صوت الأب سعد سيروب يصرخ في البرية لكن لا احد يريد سماعه .

 
 
habeebtomi@yahoo.no

يستهل الأب سعد سيروب مقاله بقوله :
أسهل على الجمل ان يدخل من ثقب أبرة من أن يدخل الغني ملكوت الله” (مر 10/ 25)
((أني الأب سعد سيروب حنا راعي خورنة مار يوسف البتول في الكرادة / خربنده اتوجه الى ابناء هذه الرعية وغيرهم من الموجودين في داخل البلد وخارجه، وخاصة الى الاغنياء واصحاب الاملاك في منطقة الكرادة الشرقية وغيرها من المناطق. أريد أن أقصّ عليكم معاناةً راعوية نواجهها هنا في بغداد وانتم طرف فيها بشكل مباشر أم غير مباشر، وألتمسكم التفكير فيها على ضوء الايمان والالتزام الاخلاقي. )) .
 هذه كلمات مفعمة بالمحبة وبدرجة كبيرة من الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقه .
لكن قبل خوض غمار فكرة الأب سعد سيروب ، احب ان اناقش استهلاله لمقاله او لندائه بما ورد في الأنجيل المقدس الذي كتبه مرقس من استحالة دخول الغني الى الجنة . والسؤال الراشح : ماذا يقول الأب سعد سيروب عن بعض الأغنياء الذين يضحون بأموالهم وبراحتهم لخدمة المرضى والمحتاجين والجياع في اقطار العالم ، وعلى سبيل المثال لا الحصر تبرع كبير مؤسسي شركات الحاسوب والبرمجيات العالمية بيل غيتس بمعظم ثروته البالغة 50 مليار دولار للمؤسسات الخيرية ، فهل مثل هذا الأنسان لا يمكن ان يدخل الجنة ؟ وثمة أمثال كثيرة على هذا النهج لا مجال لذكرها هنا .
إن صراخ الأب سيروب في أرجاء البرية كان عالياً ، لقد رفع هذا الأنسان صوته عبر الأنترنيت لينتشر في كل اصقاع المعمورة ، لكن رنين كلماته لم يكن لها صدى ، إنه يعرض مشكلة حياتية عويصة وهو يدرك نتائج عدم معالجتها ، وهو لا يملك من مقومات الحل بين يديه سوى الأيمان والمناشدة .
لنصغي الى كلمات الأب سيروب ، إنها لا تتطرق الى التسمية او القومية او المكاسب الحزبية والسياسية او البرلمان ..  إنه ببساطة يعرض مشكلة رعيته التي تمتد بمفاصلها الى درجة قلع الجذور من هذه الأرض الطيبة . لنستمر مع الأب سيروب وهو يستغيث ولا مجيب فصوته يتلاشى في ارجاء البرية كما تتلاشى موجة البحر الأزلية العارمة بعد اصدامها مع الجدران الصماء .
الأب سيروب يعرض المشكلة كما هي دون رتوش ويناشد اصحاب المباني من شعبنا في منطقة الكرداة وغيرها من الذين يؤجرون بيوتهم للباقين الماكثين الصابرين من ابناء شعبنا في بغداد ، ويدعو اصحاب تلك المباني الى عدم التشدد معهم برفع الأيجارات ، وهو يبين ان الباقين هم من ذوي الدخل المحدود ، ولا يتعدى عدد العوائل الباقية في الكرادة مثلاً 400 ـ 500 عائلة . إن هذه العوائل تحيط بها المخاطر من كل جانب واليوم تأتي مسألة ازمة السكن وارتفاع الأيجارات . إنها مشكلة من أرض الواقع ولا تحتاج الى الأسهاب في شرح تداعياتها .
اقول للاب سعد سعد حنا سيروب بكل محبة ، بأن لي مبنى في بغداد لكنه لا يقع في الكرادة ويتكون من أربع شقق سكنية ، وقد هاجرت العوائل المسيحية الأربعة التي كانت تسكنه لسنين ، وبعد ان فرغ المبنى من ساكنيه طلبت قوات الصحوة من وكيلي في بغداد السماح لعائلة مسلمة بالسكن في واحدة من الشقق لكي لا يُستغل المبنى من قبل الأرهابيين ، وتعهدوا بإخلاء المبنى حسب رغبة مالكه ، وهنا اضع هذا المبنى امام الكنيسة ليكون تحت تصرفها لتسكن المحتاجين من ابناء شعبنا ودون مقابل لمدة سنتين ، وعسى ان نفلح بالتخفيف عن عائلة او اكثر من معاناة السكن وارتفاع الأيجارت .

لنعود الى الأب سيروب وهو يختتم مقاله بالمناشدة بكلمات شفافة كصفاء قلبه ونقاء روحه ليقول :
(((المشكلة في ان الكنيسة لا تتكلم؟! فهي ضعيفة ولا كلمة لها، لا في الداخل ولا في الخارج؟! لا تكونوا انتم والزمن على الفقير والمعوّز. اعملوا بالمعقول واقنعوا بالربح الكافي، الى أن ينجلي الليل وتشرق الشمس بيوم يكون سعيدا للجميع. أصلي الى الله ان يبارك الجميع وينيرهم بحكمة محبته. آمين. ))) .
نعم هذه الكلمات لا يجوز ان نمر عليها مر الكرام ، وهي من المشاكل المعقدة التي ينبغي معالجتها جذرياَ مع المشاكل الأخرى من ضعف الكنيسة وما تتعرض له من محاولات لتمزيقها وتشتيت شعبها الكلداني وتمزيق بنيته الأجتماعية وتهميش تاريخه وتراثه وإهماله سياسياً وقومياً .
 بارك الله بكل من يصغي ويلبي نداء الأب سيروب المفعم بالمحبة .
 حبيب تومي / اوسلو في 29 / 05 / 2010

You may also like...

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *