في العراق.. الكرد والسنة والشيعة بأنتظار الفوضى الخلاقة/عبدالغني علي يحيى

قد يبدو العنوان للوهلة الأولى، من حيث مضمونه، غريباً غير مألوف وسط طرح افكار تقليدية لمعالجة الأزمة العراقية الراهنة، سيما للذين ينطلقون منها، اي الافكارالتقليدية، لتفسير الاحداث، والذين غالباً ما يذهب بهم الأعتقاد، على أن الكرد والسنة والشيعة يسعون الى اسقاط المالكي بهدف محو تطلعاته الفردية أو نزوعه التدريجي نحو الدكتاتورية. ولكن إذا علمنا انهما، الكرد والسنة، يعلمان مسبقاً ان خليفة المالكي سيكون من التحالف الوطني الشيعي، فذلك يعني انه سيكون نسخة طبق الأصل عن المالكي، مثلما كان المالكي نسخة طبق الأصل أيضاً عن الجعفري. ومتى ما علم المكونان الاجتماعييان المعارضان هذه الحقيقة المرة بالنسبة لكليهما وقد علما، آنذاك يلح سؤال وجيه على الاجابة: إذاً لماذا يسعيان الى الاطاحة بالمالكي وسحب الثقة منه، بعد ان علما علم اليقين، أن الخلف يكون كالسلف؟
ان الرد على هذا السؤال، في متناول اليد، فالكرد العراقيون وتجارب الحركات التحررية القومية، الكردية وغيرها، أدركا ويدركان، ان شعار إسقاط السلطة، سواء باللجوء الى السلاح او الثورة المسلحة، أو بالأساليب الدستورية والقانونية في الأوضاع الديمقراطية المستقرة، بعيد، الشعار، عن محتوى الحركات التحررية الوطنية التي تروم تحقيق صيغة حكم قومية ولا تعنيها طبيعة الحكومة أو المكون المقابل أو السائد. عليه فأن سعي الكرد لسحب الثقة من المالكي الذي يعني إسقاطه واسقاط حكومته يتقاطع والمبدأ اعلاه، دع جانباً القول، من أن شعار إسقاط السلطة ليس شعار القوميات المضطهدة بصرف النظر عن حجم هذه القوميات، بل ان نيل الاستقلال أو أية صيغة قومية ترتضيها، شعارها ومطلبها. ولقداثبتت التجارب الكردية، ان من الصعب على الكرد ان يحققوا أهدافهم القومية، بمعزل عن نشوب حروب مع الدول التي تتقاسم كردستان فيما بينها، بشرط ان تقود الحروب دول غير محتلة لكردستان فجمهورية كردستان الأيرانية لم تقم إلا في أجواء الحرب العالمية الثانية واحتلال إيران من قبل الاتحاد السوفيتي السابق وبريطانيا العظمى. وقبل ذلك قامت مملكة الشيخ محمود على اثر الحرب العالمية الأولى وهزيمة العثمانيين فيها، ولولا حرب التحالف الدولي على العراق عام 1991 لما كان بوسع الكرد أن يؤسسوا كيانهم شبه المستقل. وبعد أستئناف الحرب على العراق عام 2003 فأن الكرد حققوا تقدماً ملحوظاً باتجاه تثبيت كيانهم القومي وتعزيزه اكثر، اي انهم استفادوا من تلك الحرب أيضا، هنا كانت الحروب بمثابة الفوضى الخلاقة التي استفاد منها الكرد، وليس الكرد وحدهم في التأريخ المعاصر، استفادوا من الفوضى الخلاقة، بل ان امماً اخرى سبقتهم الى ذلك، فلولا الحرب العالمية الاولى لما تمكن الشيوعيون الروس من انتزاع السلطة من حكومة كيرنسكي ولما تمكن الأخير من انتزاعها من القياصرة، والأمثلة تترى، اذ بفضل تلك الحرب ايضاً فان العديد من الشعوب تحررت من الأمبراطورية العثمانية، كما ان الحرب العالمية الثانية عجلت من انتصار الثورة الشيوعية في الصين على حكومة شان كاي شيك..الخ من الأمثلة. غير ان الذي فات على الكرد استغلاله لضم المناطق المتنازع عليها مع الحكومة المركزية في العراق، الى الأقليم الكردي، هو عدم استغلالهم للحربين اللتين شنتا على العراق في عام 1991 و2003 لضم المناطق المتنازع عليها الى الأقليم الكردي شبه المستقل، وذلك عبر ازالة ادوات وركائز التعريب التي كانت تتمثل وما تزال بمجمعات سكنية اقامها النظام العراقي السابق في كردستان للعرب الوافدين، وبالأفراد الذين جلبهم ذلك النظام إليها من الوسط والجنوب من العراق، ان هؤلاء الافراد رغم تلقيهم تعويضات مجزية بعد عام 2002 لقاء الرحيل من المناطق المتنازع عليها والعودة الى مناطق سكناهم السابقة، إلا انهم لم يغادروا، وعلى امتداد الأعوام بين 2003 و 2012 فان حكومة المالكي والاوساط الشيعية راحت تواصل التعريب في كركوك والسعدية وجلولاء ومناطق أخرى في ظل موقف مائع للكرد شبه متفرج ومساوم، مع عضهم لاصبع الندم لعدم سحبهم تجربة إجلاء أدوات التعريب وركائزه من خانقين على بقية المناطق المتنازع عليها في حرب عام 2003.
ان الكرد بانتظار الفوضى الخلاقة لتصحيح الخطأ الذي ارتكبوه والفرصة التي قفزوا فوقها.
عدا الكرد، فان العرب السنة الذين حكموا العراق من عام 1921 والى عام 2003 ينتظرون بدورهم الفوضى الخلاقة من وراء اسقاط المالكي واسترداد السلطة التي فقدوها، لذا تجدهم ليل نهار يعملون لأجل احداثها وانجازها ويشارك في العمل والتهيؤ للفوضى موضوع البحث، المشاركون في العملية السياسية أو الحاملين للسلاح ضدها من امثال الدكتورحارث الضاري وعزت الدوري الذي قام بتخوين نواب من العراقية لسحب تواقيعهم من قائمة التواقيع التي تستهدف اسقاط المالكي وسحب الثقة منه. نعم ان جناحي السنة، الثائر المسلح والمنضوي تحت راية العملية السياسية يلتقيان ليس عند نقطة اسقاط المالكي بل في نقاط كثيرة ان لم نقل جميعها، أيضاً. ولا ننسى ان العرب السنة ادرى من الكرد بأهميه الفوضى الخلاقة للوصول الى الاهداف. فلقد كانوا السباقين الى استثمار الفوضى الخلاقة منذ العهد العثماني، فبفضل الخلاف الكردي – العثماني، تمكن العرب السنة من انتزاع ولاية الموصل من ولاتها الكرد الذين حكموا تلك الولاية مدة قرن، كما انهم (السنة) تعاملوا بذكاء مع تداعيات الحرب (الحرب العالمية الاولى) عقب انتهائها وهزيمة العثمانيين فيهاعندما توددوا الى الانكليز وفازوا بالسلطة في العراق في حين اخفق الكرد والشيعة في ذلك، وهم الذين قاوموا العثمانيين والانكليز على حد سواء. وفيما بعد وفي العهد الجمهوري في العراق 1958 -2003  فأنهم سعوا الى انتزاع السلطة من عبدالكريم قاسم واخفقوا اكثر من مرة ولكن عندما نشبت الحرب بين قاسم والكرد 1961-1963 وبعد مرور اقل من سنة واربعة اشهر و27 يوماً عليها وانشغال جيش قاسم في الحرب فانهم اخذوا السلطة منه في 8-2-1963. ونتيجة للاقتتال الكردي- حكومة البعث والذي بدأ في 10-6-1963 وبلغ ذروته في خريف ذلك العام فقد تمكن عبدالسلام عارف من تنفيذ انقلابه وطرد البعثيين من السلطة، وبعد مرور اعوام عاود البعثيون الكرة واستعادوا سلطتهم بعد توتر العلاقة بين الثورة الكردية وحكومة عارف –البزاز والتي تكللت بانهيار قوات الاخيرة في معركة جبل هندرين في اذار عام 1967 اي بعد مرورعام على اكبر هزيمة الحقت بجيش عبدالرحمن عارف على يد الانصار الشيوعيين بدرجة اولى ومقاتلين تابعين للحزب الديمقراطي الكردستاني في معركة هندرين.
عاد البعثيون الى السلطة في 17-7-1967 بعد مرور اقل من 14 شهراً على تلك المعركة. ان كلا من الكرد والعرب السنة يأملون ان تتجه الاحداث منذ شهور باتجاه الفوضى الخلاقة، الكرد لاجل ضم المناطق المتنازع عليها الى المناطق الخاضعة لحكومتهم، والعرب السنة لغرض استرداد السلطة من الشيعة. من غير ان يأخذوا، العرب السنة، بالبال، انهم صاروا في الموقع الذي كان عليه الكرد في السابق ومثل هكذا حالة تملي عليهم الكفاح نحو تحرير منطقتهم التي اصطلح على تسميتها بالمثلث السني بدل التعلق بوهم العودة الى حكم العراق، وأرى ان من السهل عليهم العمل من اجل تحقيق مطلب واقعي ومشروع الا وهو الفيدرالية لمنطقتهم وحتى استقلالها من العمل على قلب حكومة المالكي والاستيلاء على السلطة.
بالعودة الى عنوان المقال، قد ينبري احدهم معترضاً. وما حاجة الشيعة الى الفوضى الخلاقة طالما كانوا حكاماً للعراق وحققوا أما نيهم التي طال تحقيقها لعقود إن لم نقل لقرون؟.
ان المالكي الذي يقود السلطة ويواجه مخطط سحب الثقة عنه، لا بد بدوره أن يعلق الامال في أن تؤول الفوضى الخلافة لصالح مكونه الاجتماعي الشيعي، لكي يعلن حالة الطوارئ والاحكام العرفية في البلاد أو يلجأ الى حكومة الاغلبية التي تقود تلقائيا الى الغاء الديمقراطية والفدرالية واشكال الحريات في العراق ومن ثم التمهيد لنظام أشبه ما يكون بنظام ولاية الفقيه، اي النظام الايراني الحالي الذي الغى الحريات في ايران ومارس البطش والارهاب بحق معارضيه من جميع القوميات والاطياف والكيانات السياسية، وفي سعيه لتهيئة وتعبيد الطريق امام الفوضى الخلاقة فأنه يقف على أرضية جد صلبة فالجيش والاجهزة القمعية كافة ملك يديه، أضف الى هذا ان المكونين الاجتماعيين الاخرين السنة والكرد يعانيان من الانقسامات، وبالاخص المكون السني الذي يعاني الامرين من الضعف والهزال والتمزق الشديد، يتجلى ذلك في انقسامات متتالية في صفوف العراقية ونجاح المالكي في استمالة الكثيرين من انصارها وعلى وجه الخصوص في محافظات كركوك ونينوى وديالى وحتى في صلاح الدين. وان معركة سحب الثقة الخاسرة من المالكي ستجعل من المالكي وحكومته أشد تنمراً وتأسداً  امام خصومهما من المكونين المذكورين الكردي والسني، وعندي ان الاعمال الارهابية في يوم الاربعاء 13-7-2012 والتي طالت المناطق المتنازع عليها بشكل لافت وذلك في (ختاري) و ( شاقولي) ومقرات الحزبين الكرديين في الموصل ودك الاحياء الكردية في السعدية باكثر من (20) قذيفة، ناهيكم عن اعمال العنف في كركوك وفي اليوم نفسه، وقبل ذلك بايام سحبت الفرقة العسكرية 11 من كركوك لتطويق الاعظمية السنية داخل بغداد والبطش بسكانها. لايخامر المرء أدنى شك ان تلك الاحداث خدمت سلطة المالكي وبأتجاه الفوضى الخلاقة.
مما تقدم، ان الجميع يعمل ويتهئ للفوضى الخلافة التي قد تحصل على يد العامل الخارجي ايضا، فالعامل الخارجي كان وما يزال كما العامل الداخلي لعب دورا كبيرا في ألاحداث العراقية، لهذا فأن المكونين الكردي والسني عين على حرب ضد ايران وماتليها من رجات عنيفة محتملة في المنطقة، والحرب هي لب الفوضى الخلاقة تليها اشكال اخرى من حيث التأثير مثل الانقلابات العسكرية والمظاهرات والاضرابات.. الخ من الاساليب التي يطلق عليها بعضهم تسمية النضال وتبقى الفوضى الخلاقة التي نادى بها باكونين الروسي وبرودون الفرنسي سبباً لا كل الاسباب للاطاحة بالحكومات او الطبقات الاجتماعية اوسلطة الاحتلال والامم المهيمنة، وليس من الحكمة بمكان نفي نظريتهما او فلسفتهما بالمرة أو شطبها بجرة قلم نزولاً عند معتقدات سادت لعقود، وعلى رأسها العقيدة الماركسية.

  • رئيس تحرير صحيفة راية الموصل – العراق
  • Al_botani2008@yahoo.com

You may also like...