كيف يتحقق سلام الله بالمسيح ?/ سمير شيخو

 

أن السلام لايحدد فقط في عدم الحرب الحرب وعدم العنف وعدم البغض والخصام , بل يجب ان يكون حالة كاملة في كيان الانسان وهو بذلك يكون مرادف للحياة والخلاص والراحة والطمأنينة والامان فيشمل كل الانسان زمنيا وروحيا , أي علاقة الانسان بجسده ومع الطبيعة والكون ومع البشر والله . فالله هو اله السلام وهو واهبه .                                                                                                        

هناك فكرة كانت موجودة عند اليهود ( وهم وحدهم كانوا يعرفون الله وسط العالم الوثني انذاك) وهي ان الله هو اله الحرب لانه يحارب بجانب شعبه ويمنحه الخلاص والحياة والسلام بواسطة الحرب ( ولازالت هذه الفكرة تظهر من حين لآخربشكل او بأخر , عند الذين يعرفون الله على اختلافهم, والتي تسبب الكثير  من القلق , كأدّعاء جورج بوش يأن الله قال له أن يذهب ويحتل العراق  , وغيره من الاصوليين من التيارات المختلفة والتي تختلف بطابعها الديني والمذهبي وأسلوبها , ألاّ ان جميعها تعمل ضد الله والانسان وبأسم الاديان السماوية خدمة للصهيونية العالمية وطمعا بالمال والشهوة . فاذن كانت هناك فكرة قديمة كما قلت تجعل الله اله حرب , ونتيجة لهذه الفكرة الخاطئة ظهر تياران  دينيان عد اليهود أحدهما ملوكي يقف الى جانب  الملوك ويؤيد حروبهم , علنا ان الله هو الذي يحارب معهم , وتيّار اخر هو نبوي يمثله الانبياء يدين الحرب ويشجب كل تأييد ديني للتسلّح من اجل العنف, مؤكدا ان الله هو اله السلام ,  نقرأ في أرميا 6 :13 -14 (أنهم من صغيرهم الى كبيرهم يطمعون جميعا في المكاسب , من النبي حتى الكاهن , يأتون بالكذب جميعا ويداوون انكسار شعبي يأستخفاف , قائلين سلام سلام , وما من سلام ) . والسلام في نظر الانبياء لايمكن ان ينتج عن تحالفات سياسية او حروب كانت تقام في معظم الاحيان في أمم لاتعرف الله, فالسلام في نظر الانبياء  هو عطية من الله , يتضمن اولا العيش في البر والقداسة وأتّباع ارادة الله , والعمل بوصاياه التي تقضي بالعدل والحق والرحمة وسائر اعمال التقوى ,والتي منها ينتج السلام بين الشعوب والافراد,فنقرأ ايضا في ارميا 29 :11 -13 (أن افكاري التي افكّرها في شأنكم هي افكار سلام لابلوى , لأمنحكم بقاء ورجاء , فتدعونني وتذهبون وتصلّون  اليّ فأستمع لكم , وتلتمسونني فتجدوني اذا طلبتموني بكل قلوبكم) . اما الحرب فهي نتيجة الخطيئة في كل انواعها عند الافراد والشعوب. لان الله هو اله البر والعدل والقداسة .فنقرأ في  سفر المزامير لداود النبي 85 : 11 – 12 (الرحمة والحق  تلاقيا والعدل والسلام تعانقا , الحق نبت من الارض , والعدل من السماء طلع ) . وأشعياء النبي يبشر بالسلام ويقرن هذه البشرى بمجئ المسيح المتألم الذي سيحمل الامنا , وسيكون كحمل يساق الى الذبح ويقرّب نفسه ذبيحة أثم , زهكذا يكون سلامنا حيث نقرأ في اشعياء 53 : 4 – 6 ( لقد حمل هو الامنا واحتمل اوجاعنا , فحسبناه مصابا مضروبا من الله ومذلولآ , طعن بسبب معاصينا وسحق بسبب اثامنا , نزل به العقاب من اجل سلامنا ,  وبجراحه شفينا ).وكذلك النبي ميخا يتنبأ في بنوءته( 5  : 1 – 4 )بأن اصول  ملك السلام منذ القديم منذ ايام الازل مشيرا بذلك الى المسيح لانه كلمة الله الازلية  وروحا منه  , والنبي  زكريا ايضا يشير الى المسيح  في نبوءته( 9 : 9 – 10 ) قائلا بأن سلطانه من البحر الى البحر  ومن النهر الى اقاصي الارض  . اذن رجاء الانبياء جميعا باحلال سلام الله سبحانه وتعالى على الارض قد صار حقيقة في العهد الجديد في شخص يسوع المسيح – عيسى ابن مريم كلمة الله وروحا منه  – المخلّص فلمّا ولد انشد الملائكة ( المجد لله في العلى وعلى الارض السلام للناس الذين بهم المسرّة )  الحاملين النوايا الحسنة في قلوبهم . فالانجيل لاينتظر السلام من السلطة الرومانية الحاكمة ولا من الثورة عليها , بل يبشر بمجئ سلام الله بحضور الله نفسه في شخص ابنه بالمفهوم الروحي الذي هو كلمته وروحا منه وهو يسوع المسيح الذي  بشر الناس  كلهم  بملكوت الله , ملكوت المغفرة والمصالحة : مغفرة الله للناس والمصالحة بين البشر وبموته على الصليب حقق تلك المغفرة وتلك المصالحة .                                                                                                                        .

