كلمة حق في مجاهدي خلق

في تطور لافت، حث وفد من مجلس النواب الأمريكي عقب لقائه بزعيمة المعارضة الأيرانية مريم رجوي في باريس، الرئيس الامريكي باراك أوباما على اعتبار منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة بديلاً عن الحكومة الأيرانية. وفي اللقاء أعرب الوفد عن دعمه للمنظمة هذه. ويعد هذا التطور الثاني من نوعه بعد الغاء صفة الأرهاب عنها في وقت سابق، من حيث الانفتاح الأمريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام على مجاهدي خلق.

وقد يكون لحادث الاعتداء المروع على سكان مخيم ليبرتي الخاص بأنصار المنظمة في العراق والذي اودى بحياة (6) اشخاص بينهم امرأة وجرح اكثر من (50) شخصاً واحداً من الأسباب التي ايقظت الضمير العالمي الحي تجاه ما تتعرض له المنظمة من ظلم وغبن منذ عقود. علماً ان أعتداءً آخر كان قد طال الأخيرة عندما كان انصارها في مخيم أشرف والذي خلف ضحايا كثيرة بين قتيل وجريح زادت من تعاطف العالم المتمدن وعشاق الحرية مع مجاهدي خلق احدى اقوى وانشط المنظمات السياسية الايرانية المقاومة للنظام الأيراني، دع جانباً عمليات الأغتيال التي لا تحصى والتي شملت أعضاء هذه المنظمة على يد الحكومة الايرانية، واذا علمنا ان الأعتداء على ليبرتي كان من عمل واثق البطاط رئيس حزب الله العراقي والمقرب جداً من ايران والذي اعلن مسؤوليته عنه، الاعتداء، عليه فأن الاعتدائين من عمل إيران ويصنفان على أرهاب الدولة (ايران) في الوقت عينه، وهاتان العمليتان لا تعدان الوحيدة، تصدر من الحكومة الايرانية، فقد سبق للأخيرة وان أرتكبت عمليات عدة مصنفة على الأرهاب، ليس بحق هذه المنظمة فقط وإنما بحق المعارضين الأيرانيين كافة، ومن مختلف الاحزاب والقوميات والأديان والطوائف بل وامتدت لتغطي بلداناً في أنحاء العالم.

بالمقابل وعلى إمتداد عقود لم تقم مجاهدي خلق لا في ايران ولا خارجها بأية عمليات إرهابية، ولم يتردد أسمها في قائمة المنظمات التي مارست العمليات الأرهابية مثل منظمة القاعدة والجهاد وحزب الله اللبناني وانصار الأسلام و يوكوحرام وغيرها من المنظمات الأرهابية التقليدية، وفوق هذا فأن الغرب لم يكن يميز بينها (مجاهدي خلق) وبين الحكومة الايرانية، في وقت كان حرياً به أن يشطب مجاهدي خلق من قائمة المنظمات المصنفة على الأرهاب منذ زمن. ان ضرب المركز التجاري العالمي في نيويورك وعمليات الأرهاب التي وقعت في مدريد وموسكو ولندن وباريس وفي السفارتين الامريكيتين في أفريقيا..الخ من العمليات، لم يكن من صنع مجاهدي خلق كما لا يقبع في غوانتانامو والسجون السرية الأمريكية حول العالم أي فرد من (مجاهدي خلق) فمن أين جئتم بهذه التهمة الظالمة والباطلة لتلصقوها دون وازع من ضمير بها؟ وبالمقابل ايضاً، نجد ان سجل الحكومة الايرانية على مدى الأعوام الماضية حافل باشكال الأرهاب.

