صورة الاقليات الدينية في العراق/ بقلم عبدالغني علي يحيى



(يجب أن لايخلو الشرق من المسيحيين ولا الغرب من المسلمين).

    هذا ما قاله المالكي عقب الاعتداء الدموي الذي طال كنيسة سيدة النجاة ببغداد عام 2010، بيد ان الاعتداءات المتفرقة على المسيحيين فيما بعد أرغمت 12000 منهم للهجرة الى كردستان، فألافا أخرى الى الغرب ، وما زال نزوحهم الى كلتا الجهتين يتواصل. وفي البدء كانوا هدفا للجماعات الارهابية سيما (دولة العراق الاسلامية)، أما الان ومنذ زمن فأن اقصاء المسيحيين وممارسة التمييز بحقهم من جانب الحكومة العراقية، دخل على الخط، فبعد ان كان للمسيحيين سابقا مقعد في المفوضية العليا للانتخابات، فأن التشكيلة الجديدة لها حرمتهم من ذلك المقعد والذي سمي بالتاسع حين أسند الى التركمانية كلشان كمال، رغم مطالبات المسيحيين المتكررة به، ولكن دون جدوى، ما دفعهم الى الاحتجاج، ولقد خضع حرمانهم منه الى تفسيرات، منها انه حصل، بعد مغادرة الجيش الامريكي للعراق في نهاية عام 2011، ما يعني ان ذلك الجيش كان صمام الامان للديمقراطية في العراق . وعند البرلمانية المسيحية باسمه بطرس ان 🙁 حيادية قائمة الرافدين البرلمانية المسيحية كانت سببا في حرمان المسيحيين من المقعد التاسع).. الخ من تفسيرات اخرى توحي ببدء التنكر رسمياً للمسيحيين.

   لقد كان متوقعاً منح المقعد المذكور للتركمان، لما سبق ذلك عدهم رسمياً قومية ثالثة في العراق، ويعزى هذا التطور المفاجيء الى تفاقهم الصراع بين العراق وتركيا مؤخرا على كسب المكون التركماني كل منهما الى جانبه، وفي زمن الاصطفاف المذهبي الحاد في العراق بالأخص، فأن النصر كتب للعراق، لكون الاكثرية من التركمان من أتباع  المذهب الشيعي. ويتجلى هول الغبن النازل بالمسيحيين، ان عددهم لايقل عن عدد التركمان وقد يزيد، ثم أنهم ينتشرون في معظم انحاء العراق خلافا للتركمان الذين يقيمون في خط فاصل متقطع يتوسط الكرد والعرب السنة. اضف اليه، معلومات تفيد انهم، المسيحيون، القومية الثالثة في العراق. سيما اذا اخذنا بالأعتبار، انهم  يشكلون جالية ضخمة في الخارج. وللأحجاف بحق المسيحيين جذور في تأريخ الدولة العراقية ، اذ تعرضوا الى مصائب مروعة في معظم العقود التي مربها العراق، ابتداء من مذبحة (سميل) عام1933 ومرورا بمذبحت  صوريا عام 1969وقبلها حملة الاغتيالات في الموصل 1960 -1963 ، لهذا ولأسباب عدة تتجنب الحكومة العراقية الحالية ترقيم مرتبتهم الى سكان العراق ، مهما كانت المرتبة ضئيلة. ويأتي الاقصاء ضدهم أوضح، فيوم زار اسامة النجيفي رئيس البرلمان العراقي مدينة كركوك وعد التركمان بذلك المقعد من قبل ان يقر البرلمان العراقي بذلك وعلى الضد من انتصار المحكمة العليا الفيدرالية لشكوى تقدم بها المسيحيون لاجل الفوز بالمقعد.

   ويكاد يكون كل ظلم مقبولا لدى المسيحيين بشرط أن يكون تحت مستوى إراقة الدماء، لذا فان إحتجاجهم على حجب المقعد عنهم بدا كصرخة مخنوقة خجلة لم تجد أذانا صياغية، ناهيكم عن وجود مايشبه التعتيم الاعلامي على مطالباتهم بحقوقهم المشروعة. وقد يتحمل المسيحيون بدورهم جزءا من التجاوز عليهم، طالما بقوا على تلك الحيادية التي اشارت اليها البرلمانية المسيحية، حتى حكومة كردستان لم تنتصر لهم عندما طالبوا بالمقعد المذكور، هذه الحكومة، بمناسبة أو غير مناسبة تصرح بان المسيحيين كردستانيون اصلاء. ومع هذا لاوجه للمقارنة بين موقفي بغداد وأربيل حيال حقوق المسيحيين، يكفي أن نعلم ان حكومة كردستان احتضنت الالاف من المسيحيين الفارين من وسط العراق وجنوبه ووفرت العيش الكريم لهم، وفوق هذا فأن صمتها ازاء المقعد المنوه عنه يؤخذ عليها.

    ان الذي يمهد اكثر للأمعان في اضطهاد المسيحيين والاقليات الدينية الاخرى، هو، اجواء التوتر بين المسلمين والمسيحيين في العالمين العربي والاسلامي، وليس ببعيد حلول يوم يتحول فيه المسيحيون كافة اما الى اقليم كردستان أو الى خارج العراق. ان مرت الاحوال على المنوال هذا.

   لقد كان فوز التركمان بالمقعد التاسع استحقاقا لهم ولكن على حساب نفي الاستحقاق المسيحي، وكان من الممكن تلافي ذلك من خلال إستحداث مقعد عاشر للمسيحيين فهؤلاء ان لم يكونوا المكون الثالث في العراق، يقينا انهم ( الثالث المكرر) انجاز القول. ويلي الايزيديون المسيحيين  في مجال التهميش والتجاهل فهم يشكلون ما يقارب ال 90% من سكان المناطق المتنازع عليها في محافظة نينوى، وان من مجموع(12) عضوا في قائمة نينوى المتاخية الكردستانية بمجلس محافظة نينوى فأن (9) منهم ايزيديون. ولكن مع كل هذا ، فأن المرشح لمنصب نائب محافظ نينوى هو عنصر شبكي من الشيعة، ويقل عدد الشبك في المحافظة كثيرا ليس عن عدد الايزيديين فقط، انما عن عدد المسيحيين كذلك. وسبق للأيزيديين  وان طالبوا بذلك المنصب. وامعانا في حرمان الاقليتين الدينيتين، المسيحيون والايزيديون في المحافظة، صدور أمر بتشكيل قوة بوليسية مسلحة من الشبك بحجة الدفاع عن انفسهم، فمساع لاختراق ديموغرافي لأراضي المسيحيين في شرق وشمال الموصل. وهكذا ففي ظل الحكومة المذهبية الشيعية تعمل الممارسات على التقليل من حجم الاقليات الدينية ومضايقتها بغية حملها على الهجرة وتفريغ البلاد منها، وذلك على النقيض من الحكومات الجمهورية العلمانية السابقة التي كانت تخطط باستمرار للتقليل من حجمهم الاثني القومي، ففي العهد البعثي السابق تم تطبيق ( تصحيح القومية) الذي طال عشرات الالوف من الكرد والمسلمين والتركمان، على الرغم من ان الكرد ليسوا اقلية.

    ان المشهد الحالي للأقليات الدينية في العراق، بدأ يسترعي الانتباه بقوة، ويتجسد ذلك في اكبر تجمع نوعي اقامته الاقليات العراقية قبل فترة وجيزة بمدينة السليمانية وحضره ممثلون عن البرلمانين العراقي والكردستاني وحكومة اقليم كردستان ومنظمة الدفاع عن حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، وفيه حملت على المضايقات الجارية ضدها، ومما قالته ” الاقليات الدينية” 🙁 ان التغييرات التي يشهدها المجتمع العراقي وخاصة في جنوب العراق بتوجهه نحو مجتمع ديني مغلق تثير مخاوف كبيرة لدى الاقليات)! و اشارت الى تغيير في الخارطة الجغرافية خاصة بالنسبة للمسيحيين والصابئة، فأهمال الديانتين: البهائية و الكاكائية في الوثائق الرسمية. كما اعلن المجتمعون عن خوفهم من (هيمنة الاحزاب الدينية على السلطة، و الهجرة المتزايدة للأقليات الدينية بنسب كبيرة. وأثنى المجتمعون على  اوضاع الاقليات الدينية في كردستان العراق وشجبوا نظيرتها في وسط العراق وجنوبه.

عبدالغني علي يحيى

كاتب سياسي –العراق

(الشرق الاوسط)

You may also like...