تلك المغفرة المطلقة حيث يرفض المسيح الفرز الفريسي بين الصالحين والاشرار , اي محبة شاملة ومغفرة غير مشروطة ليغفر لهم أباهم الذي في السماوات- الله الآب  – فيكون موقفهم مع جميع الناس على مثال موقفه وموقف الله الواحد بثالوثه الاقدس , ويتصالحوا مع الجميع قبل تقديم قربانهم لله ( شعائرهم الفرضية )  , دون ادانة لئلاّ يدانوا فعلى هذا الموقف يرتكز سلام الله الذي بتطبيقه ينتج  سلام المسيح الذي يتضمّن ايضا التخلّي عن العنف ومحبة الاعداء  ( امّا انا فأقول لكم :  احبّوا اعداءكم وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم لكي تكونوا ابناء ابيكم الذي في السماوات . متّى 5 :43 ). هذا التطلب الالهي  يهدف الى تغيير أسختولوجي للتاريخ البشري المتسم بالعنف والعنف المضاد , ومحبة الاعداء تظهر جليّا بعدم مقاومة الشر  بل مقابلته بالخير , انها تضحية بطولية  كبيرة وصعبة جدا  اذا ما استطعنا بالمحبة تحويل العدو الى الصديق المحبوب والمحب , انه سلام المسيح العظيم الذي يدعو اليه من له اذنان سامعتان الى  سلام التواضع والخدمة التطويباتي سلام الفقراء والودعاء والحزانى والجياع الى مخافة الله  والرحماء وانقياء القلوب وصانعي السلام والمضطهدين من اجل الحق (متّى5: 3- 10 ) , الذي فيه تظهر ارادة الله جلاّ وعلا في شأن علاقات الناس ببعضهم , تلك الارادة التي توضح مشهد الدينونه العامة قد اخذ منذ الان موقفا من البشر استنادا الى تصرفهم تجاه الابرياء والبسطاء والمستضعفين والمهمّشين ( هؤلاء الصغار الذين هم اخوته…متّى 25 :31 – 46 ) . ولايكتفي المسيح باعلان حقوق الفقراء بل يهدف بالقول والعمل الى وضع حد للسيطرة والتسلّط في شتى الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية والدينية ( تعلمون ان رؤساء الامم يسودونهم والعظماء يتسلّطون عليهم , امّا  انتم فل يكن فيكم مثل هذا , بل من اراد ان يكون فيكم كبيرا فليكن لكم خادما , ومن اراد ان يكون الاول فليكن لكم عبدا-  اي مضحّيا. متّى20: 25 ) . ثم نرى ان هذا السلام التطويباتي الغافرللقريب  والمحب  للاعداء الذي بشر به السيد المسيح في حياته, قد  حققه  في موته على الصليب حيث فيه المصالحة بين الناس والله من جهة , وبين الناس ببعضهم البعض من جهة اخرى , حين غفر لصالبيه ومن خلالهم لجميع الخطاة على مدى التاريخ , وبواسطة تلك المصالحة جمع المسيح له المجد حول صليبه البشر جميعا من الملك الى المنبوذ.                                                                           

                 

من هنا يتضح ان سلام المسيح  الذي  منحه لنا بقوّة  روحه القدوس والثابت فينا  هومن جهة  عطية مجّانية  , ومن جهة اخرى هو عمل دائم يقتضي جهد متواصل وسلوكا بحسب الروح القدس  الذي نحيا به  , وبقدر انفتاحنا على عمل الروح القدس فينا نستطيع ان نسهم وبشكل فعّال تحقيق سلام المسيح هذا وسط مجتمعنا وفي العالم , (اسلكوا بالروح فلا تقضوا شهوة الجسد ……فأن كنّا نحيا بالروح فلنسلك بحسب الروح . غلاطية 5 : 16 – 25), أن سلوكنا بحسب الروح القدس الذي ارسله الينا يسوع المسيح هو الذي يثمر فينا محبة وفرح وسلام .

 

سمير شيخو

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

You may also like...