ان عدم التمييز بين مجاهدي خلق والحكومة الايرانية من جانب الغرب حالة مثيرة للأهتمام تستدعي من المرء التوقف عندها والتفكير ملياً فيها، بالرغم من ان هنالك حالة اخرى وربما اكثر تفيد باجتماع المتناقضات على دعمها، منها وهذا على سبيل المثال، ان الحكومة العراقية الحالية مدعومة من الحكومتين الامريكية والايرانية في ان معاً، ما يدفع بالمرء الى الشك في مصداقية التعاطي الامريكي الغربي مع إيران والمتسم بالعداء ضد الاخيرة، وبالعكس، اي المواقف الايرانية حيال الغرب. وبخصوص الموقف من مجاهدي خلق، فان السياسة الامريكية والغربية تجاه الصراع الدائر بين المنظمة الايرانية والحكومة الايرانية لم تتوقف عند عدم التمييز بينهما، بل انها انتصرت للحكومة الايرانية ضد خصمها، وإلا ما معنى، ان تكافح الحكومتان الامريكية والايرانية مجاهدي خلق؟ ومع هذا، فان التحول في الموقف الامريكي في الاونة الاخيرة من مجاهدي خلق رغم بطئه الشديد يثير فينا والعالم أجمع افكاراً ومطالبات تنصب على إنصاف مجاهدي خلق وتقديم اشكال من الدعم والمساندة إليها وفي ذلك خلاص للشعوب الايرانية من المحن التي تعاني منها منذ عقود على يد حكامها. واذا كان المجتمع الدولي قد شهد في الاعوام الماضية تغييراً في مواقفه من المنظمات التي صنفته على الارهاب مثل منظمة فتح ورئيسها المرحوم ياسر عرفات حينما ازال عنهما صفة الارهاب وبفضله حقق الفلسطينيون والاسرائيليون مكاسب جمة. رغم عدم حصول تغيير جذري يتكلل بحل الدولتين.

لا شك، ان عدم تسجيل نقطة سوداء ( الارهاب) على مجاهدي خلق طوال الاعوام الماضية يرينا مدى الظلم الذي الحقه اكثر من طرف دولي واقليمي وداخلي ايراني بهذه المنظمة، هذا الظلم الذي أدى الى استفحال التطرف الديني والطائفي والعنصري في ايران ومنها الى اكثرية الدول الاسلامية، الامر الذي هدد ويهدد السلم العالمي بالخطر. وقد ينبري احدهم معترضاً كأن يقول، ان المنظمة هذه ارتكبت اعمالاً إرهابية. هنا نتساءل: هل هناك دولة أو حزب مؤثر في الحياة السياسية لم يرتكبا الارهاب سواء على نطاق جد ضيق لا يستحق الذكر أو على نطاق واسع، وبدرجات متفاوتة؟ حتى الولايات المتحدة نفسها الدولة الاكثر مناداة بمكافحة الارهاب تلاحقها تهمة الارهاب باستمرار في باكستان وافغانستان مثلاً وفي بقاع اخرى من العالم. ثم متى كانت الخصومة والصداقة دائمة في السياسة لكي ينتهج موقف عدائي ضد مجاهدي خلق الى الابد؟

لقد حان الوقت لرفع المظلومية عن مجاهدي خلق لدى اكثر من طرف داخلي ايراني وخارجي كذلك، والخطوة الولى بهذا الاتجاه يجب ان تبدأ من إيران قبل كل شيء والتي تبدو وكأنها تعيش في عزلة من التحولات الجذرية في العالم نحو الديمقراطية ونشر الحريات وتثبيت حقوق الأنسان، واذا كانت هنالك دول مطالبة بالديمقراطية، يقيناً ان إيران تقف في مقدمتها، ان عليها أن لا تتخلف عن ركب المدنية والديمقراطية، فالديمقراطية قدرها مثلما كانت وماتزال قدر جميع الدول والبلدان، وأن اي انعطافة منها صوب الديمقراطية فأنها ستكون ناقصة من دون رد الاعتبار الى مجاهدي خلق ومد يد التعاون اليها للحيلولة دون سقوط ايران في الهاوية، ولاننسى ان مجاهدي خلق قوة كبيرة وكان لها اليد الطولي في حشد الجماهير الايرانية لأسقاط حكومة الشاه، والذي يؤسف له ان جزاء مجاهدي خلق كان القتل والاغتيال والمطاردة وجرد حملات الاعتداءات المسلحة والتصفيات الجسدية عليها وبين حين واخر.

ليس بمقدور حكام إيران أن يبرروا قمعهم الوحشي لمحاهدي خلق بحجة انها مصنفة على الارهاب، ما يبيح لهم الفتك باعضائها وابادتهم، والذي يضعف من حجتهم الان، ان تهمة الارهاب رفعت عن مجاهدي خلق، والأمرٌ ان حظ القوى الايرانية السياسية المعارضة الاخرى من غير المصنفة على الارهاب، كالأحزاب والقوى الكردية والبلوشية والعربية وغيرها، من الارهاب لا يختلف في شيء عن حظ مجاهدي خلق، فحملات الاعتقالات الكيفية بحق افرادها ونصب المشانق لهم في الساحات مستمرة. لذا فان الحكومة الايرانية في تضييق الخناق على معارضيها. لاتميز بين هذه المعارضة أو تلك، والأنكى من هذا ان الولايات المتحدة على مر العقود المنصرمة في الوقت الذي كانت تناصب فيه العداء لمجاهدي خلق إلا أنها في الوقت عينه، كانت وما تزال تهمش المعارضين الايرانيين الاخرين ولا تمد المساعدة إليهم، ما يعني انها كانت تنظر بمنظار واحد الى مجاهدي خلق بدعوى انها كانت (إرهابية) والى بقية اطراف المعارضة الايرانية التي لم تكن مصنفة على الارهاب. لقد كان هذا و ما يزال من العيوب التي تؤخذ على السياسة الامريكية المتسمة بالأزدواجية والانتقائية.

وفي سعي إيران منذ اعوام الى أن تصبح دولة نووية ودولة عظمى، نراها لا تضع ببالها، ان جميع الدول النووية العظمى في العالم باستثناء الصين، ولكل قاعدة استثناء، دول ديمقراطية تعددية حرة، لهذا إذا أرادت ايران أن تصبح دولة عظمى فما عليها إلا أن تكون ديمقراطية تقوم باشاعة الحرية والديمقراطية وتطلق الحرية للشعوب غير الفارسية لتتمتع بحريتها وبحقوقها المشروعة. ان محبي الشعوب الايرانية اذ يتمنون التقدم والازدهار والرخاء لها، فأنهم يتطلعون الى ايران ديمقراطية حرة، ومثل هذا الامر لن يتحقق بمعزل عن الانفتاح على مجاهدي خلق وبقية القوى الايرانية المعارضة. وفي معظم الدول المحيطة بأيران مساع من اجل الديمقراطية واشراك القوى السياسية في ادارة الحكم واجراء المصالحة واصلاح ذات البين، باستثناء إيران التي تغيب من قاموسها السياسي مثل هذه المصطلحات. والذي يتفق بشأنه الجميع، ان ايران بدورها لا بد وان تنتهج في النهاية، نهج الدول المكافحة من اجل الديمقراطية والتعددية.

اكرر، بأنه وقع وعلى امتداد السنوات التي تلت سقوط النظام الشاهنشاهي ظلم كبير على مجاهدي خلق وكل القوى الديمقراطية الايرانية، ولولا ذلك لكان قميناً بالمجتمع الايراني ان يحقق نجاحات عظيمة وان تتحسن صورة حكومته امام الأمم ودول العالم أجمع. فألى متى تمارس حكومة الجمهورية الاسلامية الايرانية سياساتها اللاواقعية ازاء شعوبها و قواها السياسية وعلى وجه الخصوص حيال منظمة مجاهدي خلق. واذا اصرت القيادة الايرانية الحاكمة على نهجها المدمر فلا مناص أن تتجه الانظار والحالة هذه الى المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وكل القوى المحبة للديمقراطية والتقدم والسلام. لأيجاد حل لقضية الحرية والديمقراطية في ايران. وازاء تعنت ايران، فما على المجتمع الدولي إلا التحرك لأنهاء الازمة الايرانية، وان ينتقل من الاقوال الى الافعال أي عدم الاكتفاء بدعم مجاهدي خلق قولاً أو القول انها ستكون البديل للحكومة الايرانية الحالية. ان الانفتاح الجزئي والخجول للغرب على مجاهدي خلق والذي مازال في اطاره النظري والذي تجسد في لقاء وفد مجلس النواب الامريكي بزعيمة المعارضة الايرانية مريم رجوي، يجب أن يترجم الى ممارسة وفعل يتمثل في دعم مجاهدي خلق وكل القوى الايرانية المعارضة ، مادياً ومعنوياً وتسليحياً وكل ما من شأنه ان يدفع بعجلة الحرية في إيران الى الامام.

ومن عيوب السياسية الامريكية والغربية حيال الحكومة الايرانية ومجاهدي خلق معاُ، انها تعمل الان على تدريب وتسليح المعارضة السورية ضد نظام بشار الاسد الموالى لأيران والذيل لها وهذا شيء حسن، في حين ما تزال هذه السياسة تمارس الصمت تجاه كفاح مجاهدي خلق وبقية القوى الايرانية المعارضة، في وقت كان الأولى بالسياسة الأمريكية ان تتجه لتقديم العون للمعارضة الايرانية أولاً.

وعلى ذكر القائدة مريم رجوي، فانها وكما مجاهدي خلق والقوى الايرانية المعارضة والشعوب الايرانية، لم تحظى بالعناية اللازمة والمرجوة ولم تأخذ استحقاقها، إذا أخذنا بنظر الاعتبار ان الوجه الاخر لنضالها المستميت ضد الدكتاتورية والتخلف في بلادها يعني انها كافحت وجاهدت من أجل السلم والحرية والعدالة الاجتماعية، وتحملت الغربة واشكال العذاب لعقود من السنين خارج بلدها . من هذا المنظور على المجتمع الدولي مراعاة هذه الناشطة والزعيمة القديرة، مثلما راعى زعيمة المعارضة البورمية ومنحها جائزة نوبل، ان كفاح مريم رجوي من اجل حرية شعبها يفوق بكثير كفاح اية أمرأة اخرى نالت (نوبل) في الاعوام الاخيرة. مع تقديرنا لكل من نال ونالت هذه الجائزة المرموقة. ان منح جائزة نوبل لمريم رجوي قائدة المعارضة الايرانية والأبنة المخاصة لأيران كفيل بان يدفع بقضية الحرية والديمقراطية للشعوب الايرانية نحو النصر المؤزر.. ان رجوي كما منظمتها بحاجة الى تقييم منصف ورد الاعتبار اليها لما في ذلك خير الشعوب الايرانية وقواها المكافحة من اجل غد أفضل.

ختاماً، لسنين وعقود عديدة شوهت الدعاية الايرانية و دعايات اخرى غيرها دون وجه حق صورة مجاهدي خلق، وانطلى التشويه على قطاعات واسعة من الناس في انحاء العالم، وما زال مفعول هذه الدعايات سارياً، بدليل انه بالرغم من اخراج مجاهدي خلق من قائمة الارهاب، إلا ان الكتاب والمحللين ما زالوا اسرى لتلك الدعايات الظالمة، وقلما يرفعون اصوات الاحتجاج ضد الانتهاكات الفظيعة التي تنفذ ضد هذه المنظمة وبقية القوى الايرانية المعارضة. والان، ان الاوان في ان يراجع اكثر من طرف داخلي ايراني واقليمي ودولي موقفه لاجل رفع الظلم والحيف عن مجاهدي خلق والسيدة مريم رجوي وكل النشطاء الايرانيين من اجل غد افضل للشعوب الايرانية والوطن الايراني.

عبدالغني علي يحيى

Al_botani2008@yahoo.com

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *