في العراق اليوم حفنة من القوة خير من كيس من الحق !!


اسوء شيء يمكن ان يعرفه الانسان هو انه لا يستطيع ان يفعل شيئاً لشعبه، وابغض شيء في الحياة ان تحترم وجود من لا يحترم وجودك، من اكبر الجرائم ايضاً هي ان تقلع احلام طفل بريء من بيئته التي تحمل ذكريات محفورة في ذاكرته مع كل الموجودات الى نهاية حياته ، في حين انت مطلوب منك الزاماً ودوماً القيام ببطولة هي ان تسامح عدوك، وعلى الجريان ضد الطبيعة غير العاقلة ان تحب من تعرف انهم يكرهوك بل يتربصون الفرصة للانتقام منك.

في عصر اصبحت كل الاشياء المبهمة في هذا العالم معلومة، في عصر تحقق حلم الكاتب الالماني غوته في الشخصية الخيالية التي تحمل اسم مسرحيته الدكتور فاوست، او رؤية الفيلسوف الالماني الاخر الكبير نيتشه في الانسان المتوفق (سوبرمان) عن طريق الانجازات العلمية والتكلنولوجية والتي غيرت معالم هذا العالم وعلاقاته تماما. ففي هذا العصر عراقنا الجريح يرجع الى الوراء ويعود الى عصر الظلام!!

فعراقنا المسكين خلال هذه القرون لم تنموا في تربته خلال قرنين الماضيين غير الاشواك وازدادت الصخور والاحجار التي جرفتها سيول الاحداث والتخلف والهمجية، فتصحرت ارضه من قادة ومصلحين ( قادة سياسين وطنيين مخلصيين لتربة العراق وشعبه).
بالامس احتفل الشعب الفرنسي بهجوم ثواره على سجن الباستيل وقيامه سنة 1789م بثورة ضد الملكة انطوانيت وحاشيتها ومن ثم اعلان الشعارات الثلاثة المقدسة لدى كل شعوب العالم هي “الحرية والمساواة والتاخي”.

اما نحن العراقيين بماذا نفتخر اليوم؟!، ما هي الانجازات التي قام بها سياسيوننا او احزابنا خلال القرنين الماضيين مقارنة بالشعب والحكومات الفرنسية ؟ او على الاقل منذ قيام ثورة 14 تموز 1958م غير تكرار انقلابات واغتيالات بين السياسيين وظهور احزاب غير وطنية التي قامت بسلب مقدرات الوطن باسم الدستور و الشعب (1).
هل مثلا نحن وضعنا شبكة الكهرباء في العراق ؟
هل نحن اقمنا شبكة سكك الحديد؟
هل قمنا بصناعة سيارة عراقية او شبكة تبليط الشوارع بين المدن؟!
ماالذي اقامه العراقيون على ارض الواقع خلال هذه القرون؟

العالم يتطور بسرعة البرق، بينما قادة عراقنا الجريح يسببون كل يوم بقتل العشرات بل المئات لمدة عشرة سنوات باسم الديمقراطية والتغير والقضاء على الحكم الفاسد الجلاد والعروبي وغيرها من الاوصاف، لكن في الحقيقة لا الحكم الحالي ولا الحكومات الماضية قدمت شيء للشعب العراقي. بالنسبة للمسيحيين اليوم(حسب رائي) حالهم اسوء بكثير من الماضي، عكس ما يتحدث بعد رجال السياسة العراقيين بأنه (عصر الذهبي ) بوجود خمس نواب في البرلمان الذين هم عاجزين عن اداء اي تصريح صريح!!!. ولا يقولون هاجر منها اكثر مليون اصبحوا متشردين في اكثر 50 من العالم.

أليس من حقنا نٍسأل ما السبب؟ أليس هناك من يتجريء ليقول الحقيقة، ان الخلل هو في نظام التربية والقانون وروح المواطنة المعدومة، ان الخلل في رجال الدولة انفسهم ودستور الذي وضعوه وليس في المواطنين.

ارجو ان لا يفتخر اي حزب او رجل سياسي من احزابنا المسيحية اولاً ومن ثم العربية او الكردية بإنجازاته الوطنية ، لانه لم نرى اي نتائج ايجابية وطنية شاملة منهم لحد الان ، بالعكس الهجرة والتعدي والقوي يسلخ الضعيف. هكذا فعل صدام حسين بالاكراد بعد معاهدة الجزائر 1975م مع ايران ، وهكذا فعل صدام حسين بالشيعة في الجنوب خاصة عام 1979م حين رحل الالاف من الاخوة الشعية الى ايران بحجة عدم امتلاكهم الجنسية العراقية، وهكذا تفعل الحكومة المركزية الحالية والمحلية بالمسيحيين في سهل نينوى اليوم، هذا ما يحدث في برطلة.

