليل منا يتبعون هذا الأسلوب في التعامل مع غيرهم، ومن دون التقييم الفردي لا يمكنك أن تربط نفسك بالآخرين بالشكل المناسب، ولهذا فإنك تتوقع بأن يتصرف الناس من حولك بطريقة مختلفة عن طبيعتهم الأساسية.

كيف يمكنك أن تتوقع بأن مديرك القاسي سيتعامل بأسلوب هادئ في المكتب؟ وكيف يمكنك أن تتخيل بأن زوجتك المتطلبة يمكنها أن تكون أكثر تفهماً في المنزل؟ وكيف تتوقع بأن يتحول أولادك المراهقون الفوضويون إلى أناس عاقلين وبالغين؟

وإن فشلت في تقييمك لشخصياتهم المنفردة، فإنك ستصدر الأحكام الخاطئة عليهم، وستعزو تلك الأخطاء لمن يقومون بالتعبير عن “الهفوات” بطبيعتهم الداخلية، ولن تدرك بأنك تتوقع منهم بأن يتصرفوا على غير طبيعتهم، وبهذا فإنك تتوقع المستحيل.

إن الشعور بالأمل المزيف وتوقعاتك المخيبة للظن هي التي تتسبب لك بالتوتر، كأن تقول متأوهاً: “يا إلهي لماذا لا تتحول زهرة الزنبق هذه إلى شجرة سرو.”

ولا يجب أن ينحصر تقييمك على الناس فحسب، فهنالك تقييم لطبيعة البلد الذي تعيش فيه، وطبيعة المجتمع الذي ترتبط معه والشركة التي تعمل لديها.. إلخ.

وسأذكر مثالاً على إحدى التقييمات الخاطئة، إذ يشتكي بعض الناس من الطقس، فكل صباح يتذمر البعض من الوهج الشديد لأشعة الشمس، وقد يتذمرون أيضاً بسبب اختفاء ذلك الوهج، إن تقلبات الطقس يجب أن تؤثر على المراوح المولدة للطاقة، وليس علينا نحن البشر، إلا أن الناس يصبحون وكأنهم مرضى بانفصام الشخصية بسبب التغير الطبيعي للطقس، إذ يتذمرون لبرد الشتاء أو لحر الصيف، أو البلل بمواسم الأمطار، الشكاوى لن تنتهي على الإطلاق.

وعندما يقع خطأ ما في العالم الخارجي فإنه يمكن تصحيحه، إن تمكنت من ذلك، ولكنك لن تتمكن من تصحيح أي شيء إن لم تستطع التعايش معه، وإن لم تتمكن ستشعر بالإحباط والتوتر.

تذكر دائماً: أنت تصنع ذاتك، أنت تفسد نفسك وأنت قادر أيضاً على بناء مستقبلك وقدرك، وأن المهندس الأساسي في إصلاح حظك السيء.

تعلم بأن تتمعن بالناس من حولك بالمخلوقات والأشياء، بالمناخ والمواقف، انظر إليها كما هي عليه، وليس كما تتوقع أو تأمل أنت، وبهذا ستنجح في تقدير المعجزة الهائلة للطبيعة، وأن تحرر نفسك من قيود التوتر.

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *