عيد الميلاد في محطة وقود (1)

جلس الرجل العجوز في محطة الوقود التي يملكها مساء عيد الميلاد البارد, الذي لم يكن يحتفل به منذ وفاة زوجته , لم يكن لديه شجرة الميلاد ولا زينتها ولا أضوائها , وكانت ليلة الميلاد بالنسبة له يوم آخر كبقية الأيام الأعتيادية, لم يكن يكره عيد الميلاد وأنما لم يكن يعتقد بأن لديه سبب ليحتفل به . لم يكن لديه أولاد وزوجته كانت قد توفيت , كان جالساً يتأمّل منظر الثلج المتساقط منذ ساعة عندما فُتِحَ الباب ليدخل رجل متسوّل عجوز لا مأوى لديه . وبدلاً من طرد المتسوّل العجوز, طلب جورج ( وهو أسم صاحب المحطة أو العجوز جورج كما ينادونه زبائنه ) منه أن يتقدّم ويجلس قرب المدفأة ليدفئ نفسه .

شكراً ولكني لا أرغب أزعاجك قال المتسوّل !! أراك مشغولاً , سوف أغادر حالاً .

ليس قبل أن تشرب شيئاً يدفئ معدتك , أجاب جورج الذي ذهب الى وعاء ( ترموس ) القهوة وناوله الى الغريب قائلاً له , ليس فيه كمية كبيرة , ولكنه لذيذ ودافئ صنعته بنفسي لذلك فهو طازج ودافئ .

وفي تلك اللحظة سُمِعَ صوت جرس الباب يدق , فقال العجوز جورج , أسمح لي , سآتي حالاً وكان هناك في الشارع سيارة شوفرليت موديل 1953 تنفث بخاراً عالياً في مقدمتها , وسائقها يطلب المساعدة بلهجة أسبانية قائلاً زوجتي الحامل في سيارتي العاطلة.

فتح العجوز جورج غطاء المحرك الذي كان عاطلاً , فقال للسائق وهو يعود راجعاً الى داخل المحطة , أنك بهذا الشيئ لن تستطيع الوصول الى أيّ مكان , ولكن يا سيدي أرجوك ساعدني , غير أن باب المحطة غُلِقَ على جورج وهو يعود الى الداخل .

توجه جورج الى لوحة على جدار دائرته وأخذ مفاتيح عجلته القديمة , وعاد الى الخارج , وسار حول البناية ليفتح الكراج وأدار محرك سيّارته وقادها الى محل وجود الرجل وزوجته , خُذ هذه سيارتي , أنها ليست الشيئ الجيد الذي تتوقعه , ولكنا تسير كفاية , ساعد جورج المرأة للركوب في العجلة ومن ثم عاد الى داخل دائرته وهو فرح بما قام به بأعطائه عجلته رغم قدم عجلاتها وعندما ألتفت الى الرجل رآه وقد ترك المحطة متوجهاً نحو المستشفى . وحين عاد الى الداخل , كان ترمس القهوة على المنضدة فارغاً وبجانبه كوب القهوة المستعمل , وكان المتسوّل قد غادر , ففكر في نفسه قائلاً , حسناً على الأقل قد شرب شيئاً دافئاً .

خرج جورج خارجاً ليرى إن كان بأمكانه أعادة تشغيل السيارة العاطلة , أدار المحرّك ببطئ فأشتغلت , فسحبها الى داخل الكراج في موقع سيارته التي أعطاها للرجل وأمرأته الحامل , فكّر بأنه قد يتمكّن من تصليحها , سيّما وأنه لا يوجد زبائن كثيرين في ليلة الميلاد, وأكتشف بأن العطل كان بسيطاً , فقد كانت المشكلة في قاعدة أنبوب ( صوندة ) الراديتر , وبأمكانه تصليحها , فقام بالعمل وأصبحت السيارة جاهزة للعمل , ولاحظ أن أطارات السيّارة ليست كفوءة للعمل في موسم الثلج , فقام بتبديلها بعجلات سيّارة زوجته المتوفاة ( لينكولن ) والمتروكة منذ وفاتها التي لم يكن بحاجة لأستخدامها .

وفيما هو يعمل سمع صوت أطلاقات نارية , فركض خارجاً ورأى سيارة شرطة وبجانبها ضابط شرطة مصاباً بطلقة في كتفه وينزف دماً , وسمع أنين الضابط يطلب مساعدة , ساعده جورج وأدخله الى الداخل , وتذكّر ما كان قد تعلّمه في الجيش من الأسعافات الأولية , وأن الجرح النازف يحتاج الى معالجة فورية بربطه لأيقاف النزف , وتذكر بأن سيارة التنظيف كانت قد تركت مجموعة من المناشف النظيفة صباح اليوم , فأستخدمها في تنظيف وشدّ الجرح وهو يطمأن رجل الشرطة على حسن حالته , وتذكّر بأن المريض بحاجة الى مسكّنات لآلامه , ولم يكن لديه سوى الحبوب التي كان يستخدمها لتخفيف ألام ظهره , فأعطاه منها مع جرعة ماء لغرض تقليل الألم , طالباً منه ان يبقى في مكانه ليذهب وليتصل بالأسعاف والشرطة , فرأى أن هاتف المحل لا يعمل , فذهب ليحاول مع هاتف سيّارة الشرطي الذي رآه هو الآخر قد تعطّل , فعاد ورأى رجل الشرطة جالساً .

شكراً لك ( قالها رجل الشرطة ) فقد كان بأمكانك تركي هناك , لأن الفتى الذي أطلق عليّ النار , لا يزال في المنطقة , جلس العجوز جورج بجانبه قائلاً : لن ولم أترك قط جريح عندما كنت في الجيش دون معالجته , وأنت أيضاً لم أكن أتركك دون علاج , ثم سحب جورج رباط الجرح ليتأكد من توقف النزيف , وقال أعتقد بمرور الوقت سوف تجري الأمور في طريق التحسّن , ثم أفرغ قهوة في كوب بعد أن سأله كيف تريد قهوتك ؟ فأجاب الضابط , ليس لي , فردّ عليه العجوز كلا سوف تشرب هذه القهوة , الأحسن في المدينة , ولكن مع الأسف فليس لدي أية معجّنات, فضحك الضابط .

فجأة فُتِحَ الباب الأمامي وأندفع شاب يحمل مسدساً ,أعطني كل ما تملك من النقود ,الآن فوراً ! وهو يصرخ ويداه ترتجف والعجوز في حيرة وأستغراب , وهنا قال الضابط أن هذا الفتى هو الذي أطلق علي النار . فبادر الرجل العجوز وقال للفتى : يا ولدي لماذا تفعل هذا ؟ هل تريد ألغاء القانون , أجابه الفتى : أسكت أيها العجوز , وألاّ أطلقت عليك النار أيضاً , والآن أعطني النقود , حاول الضابط أن يصل الى بندقيته , فنهره العجوز جورج قائلاً له , ضع هذا الشيئ جانباً , وتحوّل الى الفتى قائلاً له , يا ولدي أنها ليلة الميلاد , أذا أحتجت الى نقود سوف أعطيك أياها , ليست مبلغاً كبيراً ولكنها كل ما لدي الآن , والآن أترك هذا السلاح جانباً , ثم أخرج جورج ( 150 ) دولار من جيبه وأعطاها للفتى , وفي نفس الوقت أخذ المسدس من يده , وفي الحال ركع الفتى على ركبتيه وبدأ بالبكاء وهو يقول أنني رجل سيئ , أليس كذلك ؟ كنت أريد شراء شيئ لزوجتي ولطفلي , فقدّتُ عملي , أيجار داري مستحق , سيارتي خسرتها الأسبوع الماضي .

سلّم جورج المسدس الى الضابط وهو يقول الى الفتى , يا ولدي جميعنا معَرّضون للضيق في أحيان كثيرة , والحياة تتخللها صعوبات في أحيان أخرى, ولكننا نعمل ما بوسعنا, وأنهض الفتى على رجليه وأجلسه على كرسي مقابل رجل الشرطة المصاب . في أحيان كثيرة نقوم بعمل غبي قال العجوز وهو يناول الفتى كوب من القهوة , أن نكون أغبياء فهي من صفات البشر , والآن أجلس هناك ودفئ نفسك وسوف نتجاوز هذه المحنة , كان الفتى قد توقف عن البكاء , ونظر الى الضابط الجريح وهو يقول : آسف أنا أطلقت عليك النار , فقد مرّ ما حدث , أنا آسف أيها الضابط . أسكت وأشرب قهوتك , أجاب الضابط .

