عـقـلية القائـد الشرقي ـ الحـلقة الثانية ـ

سـبق أنْ فـسَّـرتُ جانباً من سـلوكـية الإنسان الشرقي فـيما يخـص نـفـوره من الـديمقـراطـية وذلك بتأريخ 15 أيلول 2013 في مقال تحـت عـنـوان ( قائـدنا لا يقـتـنع بـديمقـراطـيته ) يمكـن الإطلاع عـليه في الرابـط : http://alqosh.net/article_000/michael_cipi/mc_267.htm .

المسيحي الشرقي :

الإنسان إجـتماعي يـدعـوه طبعُه إلى العـمل بـين أفـراد المجـتمع الـذي يعـيش فـيه من أجـل بناء علاقات مشـتـركة والمحافـظة عـلى وجـوده وكـرامته بـينهم ، مما يجعـله بمرور الزمن يَـقـبل ثم يتـطـبُّع بل ويُحاكي بعـضاً من ممارساتهم المسـتوحاة من ثـقافة بـيئـتهم فـيتـوشح بها حـتى إذا لم تـتـفـق مع بعـضٍ من خـصائـص معـتـقـداته ودون أن تـمس جـوهـر إيمانه ، وما عـدا ذلك فإن مواصلة العـيش تكـون مؤلمة وصعـبة بعـض الشيء .

ورغـم أنَّ معـظم المسيحـيّـين الشرقـيّـين ملـتـزمون أو متأثـرون بالتعاليم المسيحـية مثل وصايا الله العـشر ، إلاّ أنّ الـثـقافة الإسلامية طيلة 1400 سـنة ــ المتسمة بأشكال العـنـف ــ تركـتْ بصماتها السلبـية في نواحي عـديـدة من سـلوكـيات هـذا المسيحي الشرقي الـيومية . فعلى سـبـيـل المثال نرى هـذا التأثير واضحاً عـنـده حـين يواجه قـصة الزانية في الإنجـيل ، فـهـو يؤمن بأنـنا خـَطأة لا نـدين بل الله هـو الـديان… ولكـن تأثـره بالثـقافة الإسلامية السائـدة في محـيطه نراه يحاكي المسلمين أحـياناً كـثيرة ويقـبل بثـقافة غـسل العار فـيمارسها كـدَيّان قـبل أنْ يـدين نـفـسه .

إن مجـتمعـنا الشرقي ــ ذكـوري الـتـوَجه ــ والرجـل يميل نحـو إثبات جـنسه البايولوجي ، وليس خافـياً أنّ هـذا التـوجه هـو نـتاج الثـقافة الإسلامية التي تميِّـز الأنـثى عـن الـذكـر فـتـُمنح لها نـصف حـصته من الميراث مفـضلين إيّاه عـليها وهـكـذا في إدلاء الشهادة أيضاً حـتى صارت الأم الحامل في الشرق تـتمنى ــ ويُرفع لها الـدعاء إلى السماء ــ أن يكـون ولـيـدها ذكـراً ، بل هي نـفـسها تـطلبه بالصلاة إلى الله ، ولم يَسلم المسيحي من التأثر والـرضى بهـذا الـتـشريع وتـداعـياته ، وصار يقـبل بتلك التمنيات الـمتحـيِّـزة لصالح الـذكـور .

ومن مظاهـر إثبات الرجـولة عـنـد المجـتمعات الشرقـية العـشائرية ، الـتباهي بإمكانية المجازفة والإقـدام عـلى السرقة بشجاعة ، والتي لا بـد لها أن تـؤثر سـلباً عـلى عـقـول الأبرياء ممَن يسكـنون معهم في تلك الـبـيئة بمخـتـلف هـوياتهم الأثـنية ( كانت بعـض العـشائر تـفـرض عـلى الفـتى أن يسرق خـروفاً من عـشيرة أخـرى كي يحـظى بالزواج من فـتاة ! ) ولكـن شـكـراً لله فإن التعاليم المسيحـية تركـتْ بصماتها الإيجابـية عـلى المسيحي الشرقي ، الـذي إذا نـوى وتحـرك نحـو السرقة ــ لا سمح الله ــ فإنه عـلى الأقـل يتـذكـَّـر الوصية ( لا تـسرق ) المغـروزة في عـقـله الباطني منـذ طفـولـته ، فـتـشـكـِّـل أمامه وازعاً أخلاقـياً يؤنبه أو تـصبح أمامه عـقـبة تمنعه مِن إتيان الفعـل أو تكـون سـبـباً لتأجـيله أو … ربما يسرق ولكـن بضمير !!! ( في أحـد أيام الستينات من القـرن الماضي وأنا طالب في بغـداد ، سـرق أحـدهم نـقـوداً من جـيـب سـروالي المعـلق في غـرفـتي المغلقة ولكـنه أبقى لي مصروفي اليومي ، فـهو سارق ولكـن بضمير ) …. وهـكـذا حـين يُـقـدِم أحـد عـلى فعـل الـقـتل أو الزنى أو الإدلاء بشهادة زور ، فإن ترسّـبات تربـيته المسيحـية في أعـماق ذهـنه ــ إنْ لم يرضخ لها كـلياً ــ فإنها تـزرع الرهـبة فـيه فـتـؤخـره أو تعـرقـل حـركـته في ذلك الإتجاه وقـد تمنعه كـلياً من الإنحـراف .

القائـد الشرقي :

نـقـصد بالشرقي كـل مَن تـرعـرع هـو وأجـداده لعـدة أجـيال في الـبـيئة الشرقـية فـتـشَرّبَ من تراثها وثـقافـتها الفـكـرية ، وتـطـبَّعَ عـلى أعـرافها وقـيَمها وتقالـيـدها الإجـتماعـية وأمثالها الشعـبـية … والقائـد الشرقي ممكـن أنْ يكـون مديرَ مـدرسة أو ضابطاً في الجـيش أو وزيراً أو رئيس حـزب أو خـوري الكـنيسة أو رئيس نقابة …… والمسيحي الشرقي واحـد من أولـئك .

حـين تـطـوَّرتْ المجـتمعات الـبـدائية وتـكـونتْ العائلة ، كان طابع حـياتها الـبـدائي زراعـياً بحاجة إلى تكاتف أعـضاء الأسـرة لإنجاز أعـمال الزراعة الـيـدوية بمراحـلها العـديـدة والمتعِـبة وكـذلك للحـماية ، ثم صار كـبـير العائلة يرأسها ويـديرها ويفـرض إرادته دون أن يعـطي حـرية لأعـضائها المنهمكـين في العـمل والمتأخـرين ثـقافـياً ، فـنشأ عـنـده حـب الـتـباهي والغـرور والإعـتـزاز بالقـدرات الـذاتية ، وبالتالي لم يعـد يرضى بأفـكار الغـير كي لا يقـرُّ بمؤهلاتهم المفـيـدة وبآرائهم البناءة فـيفـقـد مكانـته ، وعـليه فإنه بمرور الزمن نشأتْ ردود فـعـلٍ عـكسية لمارسات القائـد ، غـُرِزَتْ بصمت في أذهان الأعـضاء ودُفِـنـتْ كـذكـريات عـميقة في بحـر عـقـلهم الباطني ، لتـطـفـو عـلى السطح في أقـرب فـرصة متاحة لهم ــ عـنـد الكِـبَـر والوعي ــ فـيتحـرّرون ويتسنمون مراكـزاً أو مناصباً إجـتماعـية فـيعـيـدون تـصرّفات قائـدهم السابق أمام الناس لـيـصبحـوا أصحاب الرأي المنـفـرد .

وهـكـذا فإن طبـيعة القائـد الشرقي يـرفـض أيّة فـكـرة أو مقـتـرح يقـدّمه موظف تحـت إدارته مهما كان إيجابـياً والسبب !! لإعـتـقاده بأنّ الـتـفـكـير والأفـكار الجـديـدة هي من حـقه فـقـط ، أما الآخـرون فعـليهم الطاعة والخـضوع والـتـنـفـيـذ . البعـض صار يسرق أفـكار ومقـتـرحات الغـير ويـدعـيها لـنـفـسه عـنـد المراجع الأعـلى كي يحـصل من ورائها عـلى مبتغاه .

إنّ هـذا الرخـص في الـنـفـسية شاهـدناه عـنـد الضابط العـسـكـري ورجل المعـبَـد والمدير المدني ، فـقـد لاحـظـنا في جـبهات الحـرب كـيف أن القائـد الجـديـد يلغي الإنجازات الرائعة للمسؤول السابق ويستـبـدلها بأخـرى من إنجازاته كي تسجَّـل بإسمه ، وهـكـذا فإن تجاربنا الحـياتية تكـشـف لـنا عـن تـزمت الـبعـض برأيهم المخالف ، وحـين يُحاصرون في زاوية ! فإنهم لا يقـبلون الإستـسلام ولا الإعـتـذار ، بل يـدافـعـون عـن أنـفـسهم بصورة مخجلة لا يحـسّون بها بطريقة : ((( أنا السيـد ))) وأنا الـذي أقـول ذلك ، وهـو عالِمٌ عِـلم الـيقـين بأنه مخـطىء …. وبهـذه الـ ((( أنا ))) يريـد الإيحاءَ لنا بأنه معـصوم عن الخـطأ والزلات ، ولا يَـزِلُّ لسانه ولا يشرد ذهـنه أبـداً ، وما عـلى الآخـرين سـوى الطاعة الحـتمية …. وهـذه كـلها قادتْ الشعـوب إلى التمرد عـلى السلطة والمطالـبة بالحـرية والـديمقـراطية … وهـكـذا عـلى الصعـيد الكـنسي فإن أفـكار القادة تغـيَّـرَتْ ، فها هـو غـبطة الـﭘـطريرك مار لويس ساكـو ، يقـول : لم تـبقَ في الكـنيسة عـقـلية نخـبة تملك السلطة والبقـية تـطـيعها !! ……… ناهـيك عـن أقـوال قـداسة الـﭘاﭘا فـرانسيس الأكـثر إثارة والمنـشورة في موقعه الرسمي والتي قـد يتـفاجأ بها الكـثيرون … نـتـركـها للمستـقـبل .

 

بقـلم : مايكـل سـيـﭘـي / سـدني ــ

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *