في كـنيسة مار توما الرسول / سـدني – هـل نصَلـّي أم نرنـِّم ؟ مفاجأة شماس – 4

إنّ الشماس إسحـق المنـﮔـيشي في كـنيستـنا هـو الذي منعـني من قـراءة الـطلبات (( نـقـوم شـﭙّـيـر )) من كـتاب الـ حُـذرا بالفـصحى مباشرة يوم الأحـد 15 آيار الماضي وأراد مني أن أقـرءَها باللهـجة المحـكـية ( سْـوادايا ) من الكـُـتيـب الـﮔـرشوني فـرفـضـتـُها . إنّ تـجَـنـُّـبي لـَـومَ الأكارم حـفـزني إلى الردّ بأسلوب عـصري متـحَـضـِّـر بكـتابة سلسلة من المقالات في شأن كـنيستـنا بديلاً ، وولـّـدَ عـندي الشوق لمواصلة إمتـداداتها فـشكـراً لإسحـق أولاً ، وأوصيه هـو وغـيره ثانياً بالمزيد من هـكـذا محـفـزات مستـقـبلاً كي نشكـرهم ثانية وثالثة ليـثيروا أمامنا غـبارَ مواضيع منطـقـية تستـحـق منا مسحاً ومتابعة في هـذا الحـقل أو ذاك فـنلقي الضوء عـلى المنحـنيات التي لا يصل إليها ضوء الشمس أو لِمن لا يُـبصِـر ، ثم من أجـل إخـتيار مسارات صحـيحة لِـمن يريد الوصول إلى أهـداف نبـيلة . كم يسرني أن أناقـش بالمنطق مع أصحاب الكـؤوس المليئة فـتـنعـشـنا وتـفـرحـنا و ( حَـمْـرا مْـحَـدّيه لِـبّـيه دْ بَـرناشا ) وليس مع حاملي الصحـون الفارغة للإنـتـشاء بكـسرها كعادة اليونانيّـين في الحـفلات ، فعـندما أواجه مخـلوقاً من هـذا النوع أتركه لِـيَـتــَـدَكـْـتــَـر ويتبخـتـر فـبكـل تأكـيد إنه يعـوّض عـن نـقـص يعانيه فـلا أحـرمه من صحـنه ذلك ، بل أتركه يستمتع به كـلعـبة بـين يـدَيه . الآن لنمسك الشليلة من بدايتها كي نعـرف إتجاه لـفـّـها حـول البَكـرة ، ونسأل عـن مصير آبائـنا الأوائل الشـهداء الذين نحـتـفل بذكرى سفـك دمائهم من أجـل المسيح أمثال مار شمعـون برصبّاعي ، مار يعــقـوب المقـطـّع ، مار أدّاي شير وجـمع غـفـير من المؤمنين ، عـشرات الآلاف بل مئات الألوف في قافـلة شـهداء كـنيستـنا المشرقـية عَـبر ألفي سنة كانوا يُـصَلـّـون ويسمعـون ويقـرؤون ويكـتبون وينـشدون ويرنـمون بالفـصحى وليس بالسواديا المحـكـية في الشوارع ، تـرى هـل كانـوا مخـطـئين ومصيرهم النار ؟ هـل فاتت تعابـير ومصطلحات الصلاة عـلى المؤمنين دون هـضمها وإدراك معـناها في تلك الحـقـبة الطويلة من الزمن وبالتالي سبَّـبتْ خـسارتهم ملكـوت السماوات ؟ وإذا إفـترضـنا أنهم الآن في تلك الـ ( شـلهـيويثا – النار ) فهل نـقـف كالمتـفـرّجـين ونـتـركهم يصطـلون لوحـدهم وهُم أصحاب فـضل عـلينا صامدون عـلى إيمانهم والسيوف عـلى رقابهم فأورَثـونا مسيحـيَّـتـنا ؟ أنا أخجل أمامهم ولابـدّ من الوفاء لهم بمرافـقـتهم عـلى الأقـل ، ولأجل ضمان وصولي عـندهم إذن أقـرأ بالفـصحى كما كانوا يقرؤون! فـما الذي سـيضركم وأنـتم تـقـرؤون بلهجـتكم البـيتية وغـداً نودّعـكم إلى الملكـوت المُهـيَّأ لكم من بـين إستحـقاقاتكم ؟ أما إذا كانـوا أولئـك الآباء في الملكـوت فـكـلنا نمشي عـلى خـُـطاهم وإنـحَـلـّـتْ المعـضلة .

من حـيث المبدأ أنا لستُ معارضاً لترجـمة أيّة رسالة أو شعـر أو صلاة أو وثيقة أو وصية إلى اللغة التي يفهمها المؤمن ، ولكن ليس عـلى حـساب ذلك التراث الغالي الذي يرمز إلى أصالة كـنيسة المشرق ودماء شهدائها وإرث الآباء والأجـداد الذي يطمح الغـرب إلى محـوِه لأنه عامر بالروحانية والوجـدانية ويغـذي الروح والنـفـس ويـبعـث النشوة في المشاعـر والجـسد . رحـمة الله عـلى النسر الأصيل القـديس المُـثـمَّـن الرحـمات مار ﭙـولص الثاني شـيخـو الذي يصرخ من مثـواه المقـدس مردداً كلام الرب : سمعان سمعان ، هـوذا الشيطان قـد طلبكم ليغـربلكم كما يُغـربَـل القـمح ، ولكـني دعـوتُ لك ألاّ تـفـقـد إيمانك . واليوم يواصل المسيرة غـبطة ﭙاطريركـنا الجـليل عـمانوئيل الثالث دلـّي الذي أكـد في زيارته إلى كـنيسة الراعي الصالح الكـلدانية / تورنـتو بتأريخ 27 / 5 / 2011  طالباً من أبناء كـنيسته في كـندا الإلـتـزام والتـقـيد بصلواتهم وبطقس كـنيستهم العـريق . ثم دعـونا نسأل : ما الغـرض من إلغاء الفـصحى ؟ وهـل أن وراءَه غايات مخـفـية مبهمة مدفـوعة الثمن ؟ أنـظروا وتـعَـلـَّـموا ، هـذه دولة اليونان اليوم تـفـرض فـرضاً تعـليم لغـتهم اليونانية الفـصحى القـديمة في المدارس حـتى الصـفـوف المنـتهـية ، وإسألوا عـن الأقـباط وإهـتماماتهم اليوم ،  لاحـظوا القـداس الإنـﮔـليزي حـين يُصَلون مَـقاطـعَ باللغة اللاتينية – إين إيكـﭽـيلـْسيس ديوو – مثلاً وغـيرها ؟ ألسنا بحاجة إلى أن نـثـقـِّـف المؤمنين بلغـتـنا الفـصحى الكـنسية ونـخلق عـندهم رابطاً ومحـفـزاً لفهمها ؟ فإذا صلينا يوم الثلاثاء مثلاً : مْهايمْـنينان بْحاذ آلاها آوا… وغـداً الأربعاء نـقـول : كِـمْـهَـيمْـنخ بْـخا آلاها بابا …. فالمؤمن ليس غـبـياً بل هـو إنسان داركٌ وعـيونه وعـقله متـفـتحة وبمرور الزمن وبالتـكـرار المتـناوب سيربط بـين العـبارتين ويكـتشف أن مْهايمْـنينان = كِـمْـهَـيمْـنخ ، بْحاذ = بْـخا ، آوا = آبا = بابا ، فـهـل هـناك إشكال في المسألة ؟ ثم كـونوا صريحـين وبدون خـوف وتملـّـق أمام الكِـبار ، هـل أن ترجـمة صلوات القـداس صحـيحة ؟ أليست كـلها متـرجَـمة بتـصرّف ؟ لاحـظوا ترجـمة ( كـُـلاّنْ بْـذِحـّـلـثا وْإيقارا …..  ) وغـيرها !! إن إعـتـزاز الإنسان بأصالة تراثه جـزء من هـويته وشخـصيته ، وهـذا الإعـتـزاز ليس دماً يمكـن التبرّع به للآخـرين .

لنـناقـش الموضوع من جانب آخـر ، إذا كـنـتُ فـيشخابورياً أو عـقـراوياً وبدون أيّ شك سأعـتـز بلهجـتي ولن أتـنازل عـنها أبداً أبداً مثـلما يعـتـز التلسقـفي بلهجـته وهـكـذا التلكـيفي والعـنكاوي … وكان هـناك صلاة مثل : ( يا رب إحـفـظ بـيتـنا وقـريتـنا ) مكـتوبة باللغة الكـلدانية الفـصحى ، وإستـناداً إلى أوامر الشماس إسحـق المشار إليه سأترجـمها إلى لغة السواديا المحـكـية في بـيتي ، وأقـرؤها أمام الجـمهور في الكـنيسة بلهجـتي أنا ، وأقـول : يا مَـريا نـْـطور بـيـسَـنْ وْ ماسَـنْ ( فـهل مِن إعـتراض ) ؟ وكـذلك العِـبارة في قانون الإيمان : ( مات ودفن وقام في اليوم الثالث كما في الكتب ) فأقـول : مِسْـلِ وﭙـِشْـلِ قـويرا وقِـملِ ليوم د طلاسا دخ ديلِ كـْـسـيوا ( فـهل من مانع ، وهـل تجـبرني أن أغـيِّـر لهجـتي ولماذا لا تـغـيِّـر لهجـتك ، هل هـو منطق أم لا ) ؟ ناهـيك عـن الجـماعة التي تـنـطـق حـرف الـ ( خ ) بصورة ( ح ) ، فـفي فـقـرة السلام بـين الحاضرين نـقـول : أحّاي هاو شلاما حَـذ لـحَـذ بْـحُـبّـيه دَمشيحا ، وحـين نـتـرجـمها حـسب رغـبة شماسنا إسحق سـنـقـول : أحِـنـواسي هَـلـّـو شلاما حا تا حِـنا بْـحُـبّـيه دمشيحا ( هل من تـعـليق ) ؟ ولكـن ألا تـرى ذلك كأن احـدهم يجـر بالطول والآخـر بالعـرض إن لم أقـل شيئاً آخـراً ؟ ولـُـويش كل هالزحـمة ؟ ما أعـتـقد إلها داعي ؟ ولكن إذا قـيلتْ أية عـبارة صَلاتية بالفـصحى فلا إعـتـراض عـليها لأنها إطار يجـمع الكـل وقاسم مشترك يُـرضي الجـميع بالإضافة إلى أصالتها ، شأنها شأن الأخـبار باللغة العـربـية لا تــُـقـرأ باللهـجة الـريفـية ولا الصعـيدية ولا المصلاوية بل باللغة العـربـية الفـصحى التي لا تـنحاز إلى اللهجات القـروية . ولنـتـفـلسف قـليلاً ونقول ها هـو القـديس مار أفـرام يقول : أصَـلـّي حـينما أرنـِّم ، و أرنـِّم حـينما أصَـلـّي ؟؟ إذن يا أخي دَعـوا الناس تـصَـلي في ترانيمها و المؤمنون يسمعـون فـيستمتعـون وهُم مرنـِّـمين في صَلاتهم ! أم أنكم عاجـزون فـتبخـلون – لا طآنا د بـينا – فلا أنتم تدخـلون الملكـوت ولا تـتيحـون الفـرصة لغـيركم أن يدخـلوها ؟؟ .

ورجـوعاً إلى موضوعـنا ، إن المؤمنين في أستراليا يسمعـون معـظم صلوات القـداس بالسواديا لأكـثر من ثلاثين سنة ، طـيِّـب ما الذي سيحـصل إذا سمعـوها بالفـصحى مرة في الشهر أو لنـقـل خـمس أو عـشر مرات في السنة ؟ هل سيعـمل Delete لكـل ما هـو مخـزون في خلايا دماغهم ؟ لا تــُجـيـبونا بلغة الصحـون الفارغة المتـﭽـقـﭽـقة المتـقـرقعة البائسة فـنحـن لا نحاكي البؤساء ، ولا بلغة المتعـنـِّـتين المتكـبّـرين فـنحـن لسنا من هـكـذا جـماعات ، بل بلغة منطق الكـؤوس الطافحة التي تـُـفـرِح قـلب الإنسان والهـواء يملأ الرئات ، كي نـردَّ عـليكم بالمنطق المناسب المُهَـيَّـأ قـبل ساعات .

You may also like...