غزوة زاخو…ونُذر الإبادة / سمير خوراني

–   ما جرى في زاخو والقرى المحيطة بها، ليس جديداً او مفاجئاً(في الاقل بالنسبة لي)، ولسنا بحاجة الى الرجوع الى الوراء كثيرا لنذكر بمجازر سيفو وابادة المسيحيين في عام 1915 ففي الامس القريب حدث الامر نفسه في شقلاوا في 9-2-1997 فيما يشبة الغزوة والجهاد على المسيحيين الكفار والتي راح ضحيتها اب وابن بريئين كانا في حماية العدالة، ولم تثبت ادانتهما، لكنهما قُتِلا بوحشية وبشاعة منقطعة النظير، تواطأ فيها افراد من اجهزة الامن واحزاب وشخصيات دينية مع الغوغاء، والتي لولا جهود بعض المخلصين من شخصيات مسلمة لكانت تحولت الى ابادة جماعية وبدم بارد، ولكن الرعب الذي ادخلته في نفوس اهالي المنطقة من المسيحيين والجرح الذي تسببت به لا يمكن ان ينسى بهذه السهولة، وكان هذا الحادث المروع سببا رئيساً في ازدياد وتيرة هجرة المسيحيين من البلدة. لم يكن الامر صدفة فهكذا حوادث لا تاتي مصافة بل يُخَطَط لها عن سبق اصرار وترصد. وغزوة زاخو أو بادينان لا تخرج عن هذا التخطيط المسبق. فالكراهية للمسيحيين في العراق والشرق عموما قد أينعت كثمرة ناضجة وحان موسم قطافها، ولا بد ان تضع وليدها القبيح المشوَّه الذي حبلت به، ولا بد للمسيحيين ان يدفعوا ثمن كونهم مسيحيين.

–   غزوة زاخو دقت ناقوس الخطر، ووضعت مستقبل المسيحيين في كوردستان والعراق من قبل على كف عفريت، وستجعلهم يحزمون حقائبهم نحو بلاد اللاعودة. كم غزوة مثل هذه سنحتاج لكي يخلو العراق كله من المسيحيين؟!

–    غزوة زاخو الاخيرة بينت أنه بمقدور شيخ معمم متعثننٍ أن يعكر صفو المجتمع ويمزِّق نسيجه ويهدد اركانه ويتسبب في فتنة كبرى عبر فتوى يغذي فيها عقول شلة من المراهقين-الخراف وقطيع من الشباب غير الواعي الذي حُشي حقدا وكراهية للآخر الذي لا يشبهه في الدين.

–   غزوة زاخو افصحت عما هو مكنون في القلوب ومخبوء في النيات ومستور في الباطن، وهو جوهر ما يعتمل في هذه الصدور وما تضمره السرائر، اما ما نراه على الوجوه  فليس سوى قناع مزيف تختفي وراءه هذه الوجوه، فساعة الحقيقة ستنقلب هذه الحمائم الى صقور جارحة  تأتي على الاخضر واليابس وليس على البيرة والعرق والويسكي فحسب. وشتان ما بين الظاهر والضامر.

–   عجبي من بعض الشباب الكردي ينجر وراء الشعوب العربية فيما تدعيه من ربيعها، فيبدأ بتقليدها، ويحاول ان يستورد تجارب الاسلامويين في تونس ومصر والمغرب وليبيا  وهو العارف قطعا ان معاناة الكرد في جزء كبير منها سببها المد القومجي العربي المتأسلم. يبدو انه نسي الانفال وما تعنيه الانفال؟ أو نسي ان الكورد اضطُهِدوا لأنهم اكراد وليس لأنهم كانوا مسلمين!

–   غزوة زاخو كشفت ان ثمة خلايا ارهابية نائمة في المجتمع الكوردستاني، وهي على اهبة الاستعداد للحرق والتدمير والجهاد والابادة وطرد الكفار من بلاد الاسلام ورميهم في البحر، واقامة حكم الله على الارض.

–   ثمة مبدأ متعارف عليه في السياسة، وهو انك لكي تكون قوياً في الخارج فلابد ان تكون قويا ومتماسكا من الداخل، ولكن الغزوة الاخيرة بينت هشاشة الوضع الداخلي وان تجربة اقليم كوردستان الفتية يمكن ان تزول بهبة ريح (وكأنك يا ابو زيد ما غزيت)

–   يبدو أن رياح صعود الاسلام السياسي وركوبه الثورات التي اجترحها الشباب العربي وسرقته لها قد أغرى من يحنون الى عصور التحجر وكهوف الظلام وحكم السيف في كوردستان بركوب الموجة واستغلال الفرصة لأسلمة المجتمع الكوردستاني عبر تأجيج العواطف الدينية والنعرات الطائفية عند الخراف الضالة من الشباب والمراهقين.

–   غزوة زاخو اثبتت بما لايقبل الجدل ان المسيحيين في العراق ليسوا سوى ورقة لتصفية حسابات سياسية، وهم الحلقة الاضعف التي تستهدف من قبل زيد او عبيد. لماذا المسيحيون الذين ليسوا طرفاً في الاحتراب والاقتتال الطائفي يتلقون اللكمات فوق الحزام وتحت الحزام، ومن كل حدب وصوب؟ وأياً كان الفاعل فإن من يدفع الفاتورة دائماً هم المسيحيون!! هل هي محض صدفة أم ان كل هذا مدروس ومخطط له؟!

–   غزوة زاخو اثبتت ان حكومة الاقليم مقصرة تجاه الشيوخ ورجال الدين الذين يبثون الكراهية بين فئات المجتمع ويذكُّون نار العدوات، ويزرعون الفتن فيما بينهم ويؤلبون الشباب لتصفية المسيحيين والايزيدية. أليس التحريض على القتل والكراهية ارهاباَ؟ ألا يشمل قانون مكافحة الارهاب استئصال الارهاب من جذوره؟

–   قد يقول قائل ان ما جرى من احداث مؤامرة اقليمية لضرب تجربة الاقليم عن طريق ثلة من بائعي الضمير والنفس والوطن، وهناك من يقول انها مسرحية من احزاب السلطة لضرب التيار الاسلامي في الاقليم وتشويه سمعته واظهاره بمظهر المخرِّب، ومن يقول غير ذلك وهكذا تتعدد التفسيرات من كل حدب وصوب. أيا كانت التفسيرات، وانا لست محققا كي اتعرف على الجاني، ولكن الذي يثير الاستغراب لماذا الاقليات الدينية هي دائما المستهدفة؟ ألأنها الحلقة الاضعف وليس ثمة من يدافع عنها؟
لا احد ينكر المؤامرات، فالدول تتآمر على بعضها بعضاً، ولكن اين هو دور الشعوب في افشال هذه المؤامرات؟ هل هي قطيع من الاغنام كي
تُقاد الى فعل ما تريده تلك الدول؟ وهل هذا يبرر سفك دماء المسيحيين والايزيدية وضرب مصالحهم الاقتصادية وموارد رزقهم. لقد سئمنا اسطوانة المؤامرة.

–   ترفع الاحزاب الاسلامية دائما شعار: الاسلام هو الحل، وتطالب باقامة دولة اسلامية يحكمها (شرع الله). الله يستر على المسيحيين لو جاء هؤلاء الى سدة الحكم.

–   غزوة زاخو اثبتت ان هذه الجماعات لا تعترف بالقوانين السارية في البلد، وانها فوق القوانين الوضعية، وان لها قانونها الخاص: قانون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بقطع الرقاب بالسيوف، وفرض الجزية على المسيحي والايزيدي، وتحريض المؤمنين على قتالهم عسى ان يفوزوا بالجنة. لنفترض جدلاً ان المجتمع الكوردي لا يريد شرب الخمور ويريد منعها. لم لا يلجا هؤلاء الى القانون والى البرلمان حيث هناك من يمثلهم فيه. اليست هذه المحلات مجازة قانونياً؟ الا يدفع اصحابها الرسوم والضرائب للحكومة؟ إن لم يكن هذا اعتداءاً وتخريباً فما هو إذن حسب التوصيف القانوني؟

–   غزوة زاخو اثبتت ان المعارضة الكوردستانية لا يهمها شيء بقدر تصفية حساباتها مع احزاب السلطة، فقد تركت جوهر القضية وهي الاعتداء على مصالح المسيحيين واصبح همها الاوحد احراق مقرات الاتحاد الاسلامي. طبعا انه حليفها. فلم تشر لا من بعيد او قريب الى الاعتداء على المسيحيين في بياناتها الاستنكارية. عجبي!! (يا جماعة المعارضة، أليس المسيحيون بشراً؟)

–   الصحف الكوردستانية  التي تدّعي انها علمانية خرجت في اليوم الاول من الاحداث لتصف الامر على انها تظاهرة، كي تعطيها صفة الشرعية، ولم تشر ولا اشارة واحدة الى الاعتداء على المسيحيين. اهكذا تكون الصحافة الحرة؟ اين المهنية في نقل الاحداث والاخبار وتوصيفها؟ هل تستحي هذه الصحف من تسمية الاشياء بمسمياتها؟ إن لم يكن ما جرى- بغض النظر عن فاعله- ارهابا وتخريبا وبلطجة فما هو يا صحافتنا الليبرالية؟ أم لأن المجني عليه هو مسيحي فان الامور ستتبدل؟!

–   سيناريو الغزوة  مقتبس عن فيلم عربي من انتاج مصري جرت احداثه في ميدان التحرير، ثم انتج الفيلم مرة ثانية في سوريا على الشاكلة نفسها ولكن بتغيير المواقع. وكان سيناريو غزوة زاخو كالاتي:المكان: مدينة زاخو حيث يعيش المسيحيون. الزمان: يوم الجمعة المقدس. الحدث: يبدا من المسجد حيث صلاة الجمعة وبعدها امام المسجد يخطب في المصلين ويحرضهم على الفتنة، تهب الجموع الهائجة المكوّكة وهي تصيح الله اكبر الله اكبر معلنة الجهاد على الكفار، وتعمل حرقا وتدميرا بما تطاله ايديها تقربا لله وتبث الفزع في النفوس. اليس هذا الفيلم بضاعة مصدرة الى كوردستان؟ ما الذي يجري في كوردستان؟ لماذا الكورد متعاطفون جدا مع القضايا العربية في الوقت الذي لا يزال العرب لا يعترفون لا بالانفال ولا بحلبجة ويستكثرون على الاكراد حتى الفيدرالية؟! متى سيعرف الاكراد المتأسلمين صديقهم من عدوهم؟ لماذا يقدمون للمجتمع الدولي صورة مشوهة عن الشعب الكردي اقتبسوها من الثقافة البدوية الصحراوية الظلامية التكفيرية؟

–   غزوة زاخو اثبتت تخاذل الاجهزة الامنية، وتقصيرها في السيطرة على الاحداث وتطويقها قبل ان تتسع دائرتها، ولكي لا نكون سيئي النية لا نقول انها -او بعض افرادها- متواطئة مع البلطجية. ولكن هذا لا يبريء ساحتها ولا ينجيها من مسؤوليتها عن الاهمال او التقصير في اداء واجباتها تجاه المواطنين والحفاظ على مصالحهم، فالمحافظة على الامن مسؤوليتها اولا واخيراً، ويجب أن تحاسب بشدة على هذا التقصير.

–   غزوة زاخو اثبتت ان لامكان للمسيحيين في العراق ناهيك عن الشرق كله، لقد صاروا كالهنود الحمر منبوذين اينما حلوا وهم سكان الرافدين الاصلاء،  فهاهم يهربون من جحيم البصرة وبغداد والموصل، ليستقروا في كوردستان التي رأوا فيها واحة للأمان، ولكن.. هذه الواحة قد تتحول في سويعات الى صحراء قاحلة. لقد صدق فيهم المثل: كالمستجير من الرمضاء بالنار. هي رسالة مفخخة يجب ان يفهموها ويعوها جيدا.

–   المشكلة ليست في المشروبات واماكن اللهو والنوادي. فحتى لو بطّل المسيحيون في الاسترزاق من هذه المهن. سيجد التكفيريون الف حجة وحجة كي يرهبونهم.

–   غزوة زاخو اعلنت سقوط شعارات التسامح والتآخي والتعايش والحوار وكل هذه الكلمات البراقة الرنانة؛ لأن تحت الغطاء حقول ألغام وعبوات ناسفة يتم التحكم فيها بالريموند كونترول يمكن ان تنفجر في أية لحظة، فلا تسامح ولا هم يحزنون.

–    اقوال رئيس الاقليم مسعود البارزاني تثلج الصدور، وتنم اولاً عن حرص على سيادة القانون، والحرص على الحفاظ نسيج المجتمع الكوردستاني المتنوع، ومن ضمنه المسيحيين ثانياً. ولكن المسيحيين ينتظرون افعالاً واجراءات فعالة وقوانين تحميهم ممن يريد العبث بهم باسم الدين، والا سيكون مصيرهم في كوردستان كمصيرهم في بغداد والبصرة والموصل.

رسائل سريعة:

–   هل فيكم من يعتذر للمسيحيين والايزيدية عما بدر من رجل دين تسبب فيما تسبب؟ وهل ننتظر منكم فتوى لتحريم الدم المسيحي وامواله وممتلكاته؟ رسالة الى اتحاد علماء المسلمين في كوردستان.
–   هل سيتم تعويض اصحاب المصالح المتضررة مادياً ومعنوياً من غزوة زاخو؟ رسالة الى حكومة اقليم كوردستان
–   هل ستقدمون على الاستقالة مرة واحدة من اجل بيان موقف جريء تجاه شعبكم؟ رسالة الى برلمانيينا في اربيل وبغداد
–   هل ستبقون على خطابكم السياسي العقيم المجامل المنافق حفاظا على مصالحكم ومناصبكم؟ رسالة الى ساستنا المنشغلين بالقشور والتاركين اللباب الذين يجترون مفردات التسامح والتآخي والتعايش والحوار
–   متى ستتحررون من خوفكم وتقفوا في صف امتكم وشعبكم الذي يروًع كل يوم وانتم مازلتم تتقيأوون الكلام القديم؟ رسالة الى مثقفينا او ادعياء الثقافة
–   متى ستكسرون اقلامكم بدلا من القيح الصدىء الذي تكتبونه لتقولوا كلمة الحق التي ينتظرها شعبكم؟ رسالة الى كتابنا وشعرائنا وصحفيينا.
–    متى ستكفون عن الظهور على شاشات التلفزة ووسائل الاعلام لكي تدعوا الى التسامح والغفران والعفو والتعايش والتآخي وكأنكم انتم المذنبون؟ نددوا واستنكروا-على مثال المسيح الغيور- كل ما هو شر. رسالة الى بعض رجال الدين المسيحي الافاضل.
–   متى ستنزل الى الشارع وتصيح باعلى صوتك: اني اندد واحتج واعترض؟ رسالة الى شبابنا الذي ننتظر منه الكثير الكثير.
–   هل ستزداد تمسكا بارضك، ام انك قد حزمت حقائبك؟ رسالة الى كل واحد منا.
–   متى سنرى مواقفكم المساندة تجاهنا، ومتى سنسمع صوتكم عالياً وانتم ترون هذه الهجمة  التكفيرية الشرسة الوحشية بحقنا؟ رسالة الى المتنورين من مثقفي الشعب الكردي.
–   متى ستعيدون النظر في مناهج التعليم والتربية العقيمة والتي تقوم على كراهية الاخر والغائه وخصوصا في مواد الدين والتاريخ؟ رسالة الى وزارة التربية في الاقليم؟
–   متى ستقفون عن مناداتنا ب(فله- كاور) اللتين تحملان دلالات النقيصة والاستصغار ولماذا لا تنادوننا باسمنا الذي نريده: مسيحيين؟ رسالة الى كثير من الاخوة المسلمين في الاقليم.
–   الى متى سيكون رجل الدين فوق القانون، يحلل ويحرِّم كيفما يشاء؟ هلى نحن في غابة ام في قندهار؟ ومتى سيُضرب بالحديد والنار وتحت مظلة القانون كل من يحاول العبث بمقدرات الناس ومصالحهم وبأمن كوردستان والقضاء على تجربتها. رسالة الى وزير الداخلية في الاقليم.
–   متى سنجد محاكمات علنية لهولاء البلطجية التكفيريين، والى متى ستبقى الجرائم التي تقترف بحق المسيحيين دون معرفة الجاني، وتقيد ضد مجهول وكان شيئاً لم يكن؟ رسالة الى العدالة والقضاء في الاقليم.
 – متى سيستيقظ ضميرك لانقاذ شعب من اعرق شعوب الارض، كل خطيئته انه مسيحي؟ رسالة الى المجتمع الدولي.
– الى متى يبقى البعير على التل؟ رسالة الى ذلك البعير الراقد من سنين على ذلك التل        الاغبر.

 آخر الكلام: قولوا لنا بصريح العبارة لا مكان لكم بيننا ولا حاجة الى هذه الرسائل المفخخة التي تنذر بالابادة الجماعية.
7-12-2011
 

 

 

You may also like...