عاش المعاش! عاش..عاش..عاش

قد لايعلم الجيل الجديد بأن كلمة “الراتب” مفردة حلت محل “المعاش” التي كانت شائعة على ألسنة الأجيال التي سبقته، وأن مفردة “موظف” أصبحت عامة لتطلق على جميع العاملين في دوائر الدولة العراقية، بمن فيهم العمال بمختلف مهاراتهم. كان العراقيون يتطلعون إلى عيش كريم منذ عقود خلت، ولكن ما وجدوا في عيشهم على رواتبهم سوى الرّتـَبُ، أي ضنك العيش، سابقا ولاحقا. كانت مفردة “المعاش” كلمة سحرية لدى العراقيين، خاصة في القرى، إذ كان للمعلم هيبته. وكانت بطبيعة الحال حظوظه في الزواج أوفر من غيره، لأنه أفندي، ويحال على المعاش (أو التقاعد) وهو مطمئن البال على مستقبل أطفاله. ومع مرور الزمن، ضاع الخيط والعصفور (كما يقول المثل العراقي)، وأصبح المعلم (والموظف) في أدنى سلم المعيشة مقارنة بجماعة الرواتب الخاصة. كان (سليم) الأستاذ في كلية التربية يبيع بنزين سيارته البرازيلي في ألقوش (شمالي الموصل)، وكان (داود) الأستاذ في المعهد الفني بالموصل يبيع أسطوانات الغاز، بمساعدة أولاده، في المجموعة الثقافية. قُبضت عليه الفرقة الحزبية متلبسا بجرم العيش. ولم يكن الدكتور (صادق) في قسم اللغة العربية بكلية الآداب/ جامعة الموصل، كغيره من أساتذة الجامعات، قادرا على النزول إلى الشارع ليصرخ “عاش المعاش”. ولو قدُر له فعل ذلك، ما سمع أحدا يردد بعده “عاش..عاش..عاش” لأنها ماركة مسجلة ولا يجوز العبث بها في غير موضعها. لقد اختار أن يكون عرضحالـﭽيا (كاتب عرائض) أمام محاكم الموصل. ورغم مرور سبع سنوات على تغيير النظام السابق، مازال مئات الأساتذة ممن فرّوا بجلدهم إلى دول الاغتراب، الذين خدموا في الجامعات العراقية لعقود، بدون راتب تقاعدي. إنه “المعاش” الذي يدفع المحروم منه أن يصرخ: “قطع الاعناق ولا الأرزاق”، وربما فعلها أولاده وأحفاده من بعده. ومن لا يستطيع أن “يحل رجل دجاجة”، كحالي أنا العبد الفقير، كان الله في عونه، وما عليه سوى أن يطلق العنان للهتاف الشعبي: “عاش المعاش” على صفحات الشبكة العنكبوتية، كأضعف الأيمان في سعيه، علّ الجمهور الإفتراضي يردد من بعده: “عاش..عاش..عاش” تضامنا مع المبادىء الأساسية لحقوق الإنسان. ربّ آذان صاغية في البرلمان العراقي!

الأردن في 26/12/2009

ملاحظة: الأسماء الواردة مستعارة، ولكن الشخصيات حقيقية.



You may also like...