فستان يثير الضجة في البرلمان الفرنسي / بقلم د. تارا ابراهيم

 

قبل بضعة اشهر أنعقدت الجلسة الأعتيادية للبرلمان الفرنسي وكان على وزيرة الإسكان السيدة (سيسيل دوفلو) إلقاء خطابها كما هو معلن عنه، فما أن إرتقت الى المنصة وبدأت بالخطاب “سيداتي..ساداتي…” حتى تعالت الصيحات والهتافات و (الهيهات) من قبل الكثير من أعضاء البرلمان من الرجال ولكنها إستمرت “سيداتي.. ساداتي أو بالأحرى ساداتي ..سيداتي..” إلا أنها لم تستطع الأستمرار بخطابها بسبب الضجة التي أحدثها النواب الى أن أمر رئيس الجلسة بالهدوء، السبب الذي يمكن أن يغيب عن أذهاننا في تحليل هذا الموقف هو أن السيدة (دوفلو) كانت ببساطة ترتدي فستانا صيفيا محتشما ذات لون أبيض وأزرق ولكن يبدو أن ألنواب البرلمانيين يصعب عليهم أن يجمعوا ما بين السياسة والأنوثة، ففي الوقت الذي يفرض على كل نائب برلماني إرتداء البدلة وربطة العنق فليس هنالك أي تقييد على زي النائبات في البرلمان.

تناقلت وسائل الأعلام هذا الحدث بإهتمام بالغ وبات السياسيون والصحافيون يحللون تصرف أعضاء البرلمان ويضربون الأخماس بالأسداس بتعليقهم على هذه الحادثة وتوصلوا الى ان المجتمع الفرنسي هو رجولي بإمتياز ( 155 نائبة برلمانية مقابل 422 نائب) ومعدل أعمار النواب ( 55) عاما واكثر وخلفياتهم الإجتماعية والثقافية محدودة وبشكل ظاهر، مستنتجين بذلك أن البرلمان الفرنسي لايواكب التطور الذي يحدث في المجتمع . يذكر أن هذه هي ليست المرة الأولى التي يسخر فيها من نائبة برلمانية عبر التأريخ الحديث، فتصرفات النواب كانت مماثلة عند إرتداء النائبة الذائعة الصيت السيدة (سيمون في) حذاءا ملونا ذا كعب عال في جلسة برلمانية سابقة .

فعلى الرغم من حرص الحكومة الحالية على إدخال النساء الى الساحة السياسية بدليل أن ( % 50 ) من الحقائب الوزارية توزعت عليهن كما تم تفعيل وزارة حقوق المرأة من قبل الرئيس الحالي (فرانسوا هولاند) ، التي تم إستحداثها للمرة الأولى في عهد الرئيس الراحل (فرانسوا ميتيران) عام ( 1974 ) والتي ألغيت من قبل الحكومات ألمتعاقبة إلا أن المرأة الفرنسية لاتزال تحاول وتناضل لفرض نفسها على الساحة السياسية مع الأحتفاظ بأنوثتها.

وقع الحدث كان صعبا علي تقبله كوني معجبة بالنظام الفرنسي خصوصا في مايتعلق بالمساواة بين الرجال والنساء والحفاظ على حقوق المرأة، مما دفعني الى مراجعة التأريخ للتعرف على حقوق المرأة الفرنسية سياسيا وإجتماعيا، فأول ما أذهلني هو حق التصويت الذي تم منحه للمرأة الفرنسية عام ( 1944 ) في ظل الجنرال ديغول والذي يعتبر متأخرا جدا مقارنة بقريناتها من الدول الأوربية والأعجب من ذلك أنه حتى بعد الثورة الفرنسية الذائعة الصيت تم إعتبار المرأة عضوا غير فعالا في المجتمع كما هو الحال عليه من الأطفال والعجزة والأجانب وبالتالي لاحق لهم في التصويت. أما في عصرنا الحالي فالنساء يمثلن حوالي ( % 54 ) من الناخبين ولكنهن لايمثلن الا نسبة قليلة من المرشحين كنائبات برلمانيات فزواج الجنس اللطيف مع السياسة أمر حديث له خلفيات تتعلق بمبادئ يمكن على الرجال تقبلها ولكن ليس النساء.

أن الجو الرجولي الذي يخيم على السياسة في فرنسا يعود الى عدة أسباب منها أن المعارضة كانت أكثرها من الرجال على مر التأريخ، وكذلك ندرة المرشحات من النساء يعتبر سببا أساسيا في التعثر سياسيا، والسبب الآخر هو أن النساء يرفضن بعض القيم في مجال السياسة مثل العنف والكلام والمنافسة والتصلب خصوصا في تطبيق المفهوم الفكري الممارس وهذا واضح جدا في تصرفات وحركات البرلمانيين أزاء السيدة دوفلو.

وإجتماعيا، تم تشريع قانون مكافحة العنف الزوجي في عام ( 1992 ) مما يبدو حديثا جدا وخصوصا عندما نعلم أن في فرنسا تموت أمرأة كل أربعة أيام متأثرة بالعنف الزوجي ، أما قانون التحرش الجنسي الذي يثير الجدل فالحكومات المتعاقبة لم تستطع لحد الآن تشريع قانون يمنع فيه إستغلال المرأة جنسيا من قبل رب العمل مقابل الحفاظ على عملها، فالنساء يتأملن كثيرا في الحكومة الجديدة التي وعدت بأن تغير قانون التحرش الجنسي وأن تفرض أقصى العقوبات على من يقوم بذلك.

أما من الناحية العملية، فالرجال والنساء ليس لهم نفس الإعتبار من ناحية الراتب وهو أمر تحاربه الحكومة ولكن من الصعب العمل به، فمثلا المرأة تتقاضى راتبا أقل (% 20 ) من نفس راتب الرجل الذي يتولى نفس المنصب، والأسباب تعود الى أن المرأة تتغيب عن العمل بسبب فترة الحمل والإنجاب ، يذكر أن المرأة الفرنسية تم منحها حق العمل عام ( 1965) دون طلب التخويل من زوجها.

إنطلاقا من هذا المبدأ، تأسست حركة نسائية في فرنسا عام ( 2003) بإسم غريب بعض الشيء ولكنها لاقت نجاحا شعبيا واسعا لدرجة أنها إتسعت لتشمل بعض الدول الأوربية الأخرى وهي حركة “لاساقطات ولا خاضعات”، هذه الحركة تم تأسيسها من قبل السيدة (فضيلة أمارة) الناشطة الفرنسية ذات الأصل الجزائري والتي بدأت الحركة بمسيرة من ( 6 ) أشخاص وشملت ( 23 ) مدينة أكثروا فيها من اللقاءات والإجتماعات بالناس حول التمييز الجنسي والعنف الزوجي والعنف المادي والمعنوي ضد المرأة والتي لاقت نجاحا واسعا حيث تعتبر “لاساقطات ولا خاضعات” اليوم حركة رسمية لها ثقل كبير في الامم المتحدة ولها مجالسها في بلجيكا وسويسرا و السويد وأسبانيا.

وأخيرا، تقول عضوة مجلس الشيوخ (شانتال جوانو) ساخرة من يوم ( 8 ) آذار يوم المرأة العالمي “أود أن يحل محل هذا اليوم إسم آخر وهو يوم الرجال العالمي حيث لم نشهد لحد الان تقدما كبيرا في إنصاف النساء”، فعلى الرغم من أنه تم تحقيق الكثير من الإنجازات في حقوق المرأة ألا أنه ما زال الكثير كي يتم أنجازه من أجل فرض المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة وخصوصا في المجتمع البرلماني أزاء التمثيل الضعيف للمرأة مقابل الرجل، فاعتمادا على نسبة النساء يمكن تصنيف البرلمان الفرنسي في المرتبة ال ( 58 ) من بين المجالس الوطنية في العالم واقعة بذلك بين دولتي نيكاركوا وكينيا الإستوائية.

 د. تارا ابراهيم

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *