في ديترويت مدينة الكلدان ملاحظات ولقاءات ليس الى نسيانها سبيل



أول شرقي وطأت قدمه العالم الجديد ( اميركا) كان كلداني وحسب رسالة قديمة من الأستاذ جبرائيل يوسف ابونا مؤرخة في 27 /03 / 2004 يقول فيها :ان عائلة ابونا انجبت الرحالة الخوري الياس حنا الملقب بالموصلي الكلداني الذي يعتبر اول رحالة من آسيا وأفريقيا يصل الى امريكا وقد استغرقت رحلته 15 سنة من 1668 لغاية 1683 وقد دونها في مذكراته المطبوعة في مجلة الشرق اللبنانية في المجلد الثامن عام 1905 م ـ وسوف نتطرق الى الموضوع في مقال خاص ـ لكن الكاتب رشيد خيون يقول ان الرحلة كانت في عام 1623 حسب مقاله في الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ 12 / 12 / 2007 ، مهما كان التاريخ فإن هذا الأنسان الكلداني وهو يغامر في هذه الرحلة الخطيرة لا شك انه لم يخطر بباله انه سيأتي يوم ويستطيع الأنسان من قطع المحيط في 8ـ 10 ساعات فكان يعتبر من الخيال العلمي في ذلك الوقت . وأكثر من ذلك ان اجلس في مقعدي في الطائرة وأحتسي قدح الشاي ، وأفتح الأنترنيت عبر جهاز لابتوب ، وأباشر في كتابة مقال وأنا أعبر الأطلسي لقتل الوقت عبر الساعات التسع التي حسبتها طويلة تبعث على السأم والملل ، وانا في هذا الوضع افكر ، كم صرف الأنسان من وقته ومن طاقته الإبداعية لكي يصل الى هذا المستوى من الرقي والتقدم . لا شك ان قرنين من الزمن المنصرم يعادل طيلة الزمن الأنساني المقدر بـ 2 مليون سنة ، فتمكن في نهايتها من التنقل في عربة تجرها الحيوانات او سفينة شراعية تدفعها الرياح الى طائرة تفوق سرعتها سرعة الصوت .

ولا شك ان النصف القرن المنصرم يعادل الاف السنين بل يعادل كل المسيرة الأنسانية منذ انبثاق الحضارات الأولى في العصور الحجرية القديمة . مروراً بعلوم الكلدانيين واليونانيين وصولاً الى القرون الوسطى وانبثاق الثورة الصناعية وصولاً الى الثورة التكنولوجية الحالية التي نعرف بدايتها لكننا لا ندرك نهايتها او مديات حدودها .

في النصف الأول من القرن العشرين كان التلاكفة الرواد الأوائل من الكلدانيين العراقيين ، وحينما وصلوا الى هذه الديار ، صرحوا عن هويتهم الوطنية العراقية وعن قوميتهم الكلدانية والى اليوم فإن لفظة { CHALDEAN } هي المعروفة بين الأوساط الأمريكية الرسمية والشعبية . واليوم تنتشر منظمات وجمعيات ونوادي اجتماعية وأحزاب قومية وسياسية تحت الأسم الكلداني .

احياءاً للمشاعر القومية عقد سنة 2010 مؤتمراً قومياً في مدينة ساندييكو مقر أبرشية مار بطرس ، عرف باسم مؤتمر النهضة الكلذانية وكان تحت رعاية المطران الكاثوليكي الكلداني مار سرهد جمو ، ونتمنى ان تبادر ابرشيات أخرى في المستقبل لعقد مثل هذه المؤتمرات التي تعزز من مكانة هويتنا القومية الأصيلة .

في مدينة ديترويت جالية كبيرة تربو على 150 الف كلداني ، بينهم الكثير ممن وصل في اواسط القرن الماضي وقد تقدم هؤلاء في معارج العلم والمعرفة والسياسة إضافة الى تفوفهم في عالم التجارة والمال ، ومع هذه الأعوام الطويلة فقد بقيت خيوط المحبة عالقة في الوطن العراقي ، كما انهم يحتفظون بكثير من الراوابط القومية ، كاللغة الكلدانية والعادات من تقاليد الزواح والأغاني والموسيقى والأزياء والرقصات والدبكات والمأكولات ومواسم الأعياد والتعازي والطقوس الكنسية .. لكن ثمة سؤال يطفو على سطح الأحداث ، اين يقف هؤلاء من العملية القومية السياسية لشعبهم الكلداني في الوطن ؟

في الحقيقة ثمة فسحة يبدو انها تتسع بين الآباء الأولين والأحفاد اللاحقين ، الأحفاد اليوم لم يعد يعرفون سوى أرومة (CHALDEAN ) اما العمل من اجل تلك الأرومة من الناحية القومية والسياسية فهي في تقهقر واضح .

المهم في تلك الزيارة تحققت لقاءات كثيرة منها ما كان تحت اضواء الأعلام وأخرى خارج تلك الأضواء ، في ديترويت ذات الجالية الكلدانية الأكبر في العالم عقدنا لقاءات ومقابلات منها مقابلة تلفزيونية مع محطة ( Mtv. ) وكان ذلك بالأشتراك مع الدكتور نوري منصور وبإدارة الأعلامي المعروف وليد جعدان ، وكان لي لقاء آخر مع اذاعة العراق الحر ، ولقاء مع إذاعة صوت الكلدان في ديترويت ، وأدار اللقاء الأعلامي البارز شوقي قونجا ، والشئ بالشئ يذكر فلم يتسنى لي عقد لقاء مع إذاعة صوت الغد مع الصديق ساهر المالح فيبدو انه كان مشغولاً مع الوفد القادم من العراق المعروف بالتجمع الكلداني السرياني الآشوري ، وباعتقادي كان يجب عليه ان يقف من جميع الأطراف على مسافة واحدة ، ومع ذلك يبقى احترامي للاخ ساهر المالح فله رأيه ينبغي علينا ان نحترمه رغم عدم قناعتنا به .

ـ حضرت المحاضرة اللاهوتية للاب صميم يوسف باليوس ، وكانت حول انتقال مريم العذراء بالروح والجسد .وكان فيها حضور جيد من مختلف الأعمار .

ـ ثم كان هنالك لقاءين مهمين مع الشباب الألقوشي وكان لموقع القوش كوم حضور في تلك الحفلات ، وفي النشاطات الرياضية والأجتماعية حضرت السفرة العائلية لجمعية مار ميخا الخيرية وكذلك المبارات الرياضية بين فريقي الربان هرمز وفريق مار ميخا واعضاء الفريقين من شباب القوش القاطنين في ديترويت .

ـ كان لي محاضرة في قاعة كنيسة ام الله وكانت بإدارة المنبر الديمقراطي الكلداني ، وكانت تحت عنوان الكلدان بين الواقع والطموح , وهنا يمكن تسجيل موقف يدل على الأصرار على تعميق الخلافات بيننا حتى في هذه المناسبات التي ينبغي ان يكون فيها التفاهم والتعاون على الحد الأدنى ، حيث ان التجمع المعروف باسم تجمع تنظيمات شعبنا قد اصروا على إقامة ندوتهم في نفس المدينة وفي نفس اليوم وفي نفس موعد القاء محاضرتي ومع ذلك لم يفلحوا في التأثير على الحضور الذي اكتضت به القاعة .

وهنالك ملاحظة اخرى وهي عدم حضور اي رجل دين كاثوليكي كلداني في المحاضرة علماً ان المحاضرة كانت في قاعة الكنيسة وتخص الشعب الكلداني ، فكان الأجدر بالكنيسة ان يكون لها حضور إن كان في هذه المحاضرة او في غيرها التي تخص الشعب الكلداني وهمومه .

ــ كان ثمة لقاء مع الأخوة من المنبر الديمقراطي الكلداني في نادي شانندوا وكان اللقاء بعيد مداخلة سكرتيره الدكتور نوري منصور مع نائب رئيس الجمهورية الأمريكي جو بايدن أثناء لقائه بأبناء الجالية الكلدانية ضمن حملته الأنتخابية لجمع التبرعات لإعادة انتخاب الرئيس اوباما ، حيث شرح له وضع المسيحيين في العراق ..

ــ ولقاء مع الأخوة والأخوات من اتحاد الديمقراطي العراقي في ديترويت حيث كانت مناقشات لمختلف الأمور الخاصة بشعبنا الكلداني وبالوطن العراقي عموماً .

ــ لقاء مع الأب عمانوئيل الرئيس بجهود الصديق العزيز باسم كادو ، وقد اهداني الأب عمانوئيل مشكوراً مجموعة كتب من تأليفه وأخرى من ترجمته .

ــ لقاء شخصي مع نخبة من الأخوة الاعضاء في منظمة كاسكا ، ولقاء آخر مع بعض الأصدقاء بدعوة من المرشح نك نجار عن منطقة سترنك هايتس في ديترويت .

ـ وكان حضوري لأفتتاح مدرسة روزفلد التي يديرها الأستاذ اسعد كلشو .

الملاحظة التي اسجلها بهذا الخصوص ، هي غياب الحماس بين ابناء شعبنا الكلداني ، في الحالة الأولى بانتخاب الأخ نك نجار والثانية عدم مبادرة اولياء امور الطلبة الكلدان من تسجيل ابنائهم في مدرستي الأستاذ اسعد كلشو , وفي الحقيقة انا اعتقد ان السبب يعود الى ضعف المشاعر القومية لدى جاليتنا وضعف تلك الرابطة التي تدعم وتشجع شخصية كلدانية على التقدم في مختلف مجالات الحياة ، ولكن حسب ما علمت ان هنالك ظاهرة الحسد التي تؤدي الى دفن تلك المشاعر النبيلة في التضامن والتعاون على مختلف الأصعدة .

ـ كانت لي زيارات طيبة لبعض الشخصيات الألقوشية وهم الأستاذ حبيب يوسف عبيّا والسيد حنا شيشا والسيد حنا زلفا ومكالمات هاتفية مع الأستاذ عبد الرحيم اسحق . لقد كانت هنالك لقاءات طيبة مع الأقارب والأصدقاء وتواصلت ينابيع الذكريات المتدفقة عبر سنين العمر وتقلبات الحياة .

لدي بعض الملاحظات ، منها وضع اللغة الكلدانية ، رغم انها متداولة بين اوساط من ابناء شعبنا الكلداني ، لكن في الندوات والمحاضرات غالباً ما تكون باللغة العربية ، وهنالك اللغة الأنكليزية التي يتحدث بها معظم ، إن لم يكن جميع الأطفال الكلدان فيما بينهم ، لا بل اكثر من ذلك كان هنالك لقاءات عائلية وكانت اللغة المتداولة في معظم الأوقات هي اللغة الأنكليزية حتى بين الأفراد الكبار في السن .

اما تدريس اللغة الكلدانية من خلال بعض الأجوبة على اسئلتي عن حال تدريس اللغة الكلدانية فتبين انها محصورة في الكنائس وبنطاق ضيق لا يرتقي الى الطموح المفضي الى إبقاء هذه اللغة الجميلة حية مع مرور الزمن .

لا بد ان يكون هنالك خيط بل خيوط من التواصل للانتماء القومي فالآباء الأوائل الذين وفدوا الى هذه الديار وافصحوا بجلاء عن وطنهم وعن لغتهم وقوميتهم ، وعلى الأجيال اللاحقة ان تكون وفية لتلك الشتلات التي غرسها اباؤهم وأجدادهم ، فالهوية الشخصية هي التي تميز الأنسان عن غيره من البشر وتدل على شخصيته هو وحده ، والهوية القومية هل التي تربط الأنسان مع ابناء قومه . تحية لهذه الجالية الكريمة والتي تعمل على رفع اسم العراق عالياً واسم تاريخهم الكلداني بين الأمم والشعوب في هذه البلاد .


د. حبيب تومي / سماء المحيط الأطلسي في 12 ـ 13 / 09 / 12

You may also like...