يبدو ان العراقيين لا يعرفون الا لغة واحدة هي لغة العنف والقوة ، لا يخضعون الا لقانون الغابة، او مبدأ الغاية تبرر الوسيلة المنبثق من الفلسفة الميكافيلية ، وان هذا المبدأ او القانون السائد بصورة حقيقة هو قانون الغابة اي البقاء للاقوى، فمقولة الفيلسوف الالماني شتيرنر في بداية القرن التاسع عشر (حفنة من القوة خير من كيس من الحق)(2) هو الوصف الصحيح لما هو موجود في العراق اليوم ، بل هو المبدأ الذي تطبقه الجماعات والفئات والقوميات والاديان العراقية الحالية.

الغريب في القضية هو ان العراقيين الذين كانوا اصحاب اول حضارة انسانية ومشرعي اول قانون مدني يحافظ على الضعيف من القوي والفقير من الغني والبسيط من الوالي، اليوم انقلب 180 درجة عكس الاتجاه، فبينما كان العالم يحاول خلال اربعة الاف سنة الوصول الى تطبيق مفاهيم الانسانية في شريعة جد العراقيين الاول ( حمورابي) وترقيتها ، العراقيون الجدد الحاليين تخلوا عن هذه الشريعة وتخلوا من القمة الاخلاقية والانسانية التي كانوا فيها، وفضلوا شريعة ( انا اخي ضد ابن عمي ، وانا ابن عمي ضد الغريب) وكأن العالم يرجع للوراء او عقارب الزمن سارت للوراء من دون يجهد اي من طلاب اينشتاين لتحقيق نظريته ذو الابعاد الاربعة عمليا.

في سهل نينوى حيث يعيش شعبنا المسيحي بجميع قومياته او تسمياته بصورة متاخية على الرغم من مظالم الادارات السياسية المتعاقبة ، في وادي الرافدين التي قامت اعظم الامبراطوريات العسكرية في تاريخ الانسانية الامبراطورية الاشورية والكلدانية واعظم حضارة انسانية في اعظم مدينة في تاريخ القديم – بابل قبل المسيحية ، تخلت شعوبها من مفهوم القوة او البقاء للاقوى ودخلوا المسيحية التي تشترط المساوة بين الحاكم والعبد من خلال ركوع كلاهما على نفس البساط امام خالقه اثناء صلاتهم ، و فرضت عليهم العيش بالتاخي مع كل الشعوب الاخرى من والكرد والعرب والفرس الارمن وغيرهم ، لكن في سهل نينوى اليوم يطبق قانون حاكم قرقوش السيء الصيت بدون الرجوع حتى بنود الدستور المريضة!. لان المسيحيين ليس لهم قوة . أليست مقولة “حفنة من القوة خير من كيس من الحق” تنطبق عليهم !!!!

الدكتور حنين قدو رئيس تجمع الاخوة الشبك ، يرد الى نداء مطارنة الموصل وتجمع القوى السياسية لشعبنا بعبارة استخدمها العرب في زمن فتوحاتهم بلدان العالم وادخالهم بالقوة للاسلام ( السلام على من يتبع الهدى)!!.

سؤال يطرح نفسه، هل يعني الدكتور قدو بكلامه هذا ان زمن الفتوحات والاكراه في الدين والقوي يفترس بالضعيف عاد من جديد في العراق ؟
ام حان وقت ان يعرف الجميع ان نور الله وشمسه يشرق على جميع خلائقه بدون تميز .!!!

هل هذا ما كان ينتظرونه المسيحيون من زمن التغير بعد كل هذا الاضطهاد والقتل والتشريد اثناء الحرب الاهلية والطائفية والمذهبية التي راح ضحيتها الكثير من العراقيين ابرياء لم يكن لهم اي ذنب ولم يكونوا قوميين ولا طائفيين ومذهبين ؟ .

هل هذا هو الذي حصل عليه اهل سهل نيوى في العراق بعد حكم نظام البعث ودكتاتوره لمدة 35 سنة.

انه سؤال متروك للحكومة المركزية وحكومة الاقليم والمحلية في محافظة نينوى ولاصحاب الضمير من الشعب العراقي الذين يجب ان يجبوا عليه في الانتخابات القادمة.
……………………..
1- ان لا اقصد هنا لم يخرج من العراق علماء ، ولكن هل فتح المجال امام هؤلاء العلماء ان يخططوا ويبدعوا ويخترعوا ويستثمروا بلاد الرافدين التي كانت قبلة كل المهاجرين من الشرق والغرب والجنوب والشمال لعشرة الاف سنة الماضية بسبب مائها الطيب ومناخها الجيد.

2- تعود هذه المقولة الى احد تلاميذ الفيلسوف الالماني هيجل يدعى شتيرنر الذي يعد افضل استاذ لنيتشه عوضا لشوبنهاور.

3-نص رسالة الرد للدكتور حنين قدو
“الأخوة الأساقفة فى برطلة وقضاء الحمدانية المحترمون”
الشبك نت 14/6/2012م – 9:30
على الرابط التالي:-
http://www.alshabak.net/

بقلم يوحنا بيداويد
ملبورن – استراليا
الخميس 15 تموز 2012

You may also like...