سمع العجوز جورج أصوات صفارات الأنذار في الخارج , ووقفت سيارات البوليس والأسعاف الفوري , ودخل رجلا بوليس من خلال الباب وهم شاهرين أسلحتهم , وتوجهوا الى ” جاك ” ( أسم الضابط المصاب ) وسألاه , هل أنت بخير ؟ فأجابهم , ليس بالسوء لرجلٍ تلقّى رصاصة , ثم سألهم , كيف علمتما بالحادث ؟ أجابه الشرطيان بواسطة ( GPS) جهاز كشف العناوين الذي كان في سيارتك , الشيئ الأفضل منذ أكتشاف طريقة صنع الخبز !! , حينئذ سأله الشرطي الآخر وهو يقترب من الفتى , من فعل هذا ؟ أجاب جاك ( الشرطي المصاب ) لا أعلم الفتى رماني وركض وأختفى في الظلام , فقط رمى سلاحه وهرب , عندئذ نظر العجوز جورج والفتى وبأستغراب كل منهم بوجه الآخر , وهذا الفتى يعمل هنا أكمل الشرطي المصاب !! نعم قال العجوز جورج أنه عمل لدي صباح اليوم , حيث فقد عمله السابق , هنا تقدّم رجال الأسعاف الى الضابط الجريح وحملوه الى عجلة الأسعاف , وقبل أن يغادر الضابط الجريح مال عليه الفتى هامساً في أذنه , لماذا ؟؟ وكان كل ما أجاب به الضابط الجريح للفتى كان قوله عيد ميلاد سعيد أبني , وأنت أيضاً جورج , وشكراً لكل شيئ . فقال العجوز جورج للفتى , يبدو بأنك قد تغلبت على القسم من مشاكلك , ثم ذهب جورج الى الغرفة الخلفية وعاد بصندوق , وفتح الصندوق وقال للفتى هيّا خُذ شيئاً ما الى زوجتك الصغيرة , لا أعتقد أن مارتا ( زوجة العجوز المتوفاة ) سوف تعارض , وكانت قد قالت , قد نحتاجها في أحد الأيام , فنظر الفتى داخل الصندوق ليرى حلقة من الماس لم يسبق وأن رآها من قبل ! فقال للعجوز , لا يمكنني من أخذها , فأنها تعني شيئاً كبيراً بالنسبة لك .

والآن سوف تعني شيئاً كبيراً لك , قال العجوز جورج , أنا لدي الكثير من الذكريات , وهي كل ما أحتاجه, وعاد جورج الى الصندوق ثانية ليخرج طائرة وسيارة وعجلة لوري ( لُعَبْ ) كانت من الألعاب التي كانت شركات الوقود تقدمها كهدايا لمحطة الوقود ليبيعها لنفسه وقال للفتى , هذه بعض الأشياء للرجل الصغير القادم .

أجهشَ الفتى بالبكاء ثانية في الوقت الذي أخذ ال ( 150 ) دولار التي كان الرجل العجوز قد أعطاها له سابقاً , ولكن الرجل العجوز قال ولكنك بماذا سوف تشتري عشاء عيد الميلاد ؟ أحتفظ بتلك أيضاً , قال جورج , والآن عُد الى بيتك وعائلتك . حينئذ دار الفتى والدموع في عينيه قائلا للرجل العجوز , سوف أكون هنا صباح الغد للعمل أذا كانت تلك الوظيفة لا تزال شاغرة , أجابه العجوز , كلا , فالمحطة سوف تُغلَق غداً لمناسبة عيد الميلاد , سوف أراك في اليوم الذي يليه .

أستدار العجوز جورج ليرى المتسوّل العجوز الذي قدّم له القهوة والدفئ قد عاد , سأله جورج من أين أتيتَ , أعتقدتُ بأنك قد غادرتَ ؟ أجابه المتسوّل , كنت هنا !! كنت هنا على الدوام !! لقد قلت بأنك سوف لن تحتفل بالميلاد , لماذا ؟؟ فأجاب العجوز جورج , حسناً بعد وفاة زوجتي لم أعد أرى سبباً للأحتفال بدءاً من شجرة الميلاد الى المعجّنات التي كانت ( مارتا ) تصنعها , وأن الأمور أختلفت كثيراً بالنسبة لي في غياب ( مارتا ) .

فوضع الغريب يده على كتف العجوز جورج وقال له ” ولكنك أحتفلت فعلا بالعيد : جورج لقد أعطيتني الطعام !! والشراب الدافئ عندما كنت أشعر بالبرد والجوع !! وساعدت الرجل وزوجته وطفلهما القادم الذي سوف يكون من أعظم الأطباء !! ورجل البوليس الذي ساعدته سوف ينقذ ( 19 ) أنسان من القتل على أيدي الأرهابيين !! الفتى الذي حاول سرقتك , سوف يجعلك من الأغنياء دون أن يأخذ شيئاً لنفسه !! هذه هي روح المناسبة التي أكملتها بكفائة الرجل الصالح !! .

أستغرب جورج من كل ما نطَقَ به الغريب , وسأله , كيف تعرف كل ذلك ؟؟

ثق بي جورج , لأني كنت في وسط جميع تلك الأحداث , وعندما تتم أيامك , سوف تكون مع مارتا ثانية , وتحرك الغريب نحو الباب وهو يقول ” أسمح لي جورج , عليّ الذهاب الآن , عليّ الذهاب الى البيت الذي فيه الليلة الأحتفال الكبير بالميلاد كما هو مُخَطَّط له .

ورأى جورج ضوءاً ذهبياً ملأ الغرفة , وصوت الغريب يقول , أرأيت جورج … أنه عيد ميلادي … عيد ميلاد سعيد .

(1) هذه القصة مترجمة عن الأنكليزية لكاتب مجهول , أرتأيت ترجمتها للقراء الأعزاء لروعتها

بطرس آدم

 

 

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *