على هامش مقررات مجلس محافظة بغداد

 منذ فترة واتحادنا يراقب ويواكب التطورات والاحداث المؤلمة، الملاحقة لشعبنا العراقي

عموماً، وتُمثل تراجعاً واضحاً عن الأهداف المتوخاة بعد التغيير الذي حصل عام 2003 والتي

كان يأمل منها شعبنا خيرا وطمأنينة بزوال  مرحلة الدكتاتورية التي رفضها، وهي حصوله

على الحرية والديمقراطية والإنفتاح على آفاق المستقبل لبناء عراق جديد ديمقراطي تقدمي،

 يضمن الحياة الحرة الكريمة للشعب، اسوة بالبلدان المتقدمة والمتطورة ، وللاسف إن ما نراه

 مخيب للآمال ومنافٍ لتطلعات شعبنا ووطننا. لقد عانى الشعب الكثير من الويلات والمآسي

 من جراء ممارسة السياسة الطائفية المقيتة، المشوبة بالتعصب الديني الأعمى الهادف الى

اسلمة المجتمع بأكمله بحسب نهج الفقيه، الساعي الى تغييب مكوناته الدينية والاثنية

الأخرى، منتهكاً بذلك الكثير من بنود الدستور الذي اقره وصادق عليه شعبنا، بكل مكوناته

القومية والدينية المختلفة، وبجميع شرائحه الاجتماعية والثقافية والادبية .

 

قرار مجلس محافظة بغداد بغلق نادي الأتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، المؤسسة

الثقافية والادبية والفكرية، الى جانب النوادي الاخرى في بغداد والمحافظات، يُعد انتهاكاً

صريحاً للمباديء الديمقراطية، وبرهاناً ناصعاً أن النظام العراقي الحالي هو وجه آخر للنظام

 البعثي متستراً باللباس الديني، لذلك قوبل من قبل كافة أطياف الشعب العراقي بالإستنكار

الشديد واعتبرته اغتيالاً للعملية الديمقراطية، وصدوره هو منتهى التعسف والهمجية يُشير

 الى تحول خطير يُهدد الوضع الثقافي بالعودة الى الجهل والتخلف. إن هذه الإجراءات

التعسفية تهدف الى النيل من حرية الأديان والمذاهب ذات التقاليد والأعراف الخاصة،

وستخلق في نفوس الناس أصحابها النفور من الدين، باعتبار أن صدورها جاء من منظوره،

 وبذلك يسيءُ متخذو هذه القرارات الى الدين.

 

إن القرارات والإجراءات الصارمة والتعسفية المتخذة ضد الطبيعة البشرية والمؤدية الى سلب

حرية الإنسان ومصادرة حقوقه في الحياة، بحجة المحافظة على الدين هي مخالفة للدين

أصلاً، وهي شكل من أشكال استعباد الناس الذين خلقوا أحراراً، لذلك تؤدي الى نتائج عكسية

 وتُقابل بردود فعل سلبية لدى الكثير من مكونات المجتمع العراقي ولا سيما غير المسلمة

منها ونعني بهم أبناء الشعب الكلداني المسيحي بكل انتماءاته الطائفية الى جانب اليزيديين

والمندائيين، الذين لا تقيدهم أديانهم بعدم تناول المشروبات الكحولية، فلماذا يُحرمون

ويُحاربون بغلق مصادر رزقهم! أليس هذا اضطهاداً من نوع آخر مضافاً على ما يقوم به

الإرهابيون السلفيون من قتل وخطف وتفجير وتهجير؟ ماذا يعني قرار محافظة بابل بمنع

الموسيقى والغناء أليس كلاهما غذاءً للروح وترويحاً للنفوس!

 

إن إتحادنا يشجب القرارات الإستبدادية غير القانونية لمخالفتها للبنود الدستورية، ويطالب

 بإلغائها حتى لا يستغلها الإرهابيون ومسيروهم لتخريب العملية السياسية الديمقراطية في

 العراق، وبذلك يُفلحون بإرجاع عجلة التاريخ الى الوراء.أليس حرياً بمجلس محافظة بغداد

وهو يمثل واجهة للحكومة المركزية،أن يُعالج ظاهرة الفساد الإداري المستشري في الأجهزة

الحكومية ووضع حد للتجاوزات والتلاعب بالقرارات،وايجاد حل لظاهرة تسول الأيتام من

ضحايا الإرهاب بدلاً من إتخاذها الإجراءات اللاإنسانية بإغلاق اتحادات ونوادي وجمعيات

ادباء ومثقفي العراق؟ أليس ذلك تحجيماً للثقافة والأدب وقمعاً للأدباء والمقفين، وسيؤثر سلباً

 على مستقبل  أبناء العراق وتشييعاً لنعش الديمقراطية . . .

 

على مجلس محافظة بغداد ومجالس بعض المحافظات الأخرى العدول عن قراراتها الجائرة

وعدم استغلال صلاحياتها في اضطهاد المواطنين، بل عليها تقديم الخدمات الحياتية اللائقة

بالكرامة الإنسانية، من حيث تحقيق العدالة الإجتماعية، مراعاة الفقراء والمحتاجين برفع

مستوى معيشتهم، منع الجريمة والإنفلات الأمني، منع الظلم بكل أشكاله وليس القيام بغلق

 النوادي الأدبية والإجتماعية وغلق محلات المشروبات الكحولية التي هي مصدر رزق

لشريحةٍ كبيرة من المجتمع العراقي، وهي سد مانع لإنتشار كافة أنواع المخدرات .

 

 

الشماس د. كوركيس مردو

في 14 /12 /2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